إبداعثقافة وفنون

بين العهد الملكي وما بعده..الناس ليسوا..للناس !!

      ــــــــــــــــــــــــــــــ بقلم: الدكتور هاني عاشور ـــــــــــــــــــــــــــــــ

أيام العهد الملكي في العراق كانت كثرة من شيوخ العشائر والسياسيين والميسورين يتقدمون على الدولة في أحيان كثيرة لإنجاز مشاريع خاصة لابناء مناطقهم ، كبناء مدارس او مستشفيات او قاعات ، ثم تتقدم الدولة بعدها لتوفير المعلمين والموظفين فيها ، ورغم ان ذلك كان يحقق مجدا شخصيا للشيوخ والميسورين اذ غالبا ما تحمل تلك المدارس اسماءهم او رموزهم العشائرية ، الا انها كانت تعبر عن التصاق هذه النخبة الاجتماعية باهلها وناسها ، وتعبر عن اعلى درجات المواطنة والاهتمام بالشعب ، وكان من النتائج الطبيعية ان يعبر الناس بالمقابل عن اهتمامهم بهذه الالتفاتات الكريمة التي غالبا ما تعطي النخب الاجتماعية ثقلا اكبر في مجتمعاتها ، ومجدا وطنيا اكبر ، ينعكس بالوفاء اليها ، او المحافظة على العهد معها والذي غالبا ما يتألق خلال الانتخابات بحصول هذه النخب على اعلى الاصوات .

غير ان الناس -في الواقع الحالي الذي ينزف مرارة – تتحدث غالباً عن سرقة النخب لاموالهم ، ويتبجح من اعتلى عرش النخبوية غصبا وتلونا وانتهازية، بالتقرب من الناس ولكن من خلال قناة الرشاوى وسلب ما لديهم واغنائهم بالوعود والعهود ، ورغم ذلك فان معتلي النخبوية يحلمون باصوات الناس الانتخابية ، دون ان يقدموا اليهم ادنى ما يتطلبه الامر بالمعروف واغاثة الملهوف وصلة القربى ، والاحسان للناس ، وخدمة مجتمعاتهم الصغيرة التي يحلمون بتحويلها الى عبوديات لكبريائهم  المزيف .

ربما يقول قائل ولكن هناك من يسعى عبر نشاطات معينة لخدمة اهله وناسه ، غير ان الجواب الاصغر لما يقال ، هو ان الدعاية والاعلام، والتمظهر بمظهر الخيرين، هما هدف تلك النشاطات الوهمية التي يصرف على الاعلام عنها ، اكثر مما يصرف فيها ، وحسب الناس ان تقول ما تعرف عن ذلك فلديها الكثير مما يمكن ان يقال .

العلاقة بين ما يسمى اليوم النخبة والعوام من الناس ، حسب مصطلحات الذاكرة الاجتماعية العراقية وثقافة المجتمع العراقي المبسطة ، تكشف ان ما يؤخذ باسم الناس الطيبين اكثر بمئات الاضعاف مما يمنح لهم  ، وما يتركز من المنكر اكبر بالاف الاضعاف مما يساق من معروف ، وفي اموال النخبة التي تُهرَّب الى خارج البلاد ما يؤكد ذلك ، وفي فقر الناس وحاجتهم وفاقتهم ما يعطي المثل والدليل على ان ما يسمى بالنخب التي تريد ان ينتخبها الناس ليست سوى مافيات ، ترضى بالكثير وتمتنع عن اداء القليل .

ليس الامر بكل تأكيد واقعة اجتماعية علينا القبول بها والتسليم ، بل هو مخالفة للشرائع والاعراف والاخلاق والتقاليد ، وليس بين من يقول هذا فلان مشيرا الى الوجاهة والاستحقاق كما قبل ذلك ، مثل ما يقال الان عن فلان مشيرا الى ضغينة خفية وتسمية سرقة مجازا باسماء يسميها الناس اليوم ، بالفساد والاختلاس ، وهدر المال العام ، والسلب والنهب واللغف بطرق مشرعنة .

قديما قيل ( الناس للناس ) واليوم ( الناس ليسوا للناس ) ، ولكن يبقى حكم المجتمع قاسيا ساعة يجد الجد وفيما مضى دليل وعبرة لمن يعتبر .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى