على ناصية الطريقمجتمع

  سويعات جمالٍ في بغداد من (الجرّي) إلى (الدومينو) إلى حكايات دفء القلوب..

من أين أبدأ ؟!

  دعني أطلق العِنان لتداعي الكلمات، فلا أصْدقَ من تركِ دفء القلب يتسرّبُ إلى الأنامل.

   غبّ أولى زياراتي إلى العاصمة، بعد فراق سنواتٍ طوال، سجّلتُ الآتي:    

 تبدو بغداد لمن يزورها منشرحة الصدر، وافرة المِلْكية، فيها شيءٌ من الهداية ، والحكمة العامرتين، وفي ليلها أيضاً ما فيه من حشدِ الأنوار ، وشيوع الأمان الذي هو ضدّ اسوداد الفتك بالناس جُزافاً!!.  

    أقول: تبدو بغداد لزائرها هكذا..لكنّ الانغمار في بحار أضواء مولاتها، مقاهيها، أسواقها، محلاتها، مطاعمها، سوبر ماركاتها، وحتى دكاكينها الصغيرة، لاسيما في المنصور، الأعظمية، الكرادة، داخلها وخارجها من أربعين حراميها إلى جسرها المعلق، ومن عرصات هنديتها حتى جادريتها، ثم بعض مناطق الكرخ، الخضراء، الجامعة، العامرية، وحطّين التي أقمتُ فيها ضيفاً على صديق العمر الأخ الحبيب اللامع بعقله، واعتداله، ونُبله، وسماحته، ومحبّته، وكبير قلبه، الدكتور هاني ابراهيم عاشور العامري، أبي لبيد، أبي الفقيد الشاب الجميل الشاعر الآسر (أبو ضحكة جِنان) تغمّده الله بوافر رحمته، وأسكنه جنّات النعيم، وأيضاً أبي خليل، الرجل (الآية) في أخلاقه الطيّبة وسِماته النادرة وظلال ابتسامته التي أسكتَ تفجّرَها غيابُ أخيه الحبيب عن حياته المديدة بإذن الله تعالى.

   عشتُ أيضاً مع الغاليين، راسخي الودّ، ومهندَسيْ الخُلُق باسم ومروان، ابني صديقٍ لي في سنوات الدراسة المتوسطة والثانوية، هو الحبيب محمد الدليمي. وما أوصلني إليه قبل أكثر من ربع قرن وليس الآن، خؤولة أبي اللُبدِ لولديه، ذلك هو الدكتور هاني عاشور حرسه الله ومنّ عليه بالعافية والرفعة.

    كان لابدّ أنْ أنقاد إلى ما سكنَ في قلبي، وأنا أسكنُ لأيام وأيّام في هذا البيت الكريم، الذي أفاض عليّ بكرمه، وبتحمُّلِ شقاءِ المقيمِ الآتي إلى بغداد من آخر الدنيا. كانَ (أبو اللُّبُد) يعينني في ذهابي وإيابي على علّةِ قدمي، ورُكبتيّ، فلا يدعني أعبُرُ شارعاً أو أنزل من سيارتهِ إلا وهو يمسكُ بيدي حتى لكأنّه يقود أعمى إلى سواء سبيله!. له في ذمّتي حسناتٌ لا أقوى على الوفاءِ بما يكافيها إلا بالدعاء أنْ يجعلها الله تعالى في ميزان عملهِ. اللهمّ آمين.

    وكان أجملَ ما ابتدأنا به مشوار لقاءاتنا، أبو لبيد، وباسم، ومروان، وخليل، وأنا ضيفهم طويل الإقامة، وليمة (الجِرّي) في مطعم “وليد”، أحدِ مكوّنات ناصية الطريق المواجهة لجامع الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. تلك الوليمة التي ظللنا نكرّرها لأيام بمجموعتنا هذه أو بغيرها من شخصيات صُحبة المحبّة والوفاء.

   وفي أحدِ مقاهي الأعظمية التي نعشق جميعاً–من قبلُ ومن بعدُ- تمضية أماسينا فيها، عشنا ساعاتِ ليلةٍ امتدّت حتى وقت متأخّر، نتبارى في لعبة “الدومينو” التي تُنسينا الدنيا وما فيها من آلام وآمال!. وكان أحلى ما فيها أنّ ثلاثة سألونا المساعدة، فأكرمتهم حالي حال الذين أنستْهم الغُربة الجودَ بما في اليد، وما إنْ فاز ثنائيّي مع مروان (اللاعب المحنّك) حتى علّق أبو لبيد وهو المحلل السياسي العتيد، واصفاً خسارة ثُنائيته مع باسم قائلاً: أبا سيف أكرمتَ ثلاثة، فكيف يُخسركَ الله؟!.

      وفي مناسبة كهذه أقول:     

     ذكْرُ محاسن الصَّحبِ مروءة، واعترافٌ مُهندَم برضا القلب، وخضوعٌ عبقريٌ لمعاني الجمال!.

   لا تبخلْ بما يُسعدُ روحَك، فالعطاءُ بهجة، والبخلُ منهجٌ رذيل!. كنْ كالمطر ، تغسل الأدران، وتسقي الزرع، وتُذهبُ الظمأ، وتفتح صفحة جديدة في عمر الأرض.

   كِتمانُ الاستحسان جُبنٌ ونكوص وغدرٌ جوّاني، وما تراه جميلاً ، لا يُضفي عليك بعضَ بهائه إلا باعترافك وصدق الكشف عن شهادتك في لحظة التجلّي.

 آيةُ المحسن تواضعُ روحه لا ضَعتُها، وما المنكرُ، الخاتلُ، المنكفئُ على مخزون عواطفه، سوى أعمى نظَرٍ ونَضارة!.

   أقول: لن تترقّى في مدارج الروح حتى ترى نفسك معترفاً بما يُحسنه غيرك. 

   وكان جبران الفيلسوف، الشاعر الحسّاس، الفنان منشغلاً دائماً بجمال الروح، فهو عنده الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يراه الأعمى!!!. 

      ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ للّيالي بقيات…. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى