إبداعثقافة وفنون

روفائيل بطّي..مؤسّس الصحافة العراقية* 

           ـــــــــــــــــــــــــــــ بقلم: زيد الحلّي ـــــــــــــــــــــــــــــ

ظلَّ اسمُ “رُوفائيل بُطيِّ” متجذراً في الوجدان العراقي طوال السنين الممتدة من بدايات عشرينيات القرن المنصرم حتى الآن، ولاسيّما  في المحيط الصحفي والثقافي ، رغم أن الرجل لم يعش سوى  55 سنة ، حيث ولد في 1901 وتوفي 1956 لكنه شكّل ظاهرة ، لم أجد لها مثيلاً ، فهو الذي أسس أشهر مطبوعة عراقية ، وهي صحيفة ” البلاد ” التي تميزت بطباعتها الأنيقة ، ومهنيتها العالية ، وجمع فيها بين لغة الصحافة حيث الخبر والمعلومة، ولغة السياسة حيث التأثير والاقتناع، ولغة الأدب حيث الخيال والجمال والفن، ولغة القانون حيث الدقة والرصانة ، وكانت صحيفة “البلاد”  كما وصفها المفكر د. عبد الحسين شعبان (وجهاً مشرقاً للصحافة العراقية وإحدى المدارس المهنية المهمّة في الإعلام العراقي، وهي مدرسة معمّرة بلا أدنى شك، واحتلّ بطي مكاناً بين أسماء كبيرة في حينها في عالم الصحافة، ولولا موهبته لما كان يستطيع الاستمرار، بل حتى الدخول في الصحافة البغدادية وهو الشاب الموصلي المسيحي القادم لتوّه إلى بغداد) وهنا لابد من الذكر أن صحيفة ” الأهرام ” المصرية ذائعة الصيت ، عيّنته رئيساً لقسم الشؤون العربية فيها حين هاجر مكرهاً الى القاهرة عام 1946 حتى عام 1948 وهي سابقة دللت على نبوغه الصحفي والإعلامي ، وفي عام 1953 أصبح وزيراً للدولة مرتين في وزارتي فاضل الجمالي الأولى والثانية سنة 1953 حيث تسلم حقيبة  وزير دولة (لشؤون الدعاية والصحافة) وفي العمل النيابي ، أصبح عضواً في البرلمان العراقي  في عام 1935 نائباً عن البصرة، وفي عام 1939 نائباً عن بغداد.

كما كان بُطيِّ  ناقداً ادبياً وشاعراً رائداً ، ميالاَ الى الحداثة ويمكن اعتباره من مؤيدي مدرسة الشعر الحر ، وكان نثره بليغاً ويمتاز بلغة أنيقة، كما أسهم في ترجمة مجموعة من الروايات العالمية ، وقد تناول هذه الريادة الناقد ” حاتم الصكر” في كتابه المعروف “رفائيل بطي وريادة النقد الشعري في العراق ”  وشخصياً ، لم أكن أعرف عن رفائيل بطي  هذه الجزئية إلا من خلال هذا الكتاب ..

والى جانب هذا النشاط ، فقد قدم الى المكتبة ، ستة كتب مهمة جداً وهي “سحر الشعر” طبع في القاهرة 1922 و (الأدب العصري في العراق العربي) وهو جزآن طبع في القاهرة 1923 و (أمين الريحاني في العراق) 1923 و (الربيعيات) وهو شعر منثور 1925 و(فيصل بن الحسين) وقد طبع دون ذكر اسم مؤلفه 1945 و(الصحافة في العراق) الذي طبع في القاهرة 1955 أي قبيل وفاته بسنة واحدة ، وقد حظيتُ بقراءته ، وهو مهم جداً  لمن يهتم بالشأن الصحفي في العراق ، وقد تضمن المحاضرات التي ألقاها “رفائيل بطي” في مختلف المناسبات ، وفيها  استعراض شامل، لتاريخ الصحافة العراقية ومراحل تطوُّرها، وأهم التغيرات التي طرأت عليها منذ أن ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر، في نهاية عهد الدولة العثمانية، إلى ما بعد تأسيس الحكومة العراقية عام ١٩٢١. كما يتحدَّث الكتاب بإسهابٍ عن أبرز الصحف العراقية التي ظهرت في تلك الآونة، وخاصةً الصحف الحزبية، مع توضيح أهم المواقف السياسية التي اتخذتها، مستشهداً ببعض المقالات والمنشورات المهمة بعدد من الصحف والمجلات العراقية.

ربما يسأل البعض ، عن مناسبة كتابة هذا العمود ، والحق معهم .. فأقول إن الموقف النبيل والانساني الذي تقوم به أسرة وأحفاد هذا العلم العراقي ، باعتزامهم  إصدار موسوعة ضخمة عن جدهم ، جعلني أتوقف بإجلال أمام هذه الرغبة ، بالرغم من الشهرة الواسعة التي ملأت مساحة عريضة من المجتمع العراقي والعربي وربما العالمي باسم “رفائيل بطي” .. فهذا الموقف هو هدية الأحفاد الى الأجداد .. وهنا ، أشكر هذه الأسرة الكريمة التي سيكون لي شرف المساهمة  في الكتابة عن مؤسس الصحافة الحديثة في العراق ، حيث لبيت نداءها عن طريق الزميلة العزيزة ” سندس محمد سعيد الجبوري” التي اعتمدتها الأسرة لاستلام المساهمات بهذا العمل الكبير..

Z_alhilly@yaoo.com

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مقال نشرته صحيفة (الزمان) الدولية في عدد الرابع من شباط الجاري، للكاتب الرائد المبدع زيد الحلّي ضمن زاويته المعروفة (فم مفتوح..فم مغلق). وهو إبداع مقاليٌ في غاية الروعة لصحفي وكاتب شديد المثابرة، فهو يعمل صحفياً ومحرّراً وكاتباً لامعاً لما يزيد على خمسين عاماً، أمضاها في مواظبة لم تشكُ من “أينٍ ومن عثرِ” بتعبير الجواهري الكبير..

    إنها مثابرة ذكية وقادرة على “التجاوز المبجّل أخلاقياً”، واجهت الكثير من المصاعب، لكنّ مهارات زميلنا الحبيب، ومهنيته التي نتعلّمُ منها أبجديات العمل الصحفي، كانت أقدر على تجاوز ما تصنعه كيديات أعداء الناجحين ذوي الهمم الكبيرة، والعطاء الاستثنائي!.

   أقول: إنّ مقال الزميل الصديق الحبيب الأستاذ زيد الحلي، ليس إنشاءً عابراً، إنما هو إضمامةُ معلوماتٍ مهمة للصحفيين جميعاً ولتاريخ الثقافة والأدب والشعر، وفيه أيضاً إضماماتُ موقفٍ أصيلٍ حيالَ عَلَمٍ من كبار أعلام الصحافة العراقية، فضلاً عن جمال لغته المنسابة برقّةٍ تشبهُ تماماً رقة صاحبها، وبُحبوحةِ هدوئهِ، ونظراتهِ الحانية على كلِّ من حولَه.

    أخي أبا رغده الجميل، تعيشُ، وتكتبُ، وتُمتعنا بآياتِ ما تُنتجهُ يراعتُك التي خلَّقْتَها بذكائك، واستنارتك، وبجهدِ عمرك، وسهر لياليك، وبكدّكَ الصحفي الذي ينتمي فقط –إنْ أردّتُ مضاهاتهِ- إلى تاريخ يشبهُ في كثير من جوانبه مسار أستاذنا الشيخ الجليل حسن العلوي، أطالَ الله عمريكما، ولا حرمنا منكما.   

                                     صباح اللامي   

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى