(سنوات الحبر)..حكايات ودروس في بلاط رباح آل جعفر * 

ــــــــــــــــــــــــــــ بقلم: زيد الحلّي
الكتاب وصلني الخميس المنصرم (26-1) ، موشحاً بإهداء جميل ، فكان زاداً رائقاً طوال يوم الجمعة ، قضيت الصباح والمساء في قراءة جزلى ، ممتعة ، فيها ما يملي الوجدان ، ويسعد الذات ، وينعش الذاكرة. كتاب أجزم أنّ من يطالعه ، سيشعر أنه قرأ مئات الكتب القيّمة ، وتعرف على آراء عشرات المفكرين ، وساح في عقول مبدعين في شتى مناحي الحياة ..
إنه كتاب زميلنا وأخينا الكاتب العزيز رباح آل جعفر ( سنوات الحِبْر ) الذي قامت بنشره ” دار الحكمة ” في لندن ، وقدّم له الأساتذة ” حسن العلوي ، حسب الله يحيى ، د. طه جزاع ” وحمل غلافه الأخير كلمة شفيفة للمبدع الراحل ” محمد سعيد الصكار ، وصممه بذوق راقٍ د. فلاح حسن الخطاط وسيتم توزيعه هذا الأسبوع .. كتاب يمثل “ماكينةً بشرية” لجمال الحرف ، وانسيابية الاسلوب ، وإبداع الحكمة ، ..فالإبداع لا يصِل إليه المرءُ بالاستعجال أو الكسل والتراخي ، بل يحصل عليه بالسعي، والهمة العالية، والثِّقة بالنّفس ، وبالأسلوب المتجدد، والرؤى الواسعة ، وهكذا فعل الزميل رباح منذ يفاعته ، ودخوله عالم الكلمة ، ويسعدني القول إنّني كنتُ شاهداً على بداياته بمحبة وإعجاب وشوق ..
ضم الكتاب المئات ، من أعمدته الصحفية المعروفة بالذائقة الفكرية ، وشخصياً ، أقول إن رباحاً ابتدع له أسلوباً جرى عليه في الكتابة عرف به، وامتاز على الكثيرين ، وقد وجدتُ فيه نظرة عميقة وفريدة في التناول ، واستحضاراً لمواقف صحفية وأدبية وتاريخية ، مفعمة بالأسماء والتواريخ ، عاشها الكاتب ، بصدقه المعروف ، ونبله المعهود ، وإذا كانت الأعمدة التي قرأتها في الكتاب ، تمثل تاريخاً اجتماعياً معروفاً عند معاصريه ، ومرآة للحياة بصورتها الشمولية ، وشخوصها المعروفة ، فإن الفترة التي جال فيها تمثل أيضاً نفوس أدبائِها ومفكريها وفنانيها وصحفييها تمثيلاً صحيحاً، فقد اجتاحت العواصف في حينها نفوسهم، وزادت عندهم رؤى الاختلاف ، وانتعش التنافس بين لغتي (الأنا ونحن) .. وأشهد أنّ الكتاب بمضمونه الرائع ، هو خير مثال للحياة في العقود الأربعة المنصرمة ، وصورة بارزة للأجواء الفكرية والأدبية والفنية التي عاش المؤلف في أعماقها شاهداً وكاتباً امتلك الفصيح المتدفقِ ، والبلاغةَ والحكمةَ والشجاعةَ والمروءةَ العربية الأصيلة والكرم المعهود .
لقد أدرك أبو بلال ، وأعني الكاتب رباح آل جعفر، منذ بداية تألقه الصحفي ، أن الكتابة عمل فكري لا يقتصر موضوعها على تجارب حاضرة تهدم أخرى قديمة، أو برهان جديد ينقض آخر قديماً. بل الأمر فيها قائم على عطاء متجدد في كل الاتجاهات ، وقد نجح في ذلك ، من خلال لونه الخاص الذي يمزج الحداثة بشواهد التاريخ ، ورؤيته المتميزة، ومذاقه المختلف المحبب عند القارئ .
الكتاب الباذخ في أناقة التصميم والطباعة ، الذي انتهيت من قراءته ، وما زالت عيناي ترنو لإعادة تصفحه ، أجده مهماً لكل من يريد معرفة مقولة ” السهل الممتنع ” هذه المقولة السحرية التي جسدها كتاب ( سنوات الحبر ) داعياً ، في الوقت ذاته طلابَ كليات الإعلام الى اقتنائه ، ففيه ما ينبغي معرفته في فن كتابة العمود الصحفي ، كما أدعو زملائي الى قراءته حيث سيلمسون فيه أنّ النّجاح نعمة لا يشعر بها إلاَّ أهلها من المتفوقين ، ويشعرهم بالسعادة؛ لأنه يخرجهم من روتين الحياة المهنية إلى الجدِ والنشاط، وينقلهم الى الأفكار الإيجابية في التناول الصحفي ..
مبارك إصدارك أخي وزميل عمري رباح آل جعفر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أعتذر لأستاذي الأريب، كبير القلب، وجميل الأُلفة زيد الحلّي على إضافة عبارة (في بلاط رباح آل جعفر) إلى ما نشره في عموده الأسبوعي في صحيفة الزمان “فم مفتوح .. فم مغلق”. وأعني عنوانه (سنوات الحبر) حكايات ودروس المنشور في الثامن والعشرين من كانون الثاني الجاري.
وأحسبُ أنّني لخّصتُ جملة آرائه الراقية في زميلنا وحبيبنا الكاتب المبدع الأستاذ رباح آل جعفر، لاسيما دعوته طلبة كليات الإعلام، وزملاء العمل الصحفي إلى اقتناء الكتاب، لما فيه من فصاحة اللغة، بسهلها الممتنع، ولثرائه الثقافي، وأيضاً لما في مقالاته مما ينبغي معرفته في فن كتابة العمود الصحفي، بتعبير أستاذي الحلّي. إذن فنحن في بلاط كاتب صار في خضمّ أربعة العقود الفائتة لواءً من ألوية الإبداع الصحفي العراقي، نفخرُ به، ونفاخر. ولنا إنْ شاء الله تعالى قراءة جديدة مع كتاب الزميل العزيز أبي بلال. تهنئة من القلب، وانتظارٌ لمزيد من العطاء. صباح اللامي