إبداعثقافة وفنون

في ديوان (عشق المگاريد).. نصوص مكتنزة بدراما المروءة وبسحرِ الوَلَهِ الإنسانيّ وكيمياءِ الموجوعين*..

         ـــــــ كتبها: أ. د مزهر الخفاجي ـــــــ 

        -1-   

في ركن المنزلِ..

وأنا مطبقٌ على ضفافِ قلقي..

تروحُ وتأتي .. الأفكار في رأسي..

مثلَ بندولِ الساعةِ..

بعدَ دقائقَ .. وصلَ البندولُ ..

الى منتصفِ الليلِ..

و ظهرت الجملةُ التالية..

الوطنُ بلا حرية..

(سجنٌ)..

وعيناي مُنصبَّتانِ

على التلفاز..

ظهر خبر يقول..

(تقرّرَ تقطيعُ أوصالِ بغدادْ)..

في اللحظةِ ..ظهرَ في مخيّلتي ..

مَنْ يصرخُ ..

الحريةُ بلا وطنٍ..

منفى..

لنْ أتعبَكم ..

فليخترْ كلٌ منا..

سجنَه…

أو منفاهْ…

    -2-

الحطّابُ الشاعرُ ..

ينقطُ ..في راحةِ يدهِ..

لآخرِ قصيدةٍ من قصائدِ (حَسَبْ)..

كي لا تموت…

وموفق أبو خمرة..

الشاعرُ..

يومئ..للحطّاب من بعيدٍ..

كأنها استغاثةُ أعزلْ…

ويقولُ لهُ..

ليس مهماً ..يا حطابُ..

أن يعوي (الكلبُ) حواليْك..

وتشتعلَ الأجراسُ…

فلستَ أعزلَ ..

فانبرى حسبُ الشيخ جعفر…

يخاطبُ صِنويهِ..

أفضلُ للمرءِ..

أنْ يعيش مشرّداً..

هائماً على وجههِ..

من أن يزحفَ..

باتّجاه الصُبحِ …

قابضاً على وحشتهِ…

أو أنْ يحملَ ..

نيابةً عن الآخرينَ …كلَّ أخطائِهمْ..

غابَ الشاعرُ ..

حضرَ الشعرُ…

كأنّهُ رغيفُ خبزٍ حارْ..

…………………..

(اليومْ أريدْ أحبابْ ……………)

  -3-

الفقراءُ ..

الذين أشاهدُهمْ..

يلهثونَ الى بابِ المرادْ..

لا يرتدون إلا (لأمَةَ الحبِّ)..

يؤجِّلونَ شكواهمْ..

ويلوكونَ حزنَهم المستباحْ..

والفقراءُ المستقبِلون..

يستأنسون بضيافةِ زوّارِ الحبيبْ..

ويُكثرون من بذخِ..

مُقلِ العينْ..

والفقراءُ المغادرون..

مستبسلون بالوفاءِ..

جريئون في الحصولِ..

على مرادهمْ ..

فيا سيّدي “المسيحُ”..

ألا بلّغت سيدي “الحسينْ” ..

منّي السلامَ ..

فجموعُ المعزّين..

تشخصُ أبصارُهم نحوَكم..

يا قرابينَ الحرية..

      -4-

إسمُ اللهِ على وطني..

هذا المكابرُ..

رغمَ الجراحِ..

المعاندُ للغُمّان..

حتى الاستبسال..

إسمُ الله على وطني..

يا صاحبَ أجملِ (چيحهْ)…

وحاضنَ (الطين الحُرِّ)..

لله درُّك..

يا مَنْ كنتَ ملاذاً ..لآدمْ..

ومنجى سفينةِ نوحْ..

ومسقطَ رأسِ إبراهيم..

والحاضنَ ..لرفاةِ هود..

وصالحٍ..وعليّ..

محروسٌ أنت بالرحمن..

إسم الله على وطني..

يا “بويه” هذا العراق..

   -5-

الطيبون …

الفقراءُ ..

المگاريدُ ..

يؤجّلون أحزانَهم في العيدْ …

ويتأبّطون الفرحْ …

نكايةً بالأيام الخوالي …

وفي كلِّ الأحوالْ ..

لا يُحسِنُ الطيبون ..من أمثالِكمْ ..

إلّا أنْ يواجهوا صباحاتنا ..

بابتسامة فاضحة …

ويَجْملُ كلامُهم بشفيف …

عبارةٍ نادرٍ ..

ويقدّمون أرواحَهم في العيدِ ..

على جادّات أيامنا…الموحشات ..

أطفالهم ..

أسمعهم يُغنّون ..

( يا عيد يابو نَمْنَمَهْ )

وبناتُهم ..

يرْدَحْنَ .. ببسيطِ الملابس فيقلْنَ ..

( بويه هنا .. بويه هنا .. ماريده …خلّه يروحْ )

لا أعرفُ !!!

هل يقصدنَ …

الحزنَ أم جفاءَ اللّيالي أم شحيحَ الوفاءْ ..

أم الذي ضاعت بوصلتُهِ …

في الحبْ ..

    -6-

الفقيرُ …

الذي أعرفهُ ..

والذي لا أعرفه …

حفِظ كلَّ مقولات (عليّ) .. في العدل

لكنهُ ما إنْ أصبح .. الصبحُ

حتى وجدَ ( الغُمّان ) …

يزاودونهُ .. عليها ..

والغريب … أنهم يلوكون بمقولاتِ …

(عليّ ) في الثورة على الظالمْ …

وينقشون على خواتمِهمْ … الحُكمُ الصالحُ مفزعُنا …

ورغمَ ذلك أبقوْهُ جوعاناً …

وأقصد ( المگرود )…

ورغم كل ( اللَّغْفِ)..

لم يشبعوا بعد …

يا الله … يا الله …

(المْخَبَّل في بلادي … فيلسوف …

أتبرع بعقله لأن ماكو طحين )

هل يعرف ( الغُمّان ) …

أنّ ما عند الله أبقى …

وما عندهم ينفدْ…

     -7-

أنساه …

فيمسك بي ..

وكم أتمنّى أن ينساني …

يغيبُ …………

فأفتقدهُ … يا الله ..

لنْ أتعبَكمْ أبداً…

الّذي أتحدثُ عنهُ …

حُزنٌ باذخٌ … وصبرٌ باشطُ …

وصحبتهما .. تتجاوز حدودَ ..

جُورةٍ مشتهاة …

لكني أشهدُ أنّ ( حزني ) …

حين يغيب …..

أخافُ أنْ تفتر همّتي …

حين يغيبا عنّي … أقصدُ هذا الحزنَ …

الباذخَ .. والصبرَ الباشطْ ..

    -8-

ألستُ أنا المقصودْ …

في قولِ المغني …

( أباتْ مهمومْ … وأصبَحْ مستعدْ للهمْ )

    -9-

العقلا… مجانين

بلا شوارع …

في الشارع يلبسُ ( الكَنّاس ) ..

بدلةَ سيبويهْ ..

وكلَّ صباحٍ يمسحُ خطأ إملائيا …

يرتكبهُ النِعالْ ..

لا أعرف هل أسكتُ …

وأقبض على قلبي…

أخاف واحداً مثلي … يعرّيه السؤال ..

أنا …أنت… نحن ..

نبحثُ عن جوابْ …

من يمسحُ هذا الغبارَ …

المتراكمَ على وجهِ العراقْ ..

ألمْ نحفظ عن ظهرِ قلبٍ أغنية ..

لو نحبْ ……….

لوما نحبْ …

     -10-

في بوابة الفندق …

الجنديُّ المگرودْ .. يتصبَّبُ عرقاً

فيمسحُ وجهه الترابيَّ …

بياخةِ قميصهِ .. المبتلِّ

تجاوزَ أحدُ أصحابِ السياراتِ الفارهةِ .. إشارةَ الجنديّ بالإبطاءِ

فاوقفهُ الجنديُّ.. وهَمَسَ في أذنِهْ

( خويه ) ترفق ..بالجميع ..

فكل شخصٍ تقابلُه …

يخوضُ معركة في الحياة …

أنت لا تعرفُ عنها شيئاً …

لم يأبه المسؤول لما قالهُ … الجندي ( المگرود ) …

فما كان من هذا الجنديِّ ..

إلّا أن يخاطبَ نفسَهُ ويتمتمَ …

مع روحهِ …

فقال: صبراً ..

أيها الألمُ الذي فينا ..

فأنَّ موعدنا غداً… الحبُّ …

بهِ نحيا … وبه نعيشْ ..

وبهِ نقابل ربّاً كريما …

رُغم أنَ المعصياتِ ثواكلْ

  -11-

ما أعذبَها …

كلمات بائعِ المخلّلاتِ …

الذي قال لي:

إذا اتعبتك الدنيا …

فلا تحزنْ … أتدري لماذا ؟

لأنّ الباري يشتاقُ .. لسماعِ صوتِكْ ..

وأن تدعوهْ …

سلاماً إلى من يحبّهمُ القلبُ …

وسلاماً لمن نتمنى لهم الخيرْ ..

وسلاماً للراضين بنعمتهمْ ….

والقابضين على ما أعطى …

والقانعين بما رزق …

فما أعطاه الربُّ … لطفٌ

وما أضمرَهُ الباري … رحمةْ

     -12-

(من يأبَهُ) …

اختارها الحطاب عنواناً لقصيدتهِ …

لا أحدَ يأبهُ!..

قالها …ملفوفاً بحسرتهِ …

رغم نواياه البيض …

قال ..من يأبه!.. مراراً

وأنا أجاريهِ الوحشةَ …

أخالفهُ الرأيَ … على مضضٍ

يا (حطابُ )  يكفي أنك تأبهُ …

بـ ( زين ) ملتحقٍ بفرحته ..

و باني نصفَهُ الثاني ..

الا يكفي … صديقي.. أنّي أجاري ( الغيث )

مهموماً بلوعتهِ .. أجمعُ بيادرَ قشِّ معرفتهِ…المبتلاةْ

نعم ..لا أحدَ يأبهْ … وليكنْ ..!!

يكفينا فخراً أنّا مازلنا …

نشتهي المعروف … نسعى في تودّدهِ

ونُدخل من نشاء ..لناموس محبّتِنا ..

أعرفُ أنّ الناسَ لا تأبَهُ ..أجلْ

وأعرفُ أنّ البعضَ من الناسِ …

صدقاً يأبَهْ …

والبعضَ الآخرَ لا يعرفُ أنْ يأبَهْ ..

ليس مهماً صديقي…يكفينا …

أنّا نحبُّ و( نُزامِطُ) بالحبِّ …

وهو رأسُ مالِنا الوحيدْ … وكفى!

       -13-

“جوعانينْ” …

“تعبانينْ”..

صاح الآخرْ أعدْ رجاءً ..

هذا بعض ما استوقفني الليلةَ …

وقضَّ مضاجعَ العديدِ منكمْ وأنا مثلكمْ ..

مازالَ الصوتُ … يردّدُ بألمْ ..

جوعانينْ ..

 في وطن نعتاشُ .. على (أسمالِ) حريته ..

تعبانينْ .. رغم أن المالَ يُسرق …

من قبل البعض (سُفاح)…

جوعانينْ ..

كنتُ أود أن أسأل ..

أحدَ المتظاهرين ..لمن … ؟؟

للخبز  .. للحرية .. للوطن ..المفرهدِ

مازال الفقراءُ … المگاريدُ .. يهتفونَ

بوجه ( أبارهةِ)  هذا الوطنْ ……….

لن نتسوّلَ منكمْ حقّنا …

أو نتوسّلكم .. ( يا أبناء الــ .. )

فأنا الحرّ .. ابنُ الحرِّ.. ابنُ الحُرّه …

( أنه َالراح أنثر جروحي ابتساماتْ )

 أملاً بالفجرْ…

      -14-

في معرِضِ الكتاب …

الكلُّ يفترشُ بضاعتهْ …

إلا صديقاي…

قاسمٌ وقاسمُ

فقاسمُ الأول ……

ممسكٌ بلظى القلبِ … متوسدٌ جرحَهْ …

يُعلي في باحةِ روحهِ … قصائدهُ …التي لم يكتبها بعد .. ويهُديها للراحلين ….

…. من قيس المولى … الى النواب …

وهو يوميءُ لهم من بعيد انتظروني فأنا لم أرثيكما بعدُ أرجوكمْ … انتظروني غداً … فأنا يا إخوتي ممتحنٌ بالعراقْ

أما قاسم الثاني ……

فمشغولٌ برصفِ أجوبته …

التي لم يقلها … جدهُ.. ( گلگامش) بعد … حين تسرّب من بين يديه ( أنكيدو )..

وهو لم يفهم سوء الفهم …الحاصل بين الزعيم وأهلِ مدينة الثورة ……وهل يشبه سوء الفهم هذا الحاصل ….بين البطل گلگامش وأهل مدينة الوركاء ..

أما قاسم الأول … مشغول بحلّ لغزِ رفضِ (ديموزي ) لعشتار ……….

ليس مهماً……………

أنْ يكونا أعظمَ شاعرينْ …

… المهم أنهما لم يخذلا ناموسَ أجدادهِم …

السومريين…أبداً … في حفظ قصصِ الخليقةِ …

فهما يتناسلانِ … الوجعَ بفخرٍ …

ويهدهدانِ … صبر أطفالهما بحنوّْ…

إنْ جاعا وإنْ شبعا … تركتهما ………..يصرخان في نهاية معرض الكتاب … يا ناس … أنتم المفرهَدون … وهو الغني … لم تكن أو تبقى من تأريخ المجد سوى الكلمة …

الكلمة ..جمال …

الكلمة …الحق …

الكلمة ..الحب …

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ انتهى الجزءُ الأول من الديوان، ويليه قريباً الجزء الثاني.

*اخترتُ نصوص الصديق العزيز أ.د. مزهر الخفاجي من يوميات (تصبيحاته العابرة) على زملائه، وأصدقائه، وتلامذته، ومحبيه عبر نافذة (الواتسب)..وفي هذه النصوص التي صيّرتها ذائقةُ ناقدٍ أدبي كبير إلى ديوان (عشق المگاريد) وجدتُ ما يرقى إلى إثبات أنّ الشعر ليس كلاماً موزوناً مقفّى، فكثيرٌ من الكلام الموزون المقفّى نظمٌ لا ينتمي إلى إحساس الشعر، وصورته، وإيقاعه، و جمالاتِ ما فيه من سَّدَى نسج المخيّلة ولُحمَةِ دراما الواقع. وفي هذه النصوص، يُعلّمنا الخفاجي، وهو الأكاديمي، المؤلّف، المحدّث اللبِق، المنشغل بالسوسيولوجيا، والمرتكز إلى معارف موروثهِ “الثابتِ القدمِ” في طين الرُّقمِ السومرية، وما تلاها من عصور عراقنا القديم، يُعلّمنا أنّ في عامّيةِ العراقيين مفرداتٍ أشدّ تعبيراً عن صدقيتها ساعةَ لا تكون فُصحانا صاحية الوعي لسَكِّ مفردةٍ في تمامِ قصديّتها.. أما بُنى نصوص الخفاجي، فترتكز إلى نشدانِ الحرية، ومنازلةِ الألم، وبثّ المروءة، وتربية القلوب الموجعةِ على الذوبان في الوطن، وفي عشقِ أوجاع الكادحين، ونُصرتها.

     فلك التحية وعليك السلام من “صباح اللامي”      

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى