
“برقية”-مصادر: يرى خبير إستراتيجي في قضايا الشرق الأوسط، أنّ “خطر نشوب صراع واسع النطاق بين الولايات المتحدة وميليشيات العراق ومعها إيران حقيقي تماماً وليس محض تصورات”. وأوضح البروفيسور مايكل نايتس، وهو زميل أقدم في معهد واشنطن ” أنّ إدارة ترامب ترغب بشكل مفهوم بكسر الزخم الحالي للميليشيات”. ونايتس يتحدث عن “جديّة عالية وعلمية” في تحليلاته، فهو شخصياً أجرى أبحاثاً ميدانية في العراق عن “مستقبل الحشد الشعبي“، بمشاركة “حمدي مالك، وأيمن التميمي”.
وحتى الآن لم تحسم واشنطن قضية “غلق السفارة”، كما أنّ “ميليشيات إيران في العراق، ما فتئت تحلم بغلقها” كما يؤكد نايتس. وقال: إن إغلاق السفارة هو بالذات النتيجة التي تحلم كل ميليشيا مدعومة من إيران بتحقيقها. وسيكون ذلك انتصاراً دعائياً ذا أبعاد أسطورية لطهران ووكلائها، مما يقوّض كل التقدم المحرز في العراق منذ مقتل سليماني والمهندس”.
إلى جانب ذلك كله، يعتقد أن الخبير الاستراتيجي في معهد واشنطن أن غلق السفارة الأميركية في بغداد، “يشكل أيضاً انسحاباً كاملاً من العراق حتى أكثر من الانسحاب الذي قامت به إدارة أوباما في عام 2011، مما يساعد على تمهيد الطريق لعودة ظهور تنظيم (القاعدة) تحت اسم تنظيم (الدولة الإسلامية)، وبعد ذلك سيطرة الميليشيات على مساحات واسعة من الدولة العراقية. ولن يؤدي ذلك إلى انتهاء كافة العمليات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في العراق فحسب، بل إلى توقّف جميع عمليات التحالف الأخرى أيضاً نظراً لاعتمادها على الوجود الأمريكي. ومن المرجح أن تقوم العديد من القوى الأجنبية بخطوات مشابهة لرحيل واشنطن الكامل، باستثناء إيران وروسيا والصين. ولن تخدم هذه النتيجة المصالح الأمريكية بأي سيناريو”.
لذلك –يرى نايتس- “يجب على واشنطن أن تتجنب اللجوء إلى مثل هذا الإجراء المتطرف في المستقبل، وأن تعمل بدلاً من ذلك مع حكومة الكاظمي على أنواع أخرى من خيارات الرد المشدد. وعلى وجه الخصوص، عندما تشير تحذيرات التهديد التي توفّرها الولايات المتحدة إلى تنفيذ هجمات وشيكة، بإمكان القوات العراقية إغلاق أجزاء من المنطقة الدولية مؤقتاً وتعزيز الحماية هناك من أجل حماية السفارة الأمريكية بشكل أفضل. ويمكن إجراء ترتيبات مماثلة في المطار وعلى طريق المطار الرئيس في ظل ظروف معينة”.
وتابع الخبير الاستراتيجي قوله: “إذا كان لدى المسؤولين الأمريكيين معلومات استخباراتية محددة حول أي تهديد جديد تطرحه إحدى الميليشيات – على سبيل المثال، إدخال أنظمة صواريخ دقيقة متقدمة – فعليهم مشاركة هذه البيانات بشرط أن ينفّذ العراق بسرعة عملية ضدّ هذا التهديد. ولا يزال رئيس الوزراء الكاظمي هو الرئيس الفخري لـ “جهاز المخابرات الوطني العراقي” ذي القدرات العالية، وأن الدول الشريكة تثق به باستمرار وكذلك بدائرة المقرّبين منه (معظمهم من أفراد “جهاز المخابرات الوطني”)، فيما يتعلق بالمعلومات الحساسة.
وواصل حديثه قائلاً: “إذا احتاجت الحكومة الأمريكية إلى رؤية علامات واضحة تشير إلى مقاومة العراق للميليشيات، فيجب أن يكون تَحرّك بغداد هادفاً بمعنى أوسع نطاقاً من مجرّد استرضاء واشنطن. فبدلاً من حث المسؤولين العراقيين على “الاندفاع نحو الفشل” ذي الطموح المفرط (على سبيل المثال، محاولة التغلب العسكري على ميليشيا رئيسة)، يتمثّل النهج الأذكى في مساعدتهم على استعادة المنطقة الدولية. وستكون إزالة الميليشيات بشكل تدريجي من هذه القطعة العقارية الرئيسة رمزية جدّاً على المستوى الوطني، والأهم من ذلك، [تساعد على] حماية المنشآت العراقية والأمريكية ومنشآت التحالف الأكثر حساسية”. أما التخلص التدريجي من آلاف رجال الميليشيات والأسلحة الثقيلة من المنطقة، فهو برأي نايتس “قد يتّسم بمجابهة كبيرة، لكنه على الأقل يستحق المخاطرة – على عكس اعتقال عدد قليل من قادة الميليشيات، الذي سيكون له تأثير محدود. وبالفعل، يقوم الكاظمي بإجراء العديد من التغييرات الإيجابية على الترتيبات الأمنية في المنطقة بمساعدة الولايات المتحدة، لذا فقد حان الوقت لبذل جهود “الانتقال من حيٍّ إلى آخر” لإزالة المقاتلين والأسلحة. يجب على واشنطن حشد الدعم الصريح لمثل هذه الخطوة، ليس فقط بين الجهات الفاعلة الدولية التي لديها سفارات في المنطقة، بل أيضاً بين الكتل السياسية الشيعية والعلمانية والكردية والسنية المعتدلة في العراق.”
وأضاف: “خلال انتظار تنفيذ هذه الإجراءات وغيرها، فإن السفارة قادرة تماماً على حماية نفسها، كما فعلت خلال المواجهة في كانون الأول الماضي. بالإضافة إلى ذلك، تم تقليص الوجود الأمريكي وتعزيزه منذ ذلك الحين، فأصبح يتركّز حاليّاً في ستة مواقع بدلاً من أربعة عشر، وفي كل موقع دفاعات ناشطة ضد القذائف والصواريخ والطائرات بدون طيار. ويمنح هذا الاستثمار الذي تبلغ قيمته مليارات الدولارات الأفراد الأمريكيين القدرة على الصمود أمام نيران المضايقة عندما لا يمكن تجنّبها، وعلى الرغم من أن مظلة الحماية لا تمتد لقوافل الإمداد، إلّا أن وظائف النقل هذه يتم تنفيذها من قبل عراقيين، وليس أمريكيين. ومن شأن تأمين المنطقة الدولية والبدء بالحملة لإخراج الميليشيات أن يمنح السفارة الأمريكية أسباباً أكثر قوة للوقوف على أسس وطيدة لأنها تساعد بغداد على الصمود أمام التهديدات الإيرانية”.