
“برقية”-ترجمة-خاص: كثيرون جداً من غالبية العباقرة،المشاهير،المبدعين، يعانون من مرض عقلي!. مثلاً الرسّامان المعروفان على نطاق واسع فنسنت فان كوخ، وفريدا كاهالو. وعملاقا الأدب فرجينيا وولف، وإدغار ألن بو. وتقول الكاتبة ناتاليا وولشوفر، كاتبة المقال الذي نشره موقع “LiveScience”، في أيامنا هذه لم تعد العلاقة بين العبقرية والجنون، أو الجنون والعبقرية مجرّد حكايات أسطورية، أشبه بالخرافة. وقديماً قيل “الفنون جنون”!.
وتابعت: ثمة بحوث متقدمة متزايدة، أظهرت أنّ هذين “المتناقضين” في العقل الإنساني، مرتبطان حقاً، ولهذا بدأ العلماء في فهم السبب، أي أنهم أخذوا يجدون إجابات عن سؤالهم “لماذا ترتبط العبقرية بالجنون”. ولقد ناقشت لجنة من الخبراء بحوثاً حديثة ومستمرة بشأن هذا الموضوع (في نيويورك، خلال شهر حزيران سنة 2012 وفي ندوة ضمن مهرجان العلوم العالمي السنوي الخامس)، فوجدوا قبل كل شيء أنّ أعضاء لجنة الخبراء ثلاثتهم، يعانون من أمراض عقلية. وقالت كاي ريدفيلد جاميسون، وهي عالمة النفس الإكلينيكية والأستاذة في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز حينئذ إن نتائج حوالي 20 أو 30 دراسة تؤيد فكرة “العبقري المعذب” أو “tortured genius”. ومن بين العديد من أنواع مرض “الذهان”، يبدو أن الإبداع مرتبط بشدة باضطرابات المزاج، وخاصة الاضطراب “ثنائي القطب” الذي تعاني منه جاميسون نفسها.
وأضافت الكاتبة قائلة: على سبيل المثال، كانت إحدى الدراسات قد اختبرت 700.000 مراهق سويدي يبلغ من العمر 16 عاماً، وظلت تتابع أحوالهم لنحو عشر سنين، لمعرفة من أصيب منهم بأمراض عقلية. وفي عام 2010 نُشرت النتائج المذهلة لهذا البحث، فأظهرت أن الأشخاص الذين تفوقوا عندما كان عمرهم 16 سنة، كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطراب ثنائي القطب بأربعة أضعاف.
وتفيد الكاتبة أنّ “الاضطراب ثنائي القطب” ينطوي على تقلبات مزاجية دراماتيكية بين السعادة المفرطة، التي تُعرف باسم “الهوس” وبين الاكتئاتب الشديد. لكن السؤال الأهم: كيف يمكن لهذه الدائرة الوحشية من التفاعلات الذهنية أن تولِّد الإبداع؟. يرى عضو آخر في اللجنة، وهو “جيمس فالون” عالم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا-إيرفين، أنّ الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب يميلون إلى الإبداع عندما يخرجون من اكتئاب عميق. فعندما يتحسّن مزاج المريض ثنائي القطب، يتغير نشاط دماغه أيضاً، فيتراجع إلى الجزء السفلي من منطقة دماغية تُسمّى “الفص الجبهي”، أما في الجزء العلوي من الفص نفسه، فتحدث إضاءة مثيرة للدهشة. والشيء نفسه يحدث عندما تكون لدى الإنسان نوبات من الإبداع. يقول فالون “هذا هو الرابط بين هذه الدوائر التي تصنع العلاقة بين الاضطراب ثنائي القطب والإبداع”.
من جانب آخر تحدّثت إيلين ساكس، أستاذة قانون الصحة العقلية بجامعة جنوب كاليفورينا عن كيفية ترجمة أنماط الدماغ إلى تفكير واع، فأوضحت أنّ الأشخاص المصابين بـ”الذُهان” لا يقومون بتصفية المحفزات مثل الأشخاص الآخرين. بدلاً من ذلك، يكونون قادرين على استيعاب الأفكار المتناقضة في الوقت ذاته، ويصبحون مدركين للارتباطات الفضفاضة، التي تعدّها معظم أدمغة الناس اللاواعية، أنها لا تستحق أنْ تُبعث إلى سطح وعينا. إلا أنّ ما يُسمى “غزو الهراء” للفكر الواعي، الذي يمكن أن يكون ساحقاً ومزعجاً، يمكن أن يكون أيضاً “مبدعاً جداً” كما تقول إيلين ساكس التي أصيبت بـ”الفصام” أو “الشيزوفرينيا” عندما كانت شابّة بالغة.
وتفيد الكاتبة: على سبيل المثال، تظهر دراسات “ارتباط الكلمات” التي تطلب من المشاركين سرد جميع الكلمات التي تتبادر إلى الذهن فيما يتعلق بكلمة تحفيز مثل “توليب tulip”، تظهر أنّ مرضى “الاضطراب ثنائي القطب” الذين يعانون من هوس خفيف يمكن أن يولدوا ثلاثة أضعاف عدد الكلمات لدى الناس العاديين، في فترة زمنية واحدة. أما عن الكيفية التي تؤدي إلى “ضربات العبقرية” فقد يكون ذلك في أنّ الهبّة الهائلة للأفكار غير المكبوتة تعني احتمالاً أكبر لإنتاج شيء عميق.
وتؤكد الكاتبة ناتاليا وولشوفر: بالطبع لا أحد ينفجر بـ”الطاقة الإبداعية” أثناء نوبة اكتئاب أو الفصام الحادّة، إلا أنّ هذه الحال منهكة للبدن، ومهدّدة للحياة، طبقاً لما يقوله العلماء. وعلى الرغم من أن المجتمع يستفيد من “انتاجية العباقرة المعذبين”، فإنّ هؤلاء لا يعدّون –دائماً- لحظات تألقهم تستحق المعاناة الشديدة التي يمرون بها. وعبّرت “ساكس” عن ذلك أجمل تعبير إذ قالت: “أعتقد أنّ الإبداع، هو مجرّد جزء واحد من شيء سيّء في الغالب”!!.