سري للغايةملف عراقي

أسرار صفقة “واشنطن-طهران” لتنصيب الكاظمي رئيساً للوزراء!

أمرت طهران الفصائل الشيعية في العراق بدعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مقابل أن تجد واشنطن طريقاً ما لإطلاق العنان للأرصدة الإيرانية التي استهدفتها العقوبات الأميركية التي فرضت على طهران. أعلن مسؤولون عراقيون ذلك لشبكة “MEE” Middle East Eye، التي صدّرت به تقريراً موسعاً نشرته في الثامن عشر من شهر مايس الجاري، تحت عنوان “الكشف عن أسرار الصفقة الأميركية-الإيرانية التي نصبّت مصطفى الكاظمي رئيساً لوزراء العراق”.

      وكان “ديفيد هارست”، كاتب التقرير، قد أكد أن ترشيح مصطفى الكاظمي، لمنصب رئاسة الوزراء، كان نتيجة لما أسماه “horse trade” وهو مصطلح أميركي يشير إلى أنّ المباحثات بين الجانبين كانت صعبة للغاية. وأوضح أنّ الاتفاق يُلزم الجانب الإيراني على دعم الكاظمي “رئيس المخابرات العراقية السابق” في مقابل رفع التجميد على الأرصدة والممتلكات الإيرانية، طبقاً لمصادر عراقية رفيعة المستوى. وأوضحت المصادر العراقية أنّ السياسة الأميركية بممارسة الضغوط الكبيرة على إيران لن تتغير، لكنّ واشنطن وافقت على تخفيف التصعيد العسكري في الخليج، والنظر من جانب آخر إلى دولة “طرف ثالث” في أوروبا تفرج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة بسبب تطبيق العقوبات الأميركية. وفي الرابع من آذار، كان “أبو علي العسكري”، قائد ميليشيات كتائب حزب الله في العراق قد عدّ ترشيح الكاظمي لرئاسة الوزراء “إعلان حرب على الشعب العراقي” بحسب تعبيره.

العسكري اتهم الكاظمي بالتورّط في كانون الثاني الماضي بعملية الطائرات المسيّرة التي قتل فيها الجنرال الإيراني “قاسم سليماني”، وزعيم الميليشيا المتنفذ “أبو مهدي المهندس”. وكانت المخابرات العراقية قد نفت التهمة عنها تماماً. وفي الوقت نفسه عارض زعماء شيعة سياسيون وميليشياويون ترشيح الكاظمي لمنصب رئاسة الوزراء، لكنّ الأمور تغيّرت بعدها إذ حصلت كابينة الحكومة الجديدة على موافقة الأغلبية في البرلمان العراقي. واستمرت كتائب حزب الله في تهديد الكاظمي شخصياً، لكن فصائل شيعية أخرى تعمل تحت النفوذ الإيراني، سمحت بترشيحه ليذهب في طريق الفوز. ونقلت شبكة “MEE” عن مصادر عراقية قولها إن “وراء المشهد السياسي الأخير” صفقة بين واشنطن وطهران، توضّح “الانعطافة المفاجئة” بالسماح الإيراني للفصائل الشيعية بالموافقة على ترشيح الكاظمي، مقابل ما أسمته “بعض التخفيف في العقوبات الأميركية المفروضة على الاقتصاد الإيراني بتجميد أصول مالية في أوروبا”.

    ورفضت المصادر العراقية إيضاح أمكنة الإصول المالية الإيرانية التي ستُرفع عنه العقوبات، لكنها أشارت إلى القرار الذي اتخذته محكمة في لوكسمبورغ الشهر الماضي بعرقلة طلب أميركي بتحويل مليار و600 مليون دولار من الإصول المالية الإيرانية الى ضحايا هجمات 11 سبتمبر في قضية تعود إلى سنة 2012. بحسب مصدر مطلع، فإن الصفقة السرية أعطت للأميركيين ما يريدون بوصول “رجلهم” الى رئاسة الوزراء، ومن جانب آخر حصول الإيرانيين على أموالهم!. ويبدو للمحلل السياسي كاتب المقال أن الإيرانيين واجهوا مصاعب اقتصادية مبهظة جداً، فيما كانت عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني شديدة الوطأة على سياساتهم الخارجية. ولهذا انهوا المفاوضات بقبول ما أراده الأميركان، وأخبروا حلفاءهم في العراق بدعمه، والتصويت له. وبموجب هذا الاتفاق سمحت أميركا لبعض الدول بالإفراج عن المملتكات الإيرانية، بذريعة تخفيف العقوبات لمنح طهران فرصة شراء أدوية ومعدات طبية لمواجهة فايروس كورونو. ويشمل هذا الإجراء رفع التجميد عن أموال البنك المركزي الإيرانين، مما سيقلل الضغط بشأن نقص النقد الأجنبي لمواجهة ضرورات الحياة.

   ويبدو أن الطرفين كانا متفقين منذ البداية على نفي أي اتفاق رسمي بين طهران وواشنطن. والخارجية الأمريكية نفسها نفت ذلك، وأعلنت عدم اعترافها بالمعلومات التي تحدثت عنها تقارير بهذا الشأن. وكان شبيه لهذه الاتفاقية قد جرى سنة 2010 بعد تسعة شهور من الصراع السياسي في البلد، انتهت الى “اتفاقية تخادم أميركي-إيراني” تم من خلالها دعم نوري المالكي لولاية ثانية كرئيس للوزراء. ونسب كاتب المقال الى مصادر لم يحددها قولها إن سحب الولايات المتحدة لصواريخ “باتريوت” من السعودية في غضون الأيام العشرة الماضية، كان نتيجة لجزء من هذا الاتفاق، الأمر الذي خفف التوترات العسكرية في منطقة الخليج العربي.     وأشار التقرير إلى أن سجل الكاظمي حافل في العلاقة مع المخابرات المركزية الأميركية، ويعود الى ارتباطاته القديمة مع أحمد الجلبي، الذي زوّد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بتقارير كاذبة عن أسلحة صدام للدمار الشامل، والتي آلت الى غزو العراق سنة 2003. والكاظمي (اسمة الحقيقي مصطفى عبد اللطيف) أصبح رئيساً لأجهزة المخابرات في ظل رئاسة حيدر العبادي. وفي سنة 2018 ، حضر اجتماعاً مع مايك بومبيو الذي كان آنذاك رئيس وكالة المخابرات المركزية. وحضر الاجتماع خالد بن علي الحميدان، رئيس المخابرات السعودية. وناقشوا تدابير دعم العبادي، والتصدي للمرشحين المدعومين من قبل إيران. لكن هذه الجهود باءت بالفشل. ويزعم الكاتب أنه اتصل مرات عدة بمصطفى الكاظمي لكن اتصالاته لم يُرد عليها. والطرف العربي الذي علق على هذه الاتفاقية، هو رئيس تحرير صحيفة القدس العربي ومقرها لندن، والذي تحدث عن صفقة إيرانية-أميركية وصفها بأنها “إقليمية-عالمية” لتمهيد طريق البرلمانيين العراقيين لاختيار الكاظمي رئيساً للوزراء. وكان الطرفان الإيراني (بشخص الرئيس حسن روحاني) والأميركي (بشخص مايك بومبيو وزير الخارجية) قد رحبا بترشيح الكاظمي وأعلنا أن حكومته ستكون مدعومة بكل قوة لمساعدتها على تحقيق استقرار العراق. ويبدو أنّ هناك وعوداً من الطرفين بتخفيض تدخلاتهم بشؤون العراق تدريجياً. وفي سياق متعلق بالاتفاق كان محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قد اتصل برئيس الوزراء الجديد، وطلب منه استئناف الوساطة مع إيران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى