(4-1) الاحتلال الأميركي للعراق..أسرار ظهرت..وأخرى تنتظرُ الظهور..




لا يمكن أن تمر ذكرى الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 مرور الكرام على العراقيين ولو بعد ألف عام بل أكثر، لا سيما الأجيال التي عايشت الحرب بكل ما فيها من صور وذكريات قد تبدو في عقول من لم يشهدها كأنها من ضروب الخيال المنافي للواقع، وهم معذورون في ذلك من دون شك، فما جرى على العراق آنذاك لا يقبله عقل ولا منطق، وكل ما فيه مهول ورهيب وعجيب وغريب!.
الشيء المثير أن الكثير من أسرار الحرب لا يزال يتكشف يوماً بعد يوم، بتصريح هنا، ولقاء هناك، ومذكرات هنا، ومقال هناك.. مواقف تظهر كانت مخفية، وأقنعة تُزال كانت ساترة، وحوادث تروى كان يحول الخوف من دون روايتها، وأخرى رويت بعد زوال المؤثرات، وغيرها ربما طويت إلى الأبد في علم الغيب بموت أصحابها ففتحت الأبواب للقال والقيل مما يتعذر حصره، ويتعسر مصداقه.
نَقّبت في العشرات من الكتب والمصادر التي تحدثت عن الحرب على العراق، اخترت منها -من بين ما اخترت- ما قاله عدد من المعنيين بالحرب من رؤساء وقادة وشخصيات أرويها بلسانهم للتاريخ، تسهيلاً لمن تصعب عليه قراءة الكتب والمصادر، أو الحصول عليها، وإسهاماً في توثيق مرحلة مهمة من مراحل تاريخ العراق الحديث لتكون أمام أجيال العراق التي نعول عليها في إعادة حق العراق، والحرص على عدم وقوعه في مثل هذا الدمار الجسيم.
وسيراً على التسلسل المنطقي للحوادث، نبدأ من بدايتها، الى نهايتها، وهذا بعض ما قيل:
1. التعاون يساوي عدم التعاون
“وكلما ازداد تعاون العراق مع المفتشين، تحولت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا إلى حالة أكثر عدائية للتفتيش. وقال متحدث باسم البيت الابيض :(لن تفاجأ الولايات المتحدة في حال ادّعى صدام دون سابق إنذار، أنه غير من قناعاته، وسمح لطائرات U2 بالتحليق، أو بإظهار بعض الأسلحة التي زعم أنه لا يملكها. لكن ذلك لن يغير مسألة امتناع صدام حسين عن التعاون). التعاون يساوي عدم التعاون، وقد نطق بذلك أخيراً (الحمامة) التي تحولت إلى (صقر)، وهو وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في 5 من آذار 2003م”.

ميلان راي، الحرب على العراق، 196.
2. هيمنة جديدة وانتقام قديم !
“تمحورت الأهداف الأمريكية من الحرب على العراق حول الهيمنة على سوق النفط العالمية ودعم الدولار الأمريكي، حيث أن صدام حسين كان قد اتخذ قراراً عام 2000 باستعمال اليورو كعملة وحيدة لشراء النفط العراقي، وضمان عدم حصول أزمة وقود في الولايات المتحدة بسيطرتها بصورة غير مباشرة على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، إضافة للمصالح الشخصية لبعض شركات الإعمار والدفاع الكبرى في الولايات المتحدة، وأن (جورج) اراد أن ينتقم من (صدام) لضلوعه في محاولة اغتيال والده في الكويت عام 1993م”.

د. أحمد طحان، الإنهيار الأمريكي، 219-220.
3. من القاعدة إلى العراق!
“تحول الرأي العام الأمريكي بسرعة بعيداً عن الغضب على القاعدة إلى الإنشغال بالعراق، كما انعكس ذلك في تصريحات بوش ذاته. ذكر بوش في النصف الثاني من العام 2003 أسامة بن لادن ثلاث مرات فقط، وذلك رداً على اسئلة طرحت عليه في المؤتمرات الصحفية. لكنه ذكر اسم صدام حسين 150 مرة في الفترة ذاتها، أما كلمات القاعدة فقد تلفظ بها تسع مرات، مرة ليقول أن صدام حسين مرتبط بتلك المنظمة الإرهابية. لكن بوش تحدث عن أفغانستان تسع عشرة مرة، بينما ذكر العراق ستاً وتسعين مرة”.

كورت آينكوالد، 500 يوم، 551.
4. وقعت الحرب بتسهيلات عربية!
“لاقت الجهود الدبلوماسية مصيراً مشؤوماً كذلك. فعلى الجانب العربي فإن التحركات لم تكن أكثر إيجابية، حيث عُقِدَت قمة عربية قبيل الحرب على العراق في شرم الشيخ في 2 من مارس 2003، لكنها تمخضت عن خلافات رخيصة وتلاسن بالاسماء، على الرغم من أن هذه القمة كان أمامها عدد من المقترحات الجادة للخروج من المأزق الخاص بالعراق، كإرسال وفد إلى العراق لإيجاد حل لتفادي الحرب. البعض كان يريد حث صدام حسين على الاستقالة. واقترح الشيخ زايد آل نهيان تقديم ملاذ آمن لصدام حسين لمساعدته في الحصول على مخرج كريم، إلا أن هذا الطرح وغيره تم تجاهله. ولم يكن هذا غريباً بالنظر إلى أن عدداً من القادة العرب كانو يبغضون صدام حسين ويودون لو أن عملية غزو تقع لتخلصهم منه. ولم يتم وضع مقترح الشيخ زايد على جدول أعمال القمة. وفي النهاية تم إغفال أي فكرة حول إرسال وفد للعراق، ووقعت الحرب بتسهيلات عربية من عواصم كانت تمقت صدام حسين. بمثل هذه المشاعر، وبغير موقف موحد، لم يكن للقادة العرب أي دور أو تأثير في حرب تشن في قلب منطقتهم، اللهم إلا تقديم القواعد والتسهيلات في بعض الحالات للقوات الأمريكية”.

محمد البرادعي، زمن الخداع، 72.
5. الحكم بسلاح الخوف
“لا يمكن للمرء أن يحكم بسلاح الخوف مدة طويلة، وقد دفع صدام ثمن تلك القناعة. ولكن ما هو أسوأ، أن شعبه دفع ثمناً باهظاً أيضاً، مراراً وتكراراً، لم نصدق أنه يملك أسلحة دمار شامل، كما كان يزعم الحلفاء، حتى الجنرال كولن باول، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الحين، عبَّر في وقت لاحق عن أسفه حيال الدمار الذي أحدثه الأمريكيون لدى اجتياح العراق، مقراً بأن المفتشين لم يعثروا على أثر لأسلحة الدمار الشامل المزعومة. واعترف باول أن تبرير الحرب على العراق شكل نقطة سوداء في حياته، ووصمة عار في مسيرته السياسية”.

محمد بن راشد آل مكتوم، قصتي، 243.
6. دراما سقوط بغداد
“إن الأسابيع الأولى بعد سقوط بغداد قد رسمت شكل المسرح للدراما التي كانت قد ابتدأت للتو، إن سكان الجنوب الشيعة قد رفضوا بعناد أن يقيموا صلة بين الإطاحة بنظام بغيض وغزو البلاد واحتلالها، أما العرب السنة، فكانوا مستبعدين وحانقين وممتعضين، وهم ينتظرون الوقت لإعطاء ردهم المناسب، وأما الكورد فكانوا مصممين على الحصول على أقصى المكاسب، وعلى أن يكونوا حلفاء الإئتلاف الذين لا غنى عنهم”.

علي عبد الأمير علاوي، إحتلال العراق (ربح الحرب وخسارة السلام)، 139.
7. حقيقة بطعم البُغْض
“لم يكن على بريمر بصفته الحاكم سوى التوقيع على ما يسن من القوانين الجديدة، أو يلغي من القديمة. لم يكن بحاجة إلى التشاور مع العراقيين أو حتى الحصول على موافقتهم. تحدث الرجل بينما كنا عائدين إلى المنطقة الخضراء قائلا:نمثل السلطة المحتلة طالما بقينا هنا. هو اسم بغيض للغاية لكنه يعكس الحقيقة”.

راجيف شاندراسيكاران، حياة إمبراطورية في مدينة الزمرد، 82.
8. فرّق تَسُد
“لكن واشنطن لا تمنع نشوب حرب أهلية، ففي الحقيقة، فإن سلطات الإحتلال تضرب الأكراد بالعرب، والشيعة بالسنة، وفصيلاً ضد فصيل آخر للتأثير على سمة الحكومة المستقبلية باتباع سياسة (فرّق تسُد)”.

أنتوني آرنوف، العراق منطق الإنسحاب، 91-92.
9. لم نكسب ثقتهم
“لم نكن نصغي بعناية للشعب العراقي، أو لشخصيات العراق التي يحترمها ذلك الشعب، ولم نستطع مطلقاً كسب ثقتهم، لقد فشلنا في التحرك بالسرعة اللازمة لنقل السلطة لحكومة عراقية مؤقتة يتم اختيارها عبر عملية مشاورات مقبولة، كان من الممكن أن تجرى بواسطة الأمم المتحدة، ولم نسند للمنظمة الدولية ذلك النوع من الأدوار الذي كان من الممكن أن يجنبنا الكثير من الأخطاء، ومن أن ينظر إلينا كسلطة إحتلال”.

لاري دايموند، النصر المهدور، 353-354.
10. الحرب الوقائية عودة لشريعة الغاب
“عندما يقرر بوش أن يضع نفسه على هامش الهيئة الدولية، ويؤسس مبدأ الحرب الوقائية من خلال التدخل العسكري الأحادي الجانب، فإنه بهذا السلوك يؤسس سابقة خطيرة في تاريخ الولايات المتحدة، كل التشاور الذي بني منذ الحرب العالمية الثانية لم يدمر فحسب، بل فشل فشلاً مأساوياً وفقد مصداقيته، إنها عودة حقيقية إلى شريعة الغاب وفوضى العلاقات الدولية. في الحقيقة، يمكن أن تقوم غداً كوريا الشمالية -على سبيل المثال- بحجة أنها مهددة، بالتدخل في كوريا الجنوبية (على طريقة الحرب الوقائية) تماماً مثلما تتدخل الباكستان في الهند، والبلدان يمتلكان السلاح النووي. ماذا ستكون النتائج؟، إنه يشبه (صندوق العفاريت) الذي يفتحه بوش وصقوره ولا نعرف نتاجه، من المبكر أن نقيس هذه الحرب ولكننا ندرك خطورتها القصوى”.
