وقفة وفاء واستذكار ..شيء من سيرة المفكّر العروبي الأستاذ الدكتور حازم طالب مشتاق
من المناسب ونحن نستذكرُ سِيرة المفكِّر القومي العروبي حازم مشتاق* ودَوْره الريادي، أن نتوقفَ عِندَ المُتحقِّق في مشواره السِّياسي والأكاديمي، بعد رحلة مليئة بالنّتاج الفكري، والعمل الوطني، ومشواره السِّياسي الَّذي كان فيه صوتًا وطنيًّا عروبيًّا مدافعًا عن العراق وعروبته، وكان آخر إصدارات الفقيد هو كتابه الموسوم (الفكر الاستراتيجي الأميركي وآراء وأحاديث أخرى في الفكر الاستراتيجي).
والرَّاحل الَّذي نتوقف عِندَ منجزه السِّياسي والأكاديمي من مواليد محلَّة الأعظميَّة ببغداد سنَة 1931، بدأ نشاطه السِّياسي والأدبي عِندَما كان طالبًا في الجامعة الأميركيَّة ببيروت في العام 1953 في ذروة المدِّ القومي الَّذي انطلقَ بقيامِ ثورة 23 يوليو العام 1952. وعاصرَ الرَّعيل القومي الأوَّل من قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميِّين العرب أمثال سعدون حمادي وهاني الهندي وجورج حبش ووديع حدّاد، وتأثَّر بأفكارهم، فكان صوتًا وطنيًّا عروبيًّا مدافعًا عن العراق والأُمَّة العربيَّة.
واستطاعَ المُفكِّر والسِّياسي والأكاديمي العراقي الدكتور حازم مشتاق أن يسلِّطَ الضَّوء عَبْرَ مؤلَّفاته الَّتي بلغتْ (16) كِتابًا متنوِّعًا على العديد من القضايا السِّياسيَّة والفكريَّة بالبحثِ والتَّحليل نالتْ إعجاب المتابعين للشَّأن السِّياسي وتطوُّراته.
واستندَ الرَّاحل في تحليلاته في قراءته للعقيدة الأميركيَّة واستراتيجيَّتها وانعكاسها على الأمن القومي العربي إلى تجربته خلال مَسيرته السِّياسيَّة والعلميَّة عِندَما كان أستاذًا زائرًا في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس ومستشارًا إعلاميًّا في السّفارة العراقيَّة في بريطانيا، ورئيسًا لتحرير صحيفة الثَّورة العراقيَّة عام 1967، فضلًا عن التَّدريس في أبرزِ جامعات العراق لمدَّة خمسة عقودٍ بقيَ يبحث ويؤلِّف ويدرس بجد ونشاط وحيويَّة من دُونِ أن يشعرَ بالتَّعب والهَوان أو يستسلمَ لاستحقاقاتِ العمر واشتراطاته حتَّى أدركته المنيَّة.
وما زادَ إعجابي وتقديري بالرَّائد والباحث والمُفكِّر السِّياسي حازم مشتاق إصراره على مواصلة إنتاجه لِيعطيَ عصارة فكره وجهده وتجربته إلى الأجيال. وعِندَما أهداني الدكتور حازم مشتاق كِتابه الَّذي نتحدَّث عَنْه كانتْ أُمنيته أن يمتدَّ به العمر قليلًا لِينجزَ كِتابَيْنِ جديدَيْنِ يأمل أن يقدِّمَهما للقرَّاء، غير أنَّ أمنيَّة مؤلِّف الكِتاب بامتدادِ عمرِه قليلًا هي لإنجازِ ما يعتقده مفيدًا للباحثين وللمكتبة السِّياسيَّة والعلميَّة والبحثيَّة ليس إلَّا، كانتْ تجسِّد إرادة إنسان كرَّس جلَّ حياته من أجْلِ وطنِه وحُريَّته واستقلاله، وتسليط الضَّوء على مخاطر المشاريع الاستعماريَّة الَّتي كانتْ منذُ استقلال العراق عام 1921 وليومِنا هذا تستهدف حاضره ومستقبله ودَوْره في محيطه العربي والإقليمي. والفقيد من أُسرة عربيَّة عريقة كان لها دَوْر في تأريخ العراق منذُ تأسيس الدَّولة العراقيَّة عام 1921، لا سِيَّما والده المغفور له بإذن الله تعالى طالب مشتاق. ولا نبالغ إذا قُلنا إنَّ مؤلَّفاتِ الرَّاحل كانتْ إضافةً مهمَّة وقيمة ونَوعيَّة للمكتبة البحثيَّة وللسَّاعين من أجْلِ معرفة العقيدة الاستراتيجيَّة الأميركيَّة وسعيِها للحفاظِ على أمْنِ الكيان الصهيوني على حسابِ حقوقِ الشَّعب العربي الفلسطيني في إقامة دَولته المستقلَّة وعاصمتها القدس الشَّريف.
ورؤية الرَّاحل لمسارِ الأحداث في منطقتنا وأهدافها واتِّجاهاتها كانتْ صائبةً في تحليلها وتوقُّعاتها لأهداف المشروع الأميركي والصهيوني الَّذي يستهدف حاضر ومستقبل الأُمَّة بِرُمَّتها ومشروعها القومي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أضناني البحثُ عن صورة للمفكر العروبي الكبير الأستاذ الدكتور حازم طالب مشتاق، رحمه الله تعالى. ولم أجدْ ضالّتي إلّا بين يدي الرائد الصحافي، الكاتب الأستاذ زيد الحلّي، الذي نشر في الثاني عشر من حزيران سنة 2016 ، نصّاً جميلاً وتاريخياً، بذيل الصورة المنشودة تحت عنوان:
كنا نقرأ مقالة ( هيكل ) قبل نشرها بفضل د. حازم مشتاق !
لا يعرف جيل السبعينيات من القرن المنصرم وما تلاها ، أن مقالة الكتاب الكبير ” محمد حسنين هيكل ” الشهيرة (بصراحة ) التي كان ينشرها في صحيفة ” الأهرام ” كل يوم جمعة في سنوات الستينيات ، كانت تظهر في القاهرة وبغداد في آن واحد من خلال أتفاق خاص أبرمه الدكتور” حازم مشتاق ” رئيس تحرير صحيفة ” الثورة ” التي صدرت لفترة قصيرة عن المؤسسة العامة للصحافة في بغداد عام 1967 .. وبموجب ذلك الاتفاق ، كانت أجهزة الإبراق (التيكر) تحمل المقالة ( الثمينة ) حيث لم يكن لـ”الانترنيت ” وجود ، مساء كل يوم خميس الى إدارة هذه الصحيفة في مقرها في منطقة ( القصر الأبيض ) ببغداد حيث تطبع في مطابع (دار الأخبار) لصاحبيها ” جوزيف وجبران ملكون ” … لقد كنا نحن مجموعة من الصحفيين (الشباب) وقتذاك نذهب في ذلك المساء إلى مقر الصحيفة لنطّلع على المقالة الشهيرة ، قبل ان ترى النور في مصر!!.. وربما قبل إن يطالعها عدد كبير من العاملين في صحيفة ” الأهرام ” ذاتها .. كنا نقرأ لـ ” هيكل” قبل ان يقرؤه العالم بـ 12 ساعة أو يزيد ، فيا لسعادة جيلنا ..
عليك شآبيب الرحمة أيها الكبير الأستاذ الدكتور حازم طالب مشتاق ، الذي ودعتنا الى دنيا الخلود قبل يومين … كُنتَ رئيساً لتحرير جريدة ضمت ارقى الاقلام !.