وداعا أبا النعمان .. انتظرتْك الملائكةُ..
رحلتَ أبا النعمان .. رحلتَ أيّها الصديقُ العتيقُ الأعز الأغلى ، رحلتَ دون وداع ، فقد كنتَ تعيش على أملٍ مع عذاب جسد لا يحتملُ الانتظار ، رحلتَ وعيناك كانتا تنتظرانِ من وَعَدَكَ بأنْ يكون عوناً لك في محنتك ، لكنّها هي الأيام التي تقلّبُ الوجوهَ والقلوبَ والضمائرَ ، رحلتَ ولا نملكُ الا أن نسأل الله أن يكرّم مثواك أيها الصديق الّذي لا نتذكرُ الّا كلماته النقية وصوته المبحوح وهو في محنة انتظار الأمل .. أو الموت .
عرفتك قبل أكثر من 45 سنة ، ومذ عرفتُك كنت كنزاً من طيبٍ وأحلام وقصائدَ ما زال صداها يرنُّ بسمعي ويبوح بأسرارك ، جمعتنا الصحافة ، وجمعت قلوبنا المحن ، والآمال والعذابات .
كانت الشهور التي مرَّت وأنا أتابعُ حزنك وألمَك يومياً مع صديقي الأستاذ صباح اللامي ، عبر تواصل هاتفي يومي ، وكنتَ تأخذُ كثير وقتنا ، وكان التواصل يدفعنا الى اليأس في زمن المرارة وقلة الصاحب الصدوق ، والزميل المتغافل ، أو المتناسي لعشرة العمر البليد الذي لم نكتشفه إلّا حين أصبح الشيب غطاءَ رؤوسنا المزدحمة بأفكار الخيبة وبُعدِ السفر ووحشة الطريق .
رحلتَ الى جوار خيرٍ من جوارنا ، والى ملائكةٍ لم يشمّوا عفنَ زمانِنا الأغبر ، رحلتَ ظامئاً حسيراً عسيراً كسيراً ، فيما الملائكةُ ينظرون إليك وخيوط الحزن ترسمُ فوقَ جبهتِك عتابَ أواخر الستين من عمرك التي تعلّقت بحبل الوريد فما بلغت ربيع سبعين عاماً.
أتذكّرك يا أبا النعمان مع طيوف ما تسرب من ماضينا في شوارع الوزيرية وكلية القانون، وبيوت الصحافة التي عملنا فيها ، أتذكرك وأسمع همسك وصوت ضحكتك المخنوق .. وما لي سوى أن أتذكر ، فقد رحلتَ ، ولكن ما زلت حياً في قلوبنا ، فأنت الصدوق الأمين .. رحمك الله ايها الأحب الأغلى .