وداعاً حبرَ البروليتاريا، والتواضع و”العفّة”في عالم لا “عِفّة” فيه..



ماتَ الحبر الأعظم، البابا فرانسيس، كان شخصية من غير هذا العصر “العُهريّ”، فمذ عرفناه كاردينالاً منتخباً من الأرجنتين، وهو “متفرّد البهاء”، إلى أن وافاه الأجل، بقيَ “متفرّد البهاء”، بأن طلب في آخر وصيّة له ألا يُدفن، إلا تحت التراب كالفقراء، بكنيسة بسيطة، أي غير المكان الفخم الذي يُدفن فيه الباباوات لنحو ثلاثة قرون، وأوصى أيضاً بأن لا يُسجّى جثمانُه، إلا في نعش خشبي زهيد الثمن، ذاكراً في وصيته أن صديقاً ما تبرّع له بمبلغ تكاليف الدفن.

أقول: لو كان هذا البابا، اللاتينيّ القارّة، المؤنس، الضحوك، المحبّ للنكتة، المتواضع، عاشق الفقراء والمظلومين، شيوعياً، يؤمن بما آمن به لينين وستالين وماو وكاسترو وهوشي منه، وأيضاً صديقي الشيوعي “الملياردير بحساب الدينار العراقي” ابن الصابئة المندائية القُح “أبو رام” سعدي ثجيل، مؤلف سلسلة الكتب الأربعة “وشْمُ السنين” لما شككتُ في ذلك!.

كان محبوب شعوب العالم، زهِدَ بما في الدنيا من مباهج، فنال بهجة محبّة الناس، ولعلّ “البصمة” التاريخية “اللاتُنسى” للبابا فرانسيس، أنّه خرق بروتوكولات بني إسرائيل، التي فرضوها على ملوك، ورؤساء، وزعماء، وقادة، وسياسيين، عندما زار “عاصمة الأمل”، القدس الشريف مباشرة بطائرة هليكوبتر من عمّان بالأردن الى حيث يتفقد فقراءَ مخيّم فلسطينيّ!.
فرانسيس، البابا، هو الوحيد في العالم الذي كان يحرص على التواصل اليومي مع غزة سائلاً عن معاناة فلسطينييها الذين مازالوا يتعرّضون للذبح اليومي. ولهذا شاعت على وسائل التواصل الاجتماعي “شماتة إسرائيلية” واسعة بوفاة البابا، لأنه رفض الحرب على غزة ووصفها بالوحشية!.

كان الحَبْر الأعظم بمنهج بساطته، محبّاً للفقراء، يعيش عيشَهم، ولم يختر إلا أن يموت ميتتَهم!. كان الرجل يتفانى في زيارة السجون ليغسل أقدام السجناء، تواضعاً، بل لكي يرقى بروحه رقيّ السيد المسيح عليه السلام. ولاثنتي عشرة سنة في بابويته، ترك البابا فرانسيس أثراً روحياً في الناس، بل سُمّي بابا الناس، بابا الفقراء، بابا المساكين، بابا المظلومين.

ليتنا نرى في عالم يومنا هذا، رجالاً من هذه الجبلّة الفريدة. أنا شخصياً أعرف أصدقاء مسيحيين كثيرين، وفيهم رجالُ دين أبرار، كنيافة المطران الدكتور أفاك أسودريان، الذي رأس الطائفة الأرمنية الأرثوذوكسية لثلاثة وأربعين سنة، ليخلفه الارشمندريت “أي الراهب راعي الدير الكبير” أوشاكان كولكوليان سنة 2022.

أقول: عَرفت هؤلاء الأحبة، وآخرهم الصحافي، الكاتب الأديب “رياض شابا”، فعرفت الصدق، والإخلاص، والوثوق، ورفعة الذات، والتواضع، والصداقة المتفانية. لقد والله تعلّمت منهم أنبل السجايا في الاحترام، والتقدير، والطيبة، والتسامح، وتبلّج ما في أرواحهم على عفّة ألسنتهم، ونقاء صفحات وجوههم.
وداعاً، البابا فرانسيس، وداعاً حبرَ الفقراء.. لروحك السامية السكينة..المجدُ لله في الأعالي وعلى الناس المسرّة، وفي الأرض السلام..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*يسرني هنا أنْ أنقل لكم معلوماتٍ عن تقرير مترجم، تسلّمته من صديق شيوعي عتيق، “أبي همسة”، يقيم في السويد، ولم أذكر اسمه صراحة خوفَ رفضهِ ذلك، فعوّاد لا يحب الشهرة، وأنا لا أحبُّ القول إنّه من شطرة الناصرية، عليها السلام:

ماذا ترك قداسة البابا فرنسيس من ممتلكات ؟
لن تصدق أبداً كم هذه الممتلكات التي لا تعد و لا تحصى !
انتقل قداسة البابا فرانسيس ولم يترك سوى 100 دولار أمريكي.
نعم مائة دولار. أقل من 90 يورو !!!
لم يمتلك بيتاً شخصياً .
لم يمتلك حساباً بنكياً !
لم يمتلك استثمارات خاصة باسمه…رغم أنه كان رئيسًا للكنيسة الكاثوليكية ذات المليار و نصف كاثوليكي في العالم كله !
وهذا المنصب كان من الممكن أن يدر عليه راتبًا سنويًا يبلغ نحو 340 ألف يورو سنوياً منذ عام 2013 … ولكنه رفض كل هذه الأموال !!!
لماذا ؟
لأنه كان راهباً يسوعيًا، واليسوعيون ينذرون الفقر شرطاً لحياتهم الرهبانية !!!
كان يمكنه العيش في شقق الفاتيكان الفاخرة في مثل أسلافه، و لكنه اختار الاستقرار في منزل صغير اسمه Casa Blanca Santa Marta ، وهو مسكن بسيط ومتواضع.
لقد تخلى عن كل شيء من الذهب و الفضة
ولا يوجد لديه خدم خاص ! فقط سرير ومكتب و إيمان ينقل الجبال !

كان يرتدي حذاءه الأسود القديم المهترئ، رافضًا الأحذية الحمراء التقليدية.
كان يتنقل في سيارة ” فورد فوكس ” صغيرة، في حين كان الزعماء الدينيون الآخرون يقودون سيارات ليموزين و BMW و غيرها من السيارات الفخمة.
كان يتناول الطعام مع عمال وموظفي الفاتيكان، وليس في غرفة طعام خاصة.
كان يرتدي ملابس بسيطة، دون أي زينة خاصة، فقط ملابسه البيضاء و” صليب من حديد”.
أما عن ثروته الغير مرئية…
رغم أن غيره كانوا و مازالوا يتمسكون بممتلكاتهم، و خصوصياتهم وصورهم… ، لكن قداسة البابا فرانسيس قرر ألا يمتلك أي شيء، حتى يقدم كل شيء للآخرين !
لا يمتلك الملايين… ولا توجد وصايا معقدة… فقط 100 دولار + رسالة مؤثرة هذا نصها :” ليس المهم ما تملكه، بل من أنت، وما تقدمه للآخرين.”…. و تلقى العالم هذه الرسالة رغم أنه كان مصدوماً !!
في عصر أصبح فيه الثراء في كثير من الأحيان الهدف النهائي، يترك البابا فرانسيس بصمة أبدية دون أن يسعى أبدًا إلى إثراء نفسه.
لقد ترك ثروة أخلاقية… ترك درساً في التواضع و ترك رؤية للخدمة الحقيقية ألا وهي :”الوقوف بجوار المهمشين و المتروكين و المهجرين و المطرودين و الجوعى … !!
رجل أثبت أن بساطة العيش تفوق كنوز الدنيا و سلطانها !!!
