هل تتذكرون غازي العياش ؟
لا أتذكر بالتحديد متى وكيف تعرفت على غازي العياش، ولكن ذلك التعارف حصل بالتأكيد ما بين 1968-1970 عندما كنت مراسلاً لوكالة سانا السورية وكان هو مراسلاً لمجلة الأسبوع العربي اللبنانية في بغداد.
آنذاك اشتغل عدد من الصحفيين العراقيين في مراسلة الصحف اللبنانية أو المصرية ، وأنا منهم مع وكالة الأنباء السورية سانا ، وغازي العياش لمجلة الأسبوع العربي اللبنانية ، وسامي فرج مراسلاً لدار الصياد اللبنانية ، وسامي عاشور مراسل المجلات الفنية، الموعد اللبنانية والكواكب المصرية ، وداود الفرحان في مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، وليث الحمداني لجريدة اللواء اللبنانية إن لم تخنّي الذاكرة.
وكان غازي العياش يتخذ مكتبه في الطابق الرابع في عمارة زكي جميل حافظ حيث هنالك أيضاً مكتب وكالة انباء الشرق الأوسط المصرية ومديره سمير العجوز ثم أنس جاد الحق ومعهما داود الفرحان مقابل سينما الزوراء في محلة المربعة بشارع الرشيد.
والعياش بغدادي أصيل من أهالي منطقة الكرخ القديمة وصحفي مخضرم منذ أوائل عقد الخمسينات من القرن الماضي عندما أصدر جريدة كان سجاد الغازي فيها سكرتيراً للتحرير.
عمل غازي العياش بعد ذلك في عدة صحف عراقية منها جريدة البلاد خلال العهد الملكي وتنقل في عدة مجالات صحفية ليصبح في منتصف الستينيات مراسلاً لمجلة الأسبوع العربي اللبنانية ، وحصل من الرئيس صدام حسين على مكافأة مادية على مقالاته في الصحف العراقية.
وفيما بعد لعب دوراً مميزاً في رفد التلفزيون العراقي بأفلام وثائقية أوروبية في وقت كان سعد قاسم حمودي فيه وزيراً للأعلام مما عزز الثقة بينهما.
ولغازي مهنة تجارية معروفة هي التعاقد مع الفرق الفنية اللبنانية والأجنبية للعمل في نوادي الليل العراقية ، وعادة ما يسافر الى بيروت وقبرص وألمانيا وتخلى عنها فيما بعد ليشتغل بتوريد الأفلام الأجنبية.
وقيل أن نقيب الصحفيين سعد قاسم حمودي يكن الود لغازي العياش على تعاونه مع النقابة دون مقابل مادي، بل إن غازي كان يجيد تنظيم مناسبات فنية للاحتفال بعيد الصحافة ومنها ذلك الاحتفال الذي أقيم في النادي الليلي الإمباسي بمنطقة المسبح في بغداد حضره حشد من الصحفيين وعوائلهم !
وكلما كان الوقت يسمح لي أقوم بزيارة غازي في مكتبه بعمارة زكي جميل حافظ وفي مكتبه ثلاجة مملوءة بالمشروبات الروحية علماً بأن غازي لم يشرب الكحول ولم يدخن السكائر طيلة حياته!
على أية حال كنت في تشرين الثاني عام 1973 وبعد شهر من حرب تشرين في إيفاد تدريب لمدة شهر بمكتب رويترز الإقليمي في بيروت الذي كان الأردني الجنسية الياس نعواس رئيساً للتحرير فيه .
وللعلم فإن إلياس وبغض النظر عن قناعاته السياسية كان شقيق عضو القيادة القومية لحزب البعث آنذاك عبد الله نعواس الذي بقي عضواً في القيادة للفترة من عام 1954 الى العام 1959.
كنا ثلاثة من واع أنا وخالد ماجد والمترجم عبد نور عبود للتدريب في النشرة الانكليزية لرويترز، وكنا نتناوب العمل حسب ما يقرره إلياس نعواس لنا ، أسبوع في الفترة الصباحية واسبوع في الفترة المسائية وكان يحافظ على أن لا يجمعنا انا وخالد في فترة واحدة إلا نادراً ، وكنت في بعض الأيام أتدرب على طريقة عمل صحفي لبناني معروف في المكتب هو خضر رضا وكنيته ( الزعيم) وكان يتولى مسؤولية احدى وجبات العمل ويستخدم الهاتف للإتصال مع الوزراء والنواب اللبنانيين لتقصي الاخبار والنشاطات ، وقد انتقل مع كادر المكتب الى القاهرة خلال الحرب الاهلية اللبنانية.
وكنا نقضي أوقات الفراغ في التعرف على معالم بيروت وكورنيشها ومقاهيها وباراتها وكنت أعرف بعضها من زيارات سابقة خلال فترة عملي مع سانا السورية .
وفي عصر أحد الأيام كنت في مقهى الدولتشي فيتا في منطقة صخرة الروشة على الساحل حين فوجئت بغازي العياش على مقربة مني. وبعد تعرفه على أسباب وجودي في لبنان، دعاني وزملائي خالد وعبد نور إلى مأدبة عشاء في مطعم يلدزلار في العمارة المطلة على الصخرة.
وحضر مع غازي صديق له من مجلة الأسبوع العربي وهكذا كنا خمسة أمامهم طاولة طعام مناسبة فرشت عليها كل أنواع المأكولات اللبنانية بطبقين او ثلاثة لكل نوع ، من الفول والحمص بطحينة والتبولة والفلافل وبابا غنوج والمشويات من التكة والكباب والمعلاگ والكبة النية والطرشي من الخيار والفلفل والباذنجان وقطع الخبز الصغيرة ، وطبعاً العرق اللبناني والبيرة! ثم الطبق الرئيسي من الدجاج واللحم.
وكما قلت سابقاً كان غازي لا يشرب المشروبات الكحولية ولا يدخن إطلاقاً وطيلة حياته.
رحمة الله على روحه فقد ترك غازي الصحافة في وقت ما بعد سنوات الحرب مع إيران وانتقل للعيش مع زوجته الألمانية في المانيا حتى وفاته ، وله كنية معروفة هي أبو كريم مع أنني وغيري لم يتمكن من تقديم دليل على أن له ابناً اسمه كريم.
وبقى غازي العياش محتفظاً بعلاقاته مع العراق وكلما تسنّى له تقديم ما يمكنه من مساعدة من خلال علاقاته في الدول الأوروبية .
وواظب على كتابة مقالات في الصفحة الأخيرة من جريدة الجمهورية تحت عنوان ( من القلب) وقال لي صديق صحفي إن غازي استمر في كتابة تلك المقالات لبضع سنوات حتى انقطع عنها.
وأخبرني صحفي عمل في جريدة الجمهورية، أنّ العياش، غادرها أواخر سنة 1993. وقال إنه التقى به مصادفة وهو يقود سيارة مرسيدس ذات لون أخضر داكن، فسأله عند مفترق جسر الصرافية من جهة الرصافة عن صحته، لإنه كان يرتدي “ماسكاً طبياً” فأخبره أنه أجرى عملية زرع كلى.
ولاحظت أن بعض الكتابات وبالرغم من أنها محدودة جداً تنكر على غازي صفته الصحفية وتحصر علاقته بالمجلات اللبنانية بجمع الإعلانات العراقية لنشرها . ومع ان العمل في الإعلانات ليس عيباً إلا أن عدداً من مراسلي الصحف والمجلات الموالية للعراق في لبنان وقبرص ومصر وباريس ولندن كانوا في فترات سياسية متعاقبة وبشكل ما يمارسون جمع الاعلانات العراقية للمطبوعات التي عملوا لها.
ومن نشاطات غازي العياش، يُروى أن سعد قاسم حمودي كان في زيارة للعاصمة الايطالية روما حين لفت انتباهه اعلانٌ عن فيلم تعرضه إحدى دور السينما فقرر مشاهدة الفيلم فإذا به تسجيل كامل للجريمة الايرانية الوحشية بقتل الأسرى العراقيين بربط الذراعين بحبلين تسحبهما سيارتان باتجاهين فتقتلهم بخلع الذراعين .
وقد قرر سعد قاسم حمودي فوراً وجوب الحصول على نسخة من الفيلم ، ولم يكن عنده من خيار سوى خيار الاستعانة بغازي العياش الذي كان حينئذ يقيم في المانيا.
وفعلاً نجح غازي في الحصول على نسخة من الفيلم وعرضه سعد على الحكومة التي قررت عرضه في التلفزيون مترجماً إلى اللغة العربية، وعندها أصبح يوم الأول من كانون الأول يوم الشهيد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سيرة د. مليح صالح شكر في سطور:
-ولد عام 1942 في محلّة “رخيته” بالكرادة الشرقية. وبعد وفاة والده في مايس1944 عاد الى محلة “قهوة شكر بالرصافة .
-عام 1945 انتقل الى لواء الدليم، محافظة الأنبار لاحقاً. ودرس فيها الابتدائية والمتوسطة.
-وعاد عام 1961 إلى بغداد فالتحق بثانوية الأعظمية.
-وفي عام 1964 التحق بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة بغداد حال افتتاحه لأول مرة في تاريخ العراق.
-حصل على وظيفة مراسل “سانا” وكالة الأنباء السورية في بغداد.
-بقي مع “سانا” حتى تشرين الثاني عام 1970 عندما أطاح وزير الدفاع حافظ الأسد بنظام الحكم الذي كان من أنصاره فكتب استقالته ليلتحق بعد أيام بوكالة الانباء العراقية.
-وعاش مع (واع) كل سنوات حياته المهنية، وعمل فيها مندوباً ومحرراً ورئيس محررين وسكرتير تحرير ، ومراسلاً في القاهرة أعوام 1976 – 1977 وقد تعرض للإبعاد من مصر مع مئات الصحفيين والدبلوماسيين وغيرهم من العراقيين والعرب الآخرين.
-بعد ذلك ذهب إلى الجزائر مراسلاً لواع وقضى فيها سنتين .
-التحق عام 1982 بجامعة أكستر في بريطانيا للحصول على شهادة الدكتوراه وفي عام 1987 عاد الى بغداد بشهادته العالية.
-وفي مركز (واع) تولى لبعض الوقت مهام رئيس قسم الأخبار الداخلية المسؤول عن كل المندوبين في بغداد وكل مراسلي الوكالة في المحافظات العراقية، ثم أصبح سكرتير التحرير لقسم المكاتب الخارجية المسؤول عن كل المراسلين في العواصم العربية والأجنبية.
-وفي عام 1989 سافر إلى نيويورك مراسلاً لواع لدى الأمم المتحدة وقضى فيها سنينَ طوالاً حتى احتلال العراق في نيسان عام 2003.
– بعدها اشتغل لبعض الوقت صحفياً في بعثة عربية في نيويورك.
-ما زال يقيم في ضواحي نيويورك مع عائلته وأبنائه الثلاثة.
-وله ثلاثة مؤلفات في تاريخ الصحافة هي:
– تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري 1932 -1967
منشورات الدار العربية للموسوعات ، بيروت، لبنان، 1910
– دفاتر صحفية عراقية ، البعث والصحافة، مرحلة عام 1968، دار البداية، عمان، الاردن ،2018.
– صفحات من تاريخ العراق ، تراث الكاتب الصحفي إبراهيم صالح شكر، دار البداية ، عمان ، الاردن ، 2018