نُشيِّعُ الأمة .. أم المقاومة ..؟!
بين الصحافة والسياسة علاقة مركّبة كلاهما تحتاج الأخرى ، وكلاهما تحذّر من الأخرى، قالها الكبير محمد حسنين هيكل منذ عقود. ولأول مرة، أجد نفسي حذراً مرتبكاً في كتابة مقال ثقيلٍ بتعقيداته، مُتعبٍ بتشعباته .
والكتابة في نهاية المطاف، هي بيان موقف إزاء كوارث وحوادث خطرة تصيب الأمة في عقر دارها ، وتكون سبباً بفقدان وعيها.
قلم الكاتب ، هو ضمير الكاتب الذي لا يخشى في الله لومة لائم ، يسطر كل معاني الحقيقة بشكلها الإنساني الرفيع ، حتى وإن كانت لا تُرضي ولا يقبل بها الجميع .
هذه الأمة يا سادتي .. فقدت مصداقيتها ودورها الإنساني ، بعد ان اهتمت ببناء السلطة ، وتخلت عن بناء الدولة، والدولة هي نتاج معرفي وبناء تاريخي ، لا يمكن الاستغناء عنه ، وكثيراً ما يثلم هذا البناء من خلال حالات الطوارئ ، ومن خلال وجود جماعات مسلحة خارجة عن القانون .
والأمم التي لا تكون لها دولة قوية ،، تعيش ممزقة ذليلة ، الصديق عدوها ، والعدو صديقها ، أمة لا تفرق بين الحق والباطل ، وبين العالم والجاهل ، وبين الجاني والضحية ، وبين المبتلى وصانع البلية .
أمة فقدت روحها وبوصلتها، منتصرة لقبائلها وأحزابها ، لا تبحث إلًا عن غنائمها ، وكأن النضال صار مهنة وغنيمة ، وحَمْلُ البندقية إشعار للرزق لا درءاً لمخاطر الهزيمة .
تابعوا جيدا التغطيات الإخبارية ، في مواسم الحروب المصيرية ، وفي معظم وسائل إلاعلام العربية ، لتلاحظوا انكم امام شاشات إسرائيلية ، ولستم، أمام شاشات عربية ..!!
مسؤولون ومحللون ومنجمون عرب ، ينتقدون علنا أحرار غزة ، ومقاتلي حزب الله ، أكثر مما ينتقدون حكومة نتنياهو ، التي تمت ادانتها وتعريتها على مستوى عال من المواقف الانسانية، ولأنها حكومة عنصرية، تمارس سياسة حرق الارض والشعب ، وتسعى للإبادة الجماعية .
وهذه الآلة العسكرية المدعومة بالصواريخ الأمريكية الذكية، تنهش يومياً أجساد المئات لا بل والآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة الفلسطينية ، والضاحية الجنوبية اللبنانية ، وهناك بعض العرب من يشمت ويفرح لانتصارات جنود الاحتلال اليومية ، وما تقوم به الدولة الصهيونية، من تشريد وجرائم فاقت جرائم النازية الألمانية .
ماذا أكتب .. وانا اشاهد مجموعة من الشباب تجوب الشوارع في بعض المناطق السورية وهي توزع الحلوى ،، وإمام جامعهم يصدح صوته شاكراً الله ، بمقتل حسن نصر الله ،، والسبب ان بعض المقاتلين من حزب الله ، قاموا بقمع هؤلاء وإذلالهم إرضاءً لديمومة الحكم في سورية. .
في تاريخ واخلاق العرب .. إذا حزن جار لك فعليك ان تشاركه حزنه الحميم ،، حتى وان كانت بينك وبينه عداوة في الصميم .
وسؤالي ،، من هذا الذي أوصل الأمة إلى مثل هذه الحالة من التشرذم ، والتمزق ، والانكسار الذي نحن عليه وفيه ، ألم تكن الجماعات المسلحة التي أحالت الدولة إلى التقاعد وصارت تحكمنا وتتحكم فينا بدلاً من مؤسسات الدولة ، والأخطر عندما ترهن هذه الجماعات المسلحة نفسها وسلاحها لدولة اجنبية ، وتتحول ، من مقاومة وطنية ، إلى مقاومة لقمع المجتمعات المدنية لاغراض دينية وأسباب مذهبية. .
وهذه هي الأنظمة العربية ، لم تترك ظلالة إلا وتبنتها ، ولم تترك فظاعة إلا وأقدمت عليها ، وهي لم تقدم لشعوبها سوى فتات من موائدها .
أنظمة عربية فاسدة ، تركت المقاتلين يقاتلون وحدهم ، وان تجرأت واقتربت دولة اجنبية وساندت المقاومة ، تثور ثائرة الجامعة العربية ، ولا تسأل نفسها ، اين هي الجيوش و الحكومات العربية لنصرة المقاومة الوطنية ،، اين مصر بجيشها الكبير، والأردن بمليكها والأمير ، وزعماء الخليج الذين استأسدوا في اليمن والسودان ، وصمتوا امام جرائم إسرائيل التي عبثت بالأمة والمصير.
ايران .. يا أمة العرب ، واضحة جليّة ، استغلت فراغا عربيا ، بعد ان تخلت جيوشها وحكوماتها عن مناصرة القضية ، فدخلت ايران تحت غطاء مساعدة المقاومة ، وسلحتها بأسم العقيدة والمذهب والطقوس الطائفية ، وكان لها ما ارادت من نفوذ وأذرع واحزاب وجماعات وصولية .
وبدلا من انتشال المقاومة العربية في غزة والضاحية الجنوبية من الأحضان الإيرانية ،، اتهمتم المقاومين العرب بالخيانة والتبعية ، ووقفتم مع نتنياهو بصورة سرية وعلنية .
المناضلون الحقيقيون لا يموتون فوق كراسي السلطة ورفاهيتها، إنما يستشهدون على ارض المعركة ولهيبها ، يتلظّون بنارها وفوق رمادها ، وهكذا فعلها حسن نصر الله ،، على الرغم من اني اقف بالضد من فكرة ولاية الفقيه ، وامقت سلطة الاحزاب عندما تكون فوق سلطة الدولة ، وتصادر القرار السيادي والسياسي في السلم والحرب . والبلاد في محنة .
ثم إن الاشادة بالمقاومة الوطنية ضد الهجمة الصهيونية الأمريكية ، ليس جرما ولا عيبا ، ففي أحد قصائده المثيرة ،، كتب الشاعر نزار قباني عن المقاوم حسن نصر الله قصيدة طويلة مطلعها :
يا من يصلي الفجر في حقل من الألغام
لا تنتظر من عرب اليوم سوى الكلام ……
( أنا اكره الأرهاب ، لكن ليس بوسعي إلا ان احترم الرجل الذي يفتدي عقيدته بروحه).
استشهد السيد حسن نصر الله ، وافتدى عقيدته بروحه ، ولم يعش كما يعيش الحكام والأمراء العرب من مظاهر الترف والفجور ، رغم انه كان يستطيع ان يعيش عيشة مرفهة ، طائرات وسيارات وقصور ،، ورغم هذا ،، فما زالت الأمة مختلفة عليه ، فهل نشيًع الامة ، ام نشيًع مقاومة فلسطينية – لبنانية، تأبى الاضمحلال والضمور .؟!