تحليل سياسي

نتنياهو ،، هروبٌ من الخناق ، وقوعٌ في الهاوية..

     بعد ما يقرب من عامين من الحرب الوحشية على غزة وبعد أنْ بدأ صرح  نتنياهو السياسي بالإنهيار ، لا يزال هدفه المعلن المتمثل في القضاء على حماس بعيد المنال ومصير الرهائن الإسرائيليين معلق بشكل غير مأمون مع تراجع ثقة الإسرائيليين بحكومته الى جانب الخسائر غير المسبوقة التي مُني بها الجيش ، و وسط استقطاب سياسي واجتماعي عميق بالنسبة للعديد من المراقبين فإن ضربة نتنياهو العسكرية ضد إيران الأسبوع الماضي لا تتعلق بالضرورات الاستراتيجية بل تتعلق بعرض محموم لبقائه السياسي.

                الحبل النووي المشدود والمأزق الدبلوماسي

    في صميم هذه الأزمة المتصاعدة يكمن البرنامج النووي الإيراني السريع في تقدمه منذ انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد في عام 2018 من مجموعة 5+1 التي حققت تقدماً في لعام 2015 بشأن برنامج ايران النووي .

    انسحاب واشنطن وفر لطهران  فرصةً سرّعت بشكل كبير لتخصيب اليورانيوم بمخزون وصل الى 400 كيلوغرام و بنسبة تخصيب وصلت الى  60٪، وهي قفزة تقنية بوقت قصير .

      أثبتت الجهود المبذولة لحل المأزق  عدم جدواها بعد أن انهارت المحادثات غير المباشرة الأخيرة بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة في مسقط وروما، مما أدى في المقام الأول إلى توقف طلب واشنطن العنيد  الى طهران لوقف التخصيب المحلي، التي تؤكد دوماً حقها السيادي في الطاقة النووية السلمية وترفض التنازل عن هذا الحق ، مما أدى الى تعنّت الرئيس ترامب، معلناً بحماسة مميزة أنه “لن يسمح أبدا لإيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها”. وهكذا ازدادت الهوة بين إيران والولايات المتحدة التي لا يمكن التغلب عليها .

    و مما زاد من هذه التوترات أكثر  عندما أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 12 من يونيو / حزيران الجاري قراراً يدين إيران لعدم امتثالها لالتزاماتها بالضمانات النووية وهي المرة الأولى  منذ 20 عاما توبخ فيها المنظمة الدولية طهران .

      بعد أيام ممّا يعترف به المسؤولون الإسرائيليون سراً هو غارة جوية تكتيكية، بدلاً من شنّها على المنشآت النووية والعسكرية حيث لم  تعمل الحملة العسكرية الإسرائيلية على تحييد المواقع النووية الإيرانية الأكثر قوةً وتحصينا بشكل كبير في ضربة واحدة على الرغم من أن طائرات F-35 الإسرائيلية الشبحية تخترق المجال الجوي الإيراني دون منازع، إلا أن الضربة ليست ضربة قاضية استراتيجية.

      و عقب هذه التطورات كان رد إيران انتقامياً سريعا وغير مسبوق: فقد أمطرت مئات الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار على المدن والقواعد العسكرية الإسرائيلية، و هددت بمزيد من الانتقام الشديد الذي قد يمتد إلى ترسانة إسرائيل الذرية المخفية.

        على الرغم من خطاب الرئيس ترامب الناري، لا يزال البنتاغون حذرا بشكل واضح ، كما يراود القادة العسكريين الأمريكيين قلق عميق من أن أي ضربة أمريكية مباشرة على إيران ستشعل حريقا إقليميا أوسع وتمهد لدخول فصائل وحلفاء ايران حزب الله  و الحوثيون وفصائل مسلحة اخرى في  العراق بإطلاق العنان لترساناتها على إسرائيل مع الهجمات الانتقامية ضد القوات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتعطيل إمدادات النفط العالمية وتحريك خلايا الارهاب النائمة  و جر  المنطقة بأكملها إلى فوضى لا نهاية لها ، كما حذر أحد اركان القيادة المركزية الامريكية السابقين ”  برصانة،” هذه حرب لا تبدأها إلا إذا كنت مستعدا لأن تستمر لسنوات“.

       لا تقدم الضربة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة  على إيران ( اذا ما اشتركت واشنطن ) أي ضمان للنجاح، لا عسكريا ولا سياسيا بل يمكن أن تأتي بنتائج عكسية بشكل مذهل اذ ان التاريخ أثبت بنسب كبيرة على أن الهجمات الأجنبية غالبا ما توحد الدعم المحلي للحكومات المحاصرة، حتى تلك التي تواجه المعارضة الداخلية.

     قد يمتد الهدف النهائي المعلن لإسرائيل إلى ما هو أبعد من مجرد وقف البرامج النووية والصاروخية الإيرانية وهو  تفكيك الجمهورية الإسلامية نفسها، وهو نظام تحدى تنبؤات الانهيار منذ عام 1979 لكن مثل هذه الطموحات الكبرى تحمل عواقب خطيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها.

      قبل الضربة الإسرائيلية، حذر محللون أمريكيون بارزون من أن رئيس الوزراء نتنياهو يتوقع تماما أن “يسحب الرئيس ترامب كستناءه من النار” – مما يجذب أمريكا بشكل فعال إلى صراع بدأه نتنياهو في المقام الأول لإنقاذ حياته السياسية.

    ومع ذلك، لم تستبعد واشنطن بشكل واضح العمل العسكري. اذ صرح رئيس القيادة المركزية الأمريكية مؤخرا أن الجيش الأمريكي “مستعد لضرب إيران، في انتظار موافقة الرئاسة“.

     الرئيس الامريكي الذي لا يُعرف ظاهره من باطنه لم يأذن بعد بهذا العمل العسكري المحتمل الذي سيشمل ربما حلفاء رئيسيين مثل بريطانيا وفرنسا.

     ان مثل هذا التصعيد يحمل خطرا مخيفا من جذب القوى الكبرى الأخرى، بما في ذلك روسيا أو كوريا الشمالية أو باكستان أو حتى الصين، إلى صراع عالمي بالوكالة .

      اما العراق الذي دوماً يتأثر بالصراعات الإقليمية بما فيه التوتر بين إسرائيل وإيران  قد يجدُ  نفسه في قلب العاصفة ومع ذلك سيحاول تجنب التصعيد المباشر والبقاء على مسافة واحدة من هذه التوترات، مستفيدًا من علاقاته مع مختلف الأطراف لكنه بالتأكيد ليس بمنأى عن تأثير الصراعات المحيطة.

     مع استمرار هذه الأحداث الخطيرة أصبحت هناك حقيقة واحدة و هي ان بنيامين نتنياهو يحتاج إلى هذه الحرب أكثر بكثير مما يحتاجه العالم.

مقالات ذات صلة