تحقيق

مقولات شائعة  في الموروث الشعبي والثقافي..تاريخها..ومن استخدمها لأوّل مرّة!

     في المعتاد، أكون نفسياً مستعداً للبحث في موضوع لست مُلمّاً به بما فيه الكفاية ولستُ مُلمّاً بتفاصيله التاريخية!. ودائماً لا توقفني عثرةٌ في مواصلة عملي وكتاباتي، وقد أستشير الإِخوة والأصدقاء حتى أكون على دراية كافية. وهكذا جئت هذه المرة بهذا الموضوع لعلّهُ يكون باباً للتوسع في إغناء مثل هذه البحوث، هذا إذا جاز لنا تسميتها ( بحوثاً).

     أثار انتباهي أنّ هنالك في الكثير من الكتابات بعض الأغلاطِ الشائعة والمقولات الموروثة بل وحتى أنها موجودة في التقاليد الشعبية، ولذلك غامرت هنا في الحديث عنها، وعن تاريخها، ومن هو الذي استخدمها لأول مرة!.

    لعلَّ هذه المرة هي من الحالات المحدودة جداً في الاستعانة بمحرّك غوغل الإلكتروني للتعرف على شيء من تاريخ المقولات وأصحابها، مع أنّني لا أثق كثيراً بما يُورده غوغل عن أحداث معاصرة لكنّ ما أبحث عنه يعود الى القرن التاسع عشر وليس أحداث السنوات الاخيرة.

    عادة ينشر غوغل الأحداث القديمة دون تلاعب في نصوصها كما تتعرَّض نصوص الأحداث المعاصرة للتلاعب لأنها مكتوبة من أشخاص ليس لهم  دراية كافية وكثيراً ما يمتدحون أنفسهم!

    فهل يعيد التاريخ نفسه ؟

    هذه مقولة تتردَّدُ في أحاديثَ وكتاباتِ الكثيرين من الأشخاص، “إنّ التاريخ يعيد نفسه”!  فمن أين جاءت هذه المقولة ومن هو قائلها للمرة الأولى؟

    عندما عدت الى محرك غوغل تبيَّن لي أن الفيلسوف الألماني كارل ماركس هو أوَّل من استخدم مصطلح ( التاريخ يعيد نفسه)، في القرن التاسع عشر!. ونُقِلَ عن ماركس قوله ( التاريخ يعيد نفسه، أولاً  كمأساة، وثانياً  كمهزلة)!. ولكنّ الكاتب الروائي الأمريكي مارك توين يعترض ويقول إنّ التاريخ لا يعيد نفسَهُ ، بل أحداثه تتكرَّرُ، أو تتشابه.

    هنا إن كان التاريخ يعيد نفسه فلماذا لم نرَ تكراراً للإمبراطورية البابلية، ومملكة أور وحمورابي ومسلّته والدولة العثمانية والدولة الأموية ؟. إذاً التاريخ لا يعيد نفسه وعلينا التوقف عن استخدام هذه المقولة دون وعي في ما نكتبه عن الأحداث المعاصرة من تاريخ العراق والعرب.

    ووفقاً لرأي مارك توين بتشابه أحداث التاريخ نجده في أحدث مثال وهو مسألة المقابر الجماعية في العراق ومسألة أقبية السجون السورية، وكلاهما اعتمد على شائعاتٍ ولم تتوفر أدلةٌ عليها.

    لدي صديق عراقي مغترب أعرف أنه ضعيف تكنولوجياً في تتبع الأخبار في الصحف العربية لذلك أقوم أحياناً بتزويده بما أجده من أخبار ومقالات عن الوطن وذات مرة فاجأني بالقول ( معود مليح هذه أخبار طويلة لا أحب قراءتها أرجو إرسال الأخبار الموجزة القصيرة)!

    هذه عينة من العراقيين الذين لا يقرؤون، مع أنه يحمل شهادة الدكتوراه!، وفوجئت أن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين هو أول من قال في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي (القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ). طبعاً لم يقصد طه حسين أن القاهرة لا تطبع ولا تقرأ وأن بيروت لا تكتب ولا تقرأ وأن بغداد لا تكتب ولا تطبع!

    تزدحم بغداد والمدن العراقية الأخرى بدور نشر وتجار الطباعة والنشر وكذلك الحال مع القاهرة وبيروت. ولذلك، هنالك كتابة وطباعة وقراءة لكنَّ الأزماتِ قد  عصفت بهذه الدول. وبعد مرور أكثر من حوالي ستة عقود نرى أنّه لم يعد هنالك من يقرأ في الدول العربية بالرغم من مهرجانات جرت في السنوات الماضية في بغداد للتشجيع على قراءة الكتب.

     تشير إحصاءات منشورة إلى أنّ معدل القراءة في الدول العربية قد انخفض انخفاضاً حادّاً، ربما لعبت الحروب والأزمات السياسية دوراً في ذلك، بالاضافة الى التدهور الاقتصادي، إذ أصبح تأمين لقمة العيش أهمَّ من شراء كتاب، وقراءتهِ!

    وإنخفض أيضاً طبع الكتب بسبب إحجام المؤلفين عن نشر نتاجهم الفكري بسبب جشع أصحاب دور النشر الذين يفرضون على المؤلف مساهمة مالية لطبع كتابه!.

    وللمزيد عن فاجعة ضعف القراءة في الدول العربية أحيل القارئ الكريم الى الحلقة الرابعة من سلسلة أخينا صباح اللامي ( سوسيولوجيا عراقية) التي يقول فيها ( إنّ متوسط القراءة في العالم العربي يوازي ست دقائق في السنة للفرد الواحد).

    هذه مقولة مُتَدَاولةٌ كثيراً منذ عشرات السنين للحذر من التنصّت على حديث خاص بين شخصين أو أكثر. يُقال إنّها استُخدِمت لأول مرة في عهد كاثرين ملكة إنكلترا التي حكمت للفترة من عام 1543 إلى عام 1547. ولم يتسن لي معرفة نوع المعدات التي قال المؤرخون أن كاثرين نصبتها في حيطان القصر للتجسس على ما يقوله موظفوها ضدها، وعندها بدأت مقولة ( إنّ للحيطان آذاناً)!

   وفي الوقت الراهن هنالك ما لا يصدقه العقل من أجهزة تنصّتٍ تتراوح ما بين المظلات وأزرار القميص والنظارات الطبية وأجهزة الهاتف الأرضي والموبايل. وأصبحت مقولة ( الحيطان لها آذان ) مقولة شائعة جداً في الدول العربية التي اعتادت التنصّت على مواطنيها وضيوفهم.

   والهلع من احتمالات التنصّت والتجسس كان ظاهراً عند صديق كنتُ معه في سيارته بشارع القادسية ببغداد حين صرخ بي أنْ أسكُتْ عندما كنت أتحدث عن بعض السلبيات لإنّ هنالك كاميرات تصوير، وتنصّت في كل عمود كهرباء على امتداد الشارع!

   فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً قاطعت بشكل تام ثلاثة مواد في طعامي وشرابي يطلقون عليها في المجتمعات الغربية  صفة ( الشياطين الثلاثة )

 The Three Devils  وهي الملح والسكر والدهون!

   تنسب المصادر هذه المقولة الى القرآن الكريم حيث حذر الله آدم وحوّاءَ ومنعهما من شجرةٍ بعينِها، فوسوسَ لهما الشيطان فأكل آدم من ثمارها، فطرده الله وحوّاءَ من الجنة.

  عندنا في أمريكا الكثير من بدائل الملح والسكر، منها الملح غير المالح لكنَّ مذاقه مالحٌ! وكذلك مذاق بدائل السكر، ولدينا كل أنواع الدهون النباتية الخالية من الكولسترول. ومع أنني لا أشتكي من مرض السكّري لكنّ لدي ضغط الدم والكوليسترول.؟

  وعليَّ أن أعترف أنني برغم امتناعي عن استخدام السكر لكني ضعيف تجاه الحلويات وخاصة النستلة الغامقة اللون التي يوجد منها في الأسواق الكثير من الأحجام، والصغيرة منها، هي عادة التي تستهويني. وهناك رأي علمي حديث يقول إنّ النستلة الغامقة مفيدة لعضلة القلب بل وحتى تقلل من احتمالات  الإصابة بالسكتة.

   بعد ذلك توقفت عن التدخين نهائياً وهو ما يسبب عادة أتعاباً رئوية حتى لو انقطع المدخن عن عادته، وهذا ما حصل معي فتخلصتُ من ذلك الجزء المصاب بالاستئصال الجراحي وكان بحجم بيضة!

    وأتمنى لمن يقرأ هذه الملاحظات أن يتخلّى عن التدخين ولا يخدع نفسه بأن  القهوة بلا مذاق ما لم تصاحبها سيكارة! وهنالك مئات الملايين حول العالم من شاربي القهوة لا يدخنون.

   وقد أصبح ممنوعاً في الولايات المتحدة منذ حوالي الثلاثين عاماً التدخين داخل البيوت والمباني وحتى خارج المبنى بحوالي ثلاثين قدماً عن مدخل البناية لكي لا تستنشق أجهزة التهوية دخانَ السكائر!

   وأصبحت ممنوعةً الإعلاناتُ عن السكائر في الشوارع وفي محطات التلفزيون،  وعلى باعة السكائر عرض مبيعاتهم بعيداً عن أنظار الزبائن .

    بالمناسبة ممنوع منعاً باتاً في دولة سنغافورة رمي أعقاب السكائر على أرصفة الشوارع، ولذا وضعوا في عدة مناطق منافض كبيرة لرمي أعقاب السكائر، إنْ كان هنالك مدخنون!

  وأرصفة شوارع سنغافورة، هي الأنظف في العالم ويُعاقب قانونياً بالغرامة كلُّ من يرمي العلكة على الأرصفة، بينما نجد هذه العادة في أرصفة شوارع نيويورك حيث تتلطخ بنقاط سوداء لكثرة رمي العلكة عليها!

مقالات ذات صلة