ما لم يذكره «بريمر» فـي عامه بالعراق


اتَّسمَ العام الَّذي حكَم فيه بول بريمر العراق بالفوضَى والتَّخبُّط وعدم الاستقرار؛ جرَّاء تداعيات الاحتلال وضبابيَّة المشهد السِّياسي والأمني الَّذي كان يُنغِّص حياة حاكم العراق الجديد كحاكمٍ مُطْلَق الصلاحيَّات، لكنَّه كان أسيرَ طبقةٍ سياسيَّة متناقضة ومصلحيَّة تبحثُ عن الامتيازات والنُّفوذ، وغارقة بالتَّناقضات الَّتي عقَّدت مهمَّته ووضعَتْه أمام مشهدٍ غابتْ عَنْه الرُّؤية الواضحة لمستقبلِ بلدٍ بحجمِ العراق وتاريخه الموغل بالقِدَم، فيما كان يجهل دَوْره وتاريخه وتأثّره بمُجمل الأوضاع السِّياسيَّة والأمنيَّة على محيطه العربي والإقليمي، وهو الأمْرُ الَّذي عقَّد مُهِمَّته إلى حدِّ الفشلِ في تعاطيه مع الملفات الَّتي كانتْ تنتظره خلال عامه المضطرب في العراق.
وما يرويه الصحفي العراقي محمد العرب في شهادته عن حقبة بريمر من أسرار وتحدِّيات العام الَّذي واجهه وهو جاهل بحقيقتها، لكنَّه كان يحمل معلومات سياحيَّة عن العراق، الأمْرُ الَّذي عقَّد مُهِمَّته ووضعَه في دائرةِ البحثِ عن مخارج قد تساعده في إنجاز مُهِمَّته الصَّعبة.
وما عقَّد مُهِمَّته كما يروي العرب في كِتابه (ما لم يذكره بريمر في كِتابه) الرَّفض الشَّعبي لمشروعِ الاحتلال وظهور المقاوَمة العراقيَّة كعاملٍ مُضافٍ لمواجهةِ تداعيات الاحتلال، وهي تحدِّيات خطيرة في مشوار مُهِمَّته الَّتي عانَى ـ حسب التَّسريبات الَّتي دوَّنها المؤلِّف في كِتابه ـ إلى حدِّ طلَب قوَّات إضافيَّة ومُعزِّزة للقوَّات لمواجهةِ اشتدادِ المقاوَمة الَّتي وضعَتْه وطاقم حُكمه الجديد أسرَى في المنطقة الخضراء، الَّتي تحوَّلتْ إلى مكانٍ محفوفٍ بالمخاطر والتَّهديدات، في مفارقةٍ بَيْنَ نعيمِ امتيازاتها وجحيمِ بغداد حينذاك.
وفي شهادته لرصدِ زوايا المشهد السِّياسي الَّذي بدأَ يتشكَّل في المنطقة الخضراء، يكشف عن أسرار تلك الحقبة الَّتي وصفَها بالسَّوداء من خلال عيونٍ موثوقة سرَّبتْ تفاصيلها، وهي بالتَّأكيد تتقاطع مع رؤية بول بريمر في كِتابه (عامي في العراق)؛ لأنَّ انتزاعَ وكشْفَ تلك الأسرار كان من أبشعِ الجرائم الأخلاقيَّة الَّتي هدفتْ إلى تغيير مجرَى التَّاريخ وإلباسِه ثَوْبًا غير ثَوْبِه الحقيقي، فالتَّاريخ يختم (العرب) يكتبُه المنتصِرون دومًا وأبدًا.
ومحاور الكِتاب (ما لم يذكره بريمر في كِتابه) تتضمَّن ثلاثة فصول: الأوَّل يتناول علاقة الحُب الَّتي جمعتْ حاكمَ العراق مع إحدى المُترجمات في المنطقة الخضراء، فيما تضمَّن الفصل الثاني رأي بريمر غير المعلَن بأعضاء مجلس الحُكم، إضافةً إلى بعض الشَّخصيَّات السِّياسيَّة والدِّينيَّة والاجتماعيَّة وبعض الشَّخصيَّات الدّوليَّة.
وتضمَّن الفصل الثَّالث عرضَ بعضِ متناقضات الديمقراطيَّة الأميركيَّة وتخبُّط إدارتها في تعاطيها مع الوضعِ الجديد في العراق.
وما لم يذكره بريمر في كِتابه يتوقَّف عِنده (العرب): لقد استعرض بشيء من المبالغة الواضحة في جولاته المكوكيَّة للوصولِ إلى أدْنَى مستوى من الاتِّفاقات بَيْنَ أقطاب المعارضة العراقيَّة، وظهور مجلس الحُكم على خلطة سياسيَّة همَّشت فئات عدَّة من العراقيِّين، فضلًا عن تسليم لِمَا يُسمَّى (السِّيادة) للعراقيِّين.
ويصفُ المؤلِّف الكِتاب بأنَّه ثمرة جهده الصحفي الَّذي استطاع بشتَّى الطُّرق الوصول إلى كثير من خفايا السِّياسة الأميركيَّة وفضحِ أكاذيب الحاكم الأميركي للعراق من خلال المقرَّبِينَ مِنْه من دهاليز السِّياسة الأميركيَّة للبَوحِ بمكنون ما يعرفون من حكايا وأسرار ووثائق، وهو استكمال وتصحيح لمذكّرات حاكم العراق بول بريمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب، وصحافي عراقي رائد، وقيادي مهني معروف في نقابة الصحفيين العراقيين.