مقالات

 ما الذي “هرّبَ” القاص الروائي المبدع عبد الستار ناصر عام 1999 من العراق إلى المنفى؟!

    الَّذين عرفوا القاصَّ والرِّوائي العراقي عبد الستار ناصر وضَعوه في مكانٍ لا يستطيع الحزن الاقتراب مِنْه. لكن عِندما زارني في مكتبي في العام 1999 مودِّعًا، وقد أخبرني أنَّه ذاهبٌ إلى الأردن بعد المعاناة بسبب الحصار، قرأتُ في عَيْنَيْه حزنًا عميقًا وتَمُدُّدَ الألَم في كلماته. وبعد ثلاث سنوات وبَيْنَما كنتُ في عمَّان قرَّرتُ وقَبل كُلِّ شيء لا بُدَّ أن أزورَ عبدالستار الصَّديق والمُبدع الكبير، حيث علمتُ أنَّه موجود في مقهى السنترال في قلبِ العاصمة الأردنيَّة مع الكثير من المثقَّفين والأُدباء العراقيِّين في المملكة، كان فرحًا باللِّقاء وجلسْنَا طويلًا رفقة الشَّاعر حسن النوَّاب والقاصِّ صلاح زنكنة، أحاديث وذكريات ومراجعات معمَّقة للثَّقافة والفِكر والحصار والقراءة بطريقة الكتُب المصوَّرة (استنساخ) على الورق.

    فرحتُ لأنَّني، شعرتُ بأنَّ الحزن الشَّفيف والألم الخانق الَّذي لازمَه قُبَيل مغادرته العراق قَبل ذلك التَّاريخ بعدَّة سنوات قد اختفَى أو رُبَّما تعايَشَ معه في غربته بطورها الأوَّل. وها هو عبدالستار ناصر مُحبٌّ للحياة، غارقٌ في جَماليَّاتها رغم شحِّ الجَمال في مِثل ظُروفه الَّتي يعيش.

عبدالستار ناصر قاصٌّ وروائي عراقي مُبدع من طراز خاصٍّ، وإنسان يعرف بدقَّة عالية زوايا الحياة وكيف يجِبُ أن تُعاشَ، من مواليد العام 1947، وعاش (66) عامًا قَبل أن يرحلَ عن هذه الدُّنيا في العام 2013 في بلاد الغربة، حيث استقرَّ به المطاف في كندا رفقة زوجته القاصَّة والكاتبة هديَّة حسين.

غزير الإنتاج في القصَّة والرِّواية، فقَدْ أصدرَ خمسينَ كِتابًا، احتفى به النقَّاد والأُدباء والقراء، يكتُب عن البيئة العراقيَّة وخلَّد منطقة الطاطران أحَد أزقَّة بغداد القديمة، حيث وُلِدَ وعاشَ طفولته وصِباه، وبَقِيَ وفيًّا لهذه المنطقة الَّتي ذكَرَها في العديد من مؤلَّفاته، ويتطرَّق إِلَيْها في لقاءاته وفي أحاديثه ونقاشاته، هُوِيَّة الطُّفولة وعوالم حياته وتشعُّباتها.

صديقٌ لجميع الأجيال الأدبيَّة والثَّقافيَّة، انشغالاته إبداعيَّة وجَماليَّة وحياتيَّة، تلمسُ ذلك في سلوكه اليومي كما تجدُه في كِتاباته، يحبُّ الجميع وليس لدَيْه تقاطعات مع الكثيرين رغم وجود استثناءات قليلة جدًّا.

تمَّ اعتقاله وسُجن في بداية السبعينيَّات من القرن العشرين بسبب قصَّته المنشورة في ذلك الوقت بعنوان (سيِّدنا الخليفة)، لكنَّ ذلك لم يوقفْه عن قولِ كلمةِ الحقِّ في كِتاباته، وفي مواقفه جريء وصادق.

أوَجِّه الدَّعوة للصَّديق الدكتور عارف السَّاعدي مدير عام الشُّؤون الثَّقافيَّة ببغداد لإعادة طباعة كتُب الرَّاحل عبدالستار ناصر لِيطالعَها الكثيرون من الجيل الجديد، فيها تذكيرٌ بصوتٍ عراقي متميِّز بإبداعه وحُبِّه للعراق، ويستحقُّ الرَّاحل الكثير، فقد رفدَ المكتبة الأدبيَّة العراقيَّة والعربيَّة بالكثير من العطاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*المقال منشور في الوطن العمانية، تحت عنوان ( أصداف : الراحل عبد الستار ناصر)…

مقالات ذات صلة