كيف تعاملَ نظامُ البعثِ عام 1963 مع المثقفين غير البعثيين؟



كانت خالتي قلقةً جداً على ابنها زهير أحمد القيسي، المعتقل لدى سلطات النظام البعثي الذي تولّى السلطة في شباط عام 1963 ، وترى أنه يمكنني أن أحصل لها على ما يطمئنها على ابنها.
حينذاك كنت أعرف جليل العطية الذي قيل وقتها إنّه عضو في لجنة حزبية اسمها لجنة تحقيق ( المثقفين)، نعم ، التحقيق مع المثقفين الذين اعتقلت السلطات البعثية عشراتٍ وربما المئات منهم ، أدباء وشعراء وصحفيين ومطربين وغيرهم.

سألت جليلاً عن زهير وعرض عليّ زيارته في معتقله ، وكان آنذاك في موقف في بيتٍ جرى إضافة قضبان وباب حديدي لقاعته ويقع في أحد الشوارع الفرعية ما بين شارع السعدون وشارع أبي نؤاس حيث أقيمت فيه لاحقاً دار سينما سميراميس.
ذهبتُ مع جليل الى هذا الموقف المؤقت وتمكنت من مقابلة ابن خالتي زهير أحمد القيسي من وراء القضبان وسألته بصراحة ، وكان الجميع يسمعني ، إن كان قد تعرّض للتعذيب، فنفى حصول ذلك، لا لهُ ولا لزملائهِ في هذا الموقف، لكنّه عبّر عن حزنه البالغ على مكتبته وما فيها من كتب ووثائق. وكانّ أنْ نثرَها أفراد الحرس القومي الذين اعتقلوه وعبثوا فيها.

على أية حال عدت لإطلاع خالتي على ما سمعته من زهير وما شاهدته عن ظروفه ، وقد ارتاحت واطمأنت على ابنها من هذه الملاحظات، وقد أطلق سراحه لاحقاً وواصل عمله الصحفي في أرشيف وكالة الأنباء العراقية بعمارة كميت في الصالحية والصحف اليومية .
مثقفون في المعتقل
قلت في سطور سابقة إنّ صحفيين وأدباء وشعراء ومثقفين وحتى مطربين قد أودعوا المعتقلات في بغداد إثر ذلك التغيير الذي جرى في 8 شباط عام 1963،وسالت فيه دماء كثيرة.
وسنرى في الوثائق الحصرية ومنها ما هو بخط يد وزير الإرشاد علي صالح السعدي أدناه أن جمعاً من الصحفيين قد جرى اعتقالهم في الأيام الأولى وأودعوا في البداية معتقل رقم واحد في معسكر الرشيد ثم نقلوا الى سجن بغداد المركزي في باب المعظم ، وحسب ما توصّلتُ اليه من معلومات لم يتعرض أيٌّ منهم للتعذيب الجسدي.

تشير الوثائق أن الصحف التي كانت تصدر قبل الثامن من شباط قد ألغيت نهائياً ولم تعد الى الأسواق أبدا بعد تاريخ طويل بعضها يعود الى عقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. ومنها صحف البلاد وصوت الأحرار!.
وبالرغم من أن جريدتي الزمان والأخبار قد تعرضتا للإلغاء أيضا ، إلا أن صاحب الأولى توفيق السمعاني لم يعتقل بينما اعتقل جوزيف ملكون الذي ورث إدارة الجريدة من والده جبران ملكون .كذلك لم يعتقل يونس الطائي صاحب جريدة الثورة الموالية لسياسة رئيس الحكومة عبد الكريم قاسم لأنه كان الوسيط بين القوات التي تحاصر وزارة الدفاع وبين قاسم داخل مبنى الوزارة .
لكن من تعرض للاعتقال هم :
الاشقاء الثلاثة أصحاب جريدة البلاد
كمال بطي
سامي بطي
فائق بطي
لطفي بكر صدقي صاحب جريدة صوت الأحرار
رسمي العامل صاحب جريدة المستقبل
جوزيف ملكون صاحب جريدة الأخبار


وتضمنت قائمة هذه الاسماء بخط يد علي صالح السعدي ، المطرب أحمد الخليل ، وشخص آخر لم يتسنَّ لي معرفته هو عبد الرزاق المسعودي ولم يكن صحفياً .

وبعد تلقي صالح مهدي عماش بصفته وزيراً للدفاع، معلومات عن ذلك أطلق سراحهم في شهر آب بعد فترة اعتقال دامت ستة أشهر.
ولابد في الختام من الإشارة الى أن سلطات البعث عام 1963 لم تكتفِ باعتقال عبد القادر اسماعيل البستاني صاحب جريدة اتحاد الشعب التي عطّلها عبد الكريم قاسم عام 1961، بل عرضته على شاشة التلفزيون وهو يتحدث عن أخطاء حزبه الشيوعي.

