كازنتزاكي.. أكمل رحلته (إلى غريكو) ورحل!



هذا كتاب عنوانه الصغير (مذكرات كازنتزاكي)، وعنوانه الرئيس (الطريق إلى غريكو)، الذي بدأ الروائي العالمي اليوناني الأشهر، الذي عُرف بروايته (زوربا) دون رواياته العديدة الأخرى، بكتابته في خريف عام ١٩٥٦، وقدّمت له زوجه (هيلين) في ١٥ حزيران ١٩٦١، وترجم طبعته العربية الأولى التي أصدرتها دار (ابن رشد) عام ١٩٨٠، الشاعر السوري المبدع والمترجم المدهش (ممدوح عدوان).
أقول.. هذا الكتاب كان القسم الأول من مذكرات الروائي العالمي، على الرغم من صفحاته الـ (٣٠٠) التي ظهرت بحروف صغيرة جداً، ربما كان عددها سيتضاعف لو ظهرت بحروف أكبر، وقد روى فيه تفاصيل مذهلة عن جولته السياحية في مدن اليونان وما جاورها من مدن إيطاليا، بعد حصوله من والديه على مبلغ مالي هدية نجاحه في المرحلة الإعدادية، قرر أن يستغله في التعرّف أكثر على وطنه، حاضراً وتاريخاً حضارياً وجغرافيا.. وبشراً قبل ذلك.

وإذ طلب مني الزميل والأخ الغالي صباح اللامي، كتابة عرض مفيد للكتاب لنشره في (برقية)، فرحتُ بطلبه كثيراً ووعدته بتلبيته، لكنني إذ استعدت القراءة ألـ (١٥) أو مايزيد للكتاب، منذ اقتنيته في العام (١٩٨٢) كما سجّلتُ على صفحة عنوانه الداخلية، لم أتمكن إلا من عرض سطور مما كتبته (هيلين) مقدمةً للمذكرات، ففيها أولى عتبات المدهش مما سجله كازنتزاكي من تفاصيل بالغة الإمتاع فيه، منها هذه الفقرة الأولى : “كان نيكوس كازنتزاكي يطلب من ربِّه أن يمُدَّ في عمره عشر سنوات أخرى يُكمل بها عمله – يقول فيها ما كان عليه أن يقول و” يُفرِغ نفسَه”، وكان يريد أن يأتيه الموت فلا يأخذ منه إلا كيساً من العظام. عشر سنوات تكفي. أو هذا ما كان يظنّه“.
وتروح (هيلين) تروي بما سمّته (كتابة “تقرير إلى غريكو”)، تفاصيل شهور مضنية من رحلتها مع إصرار زوجها على إملاء ما يريد عليها، وقد أصيب بمرض في عظامه، من دون” إحساس بالشيخوخة أو التعب في الرابعة والسبعين من عمره”، وإذ كانت تُبدي خشيتها وتُعنّفه عندما تراه يحاول الركض، تذكر أنه كان يُجيبها : “لا تقلقي… إن لديّ أجنحة“!
ولأن الكتاب بالغ الإدهاش مثلما ذكرتُ آنفاً، قررتُ الاكتفاء من تفاصيل مقدمته حسب، بالتوقف على الفقرة قبل الأخيرة منها، وفيها تذكر :” لقد اعتاد أن يقول لي وعيناه الفاحمتان المدوّرتان، غارقتان في الظلمة ومليئتان بالدموع “أحس كأنني سأفعل ما يتحدث عنه برغسون [الفيلسوف] – الذهاب إلى ناصية الشارع ومدّ يدي للتسوّل من العابرين : زكاة [صدَقة] يا إخوان، ربع ساعة من كلٍّ منكم. آهٍ على بعض الوقت. ما يكفي فقط لإنهاء عملي، وبعدها فليأتِ شيرون [ملاك الموت [.

وتختم (هيلين) تقريرها – المقدمة، فتكتب : “وجاء شيرون وحصد نيكوس في زهرة شبابه. نعم أيها القارئ العزيز، لا تضحك. فقد كان ذلك هو الوقت المناسب للإزدهار والإثمار بالنسبة لكل ما بدأه ذلك الرجل الذي أحببتَه والذي أحبَّك، صديقك نيكوس كازنتزاكي“.
تُرى؛ كم من الصفحات أحتاج كي أعرض القليل؛ القليل فقط من (الطريق إلى غريكو)، ولاسيما ما حفلت به ألـ(٣٠٠) صفحة التي تقرب من (٦٠٠)، التي انطوت على ما رواه الرجل فيه من ذكريات” سعادة التعرّف على وطنه” أولاً، مثلما يذكر، وقضاء أشهر مليئة بكل مدهش بين بقايا آثار واحدة من أقدم الحضارات القديمة، ومشاهدات وعلاقات إنسانية عاشها أيامئذ، ولاسيما أيضا أنّ القسم الثاني من هذه الرحلة، شهدته : گريت وباريس وفيينا وبرلين وروسيا والقوقاز، وزوربا؛ نعم زوربا الذي حمّله آراءه وأفكاره هو، أو أفاد هو بالفعل من آرائه وأفكاره الوجودية المتفردة؟
أعرف أن سؤالي صار طويلاً، لكنه أخذ من حسرتي طوال أكثر من (٤٠) عاماً مرّت، من دون أن أعثر على القسم الثاني* من (الطريق إلى غريكو).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*من فوري، لبّيتُ، طلبَ صديقي الحبيب الدكتور عبد المطلب، بأنْ أهديته طبعة إلكترونية من “الطريق الى غريكو” بجزئية، وبترجمة المبدع الكبير ممدوح عدوان..صباح