قمع الصحفيين ومطاردتُهم..”حكاية عراقية” عمرُها نصف قرن!!



هذا حديثٌ شائكٌ ستعرِّضني كتابتُهُ لعتبِ بعض الصحفيين والمثقفين، بينما سيرضى بعضهم الآخر لاسيما من المخضرمين، لأنّ الحديث ينفض الغبار عن صفحاتٍ مطويةٍ مسكوتٍ عنها من تاريخ الصحافة العراقية!
وأفترض وجودَ طرفٍ ثالثٍ يتخيَّل أصحابُهُ أنَّ الله لم يخلق سواهم وبأنّهم وحدَهم يحتكرون الوصايةَ على تاريخ العراق وصحافته، مع أنّهم كانوا عند حدوث هذه الحكاية عام 1977 – 1978 لم يبلغوا بَعْدُ سنَّ الرُشد في العمل الصحفي أو أنّهم قد بدأوا للتوِّ في الحياة الصحفية!
***
سألتُ مرةً مظهر عارف عندما كان يقيم في ولاية أوهايو الامريكية ، وكنا نتحدّث هاتفياً أحياناً، وكثيراً بالمراسلات الإلكترونية المكتوبة: ما هي قصة لجنة التحقيق في دار الجماهير التي شكَّلَها مجلس قيادة الثورة برئاسة تايه عبد الكريم عضو القيادة القطرية ؟.
ويستذكر مظهر عارف تشكيلة تلك اللجنة ويقول إنها ضمت :
-حسن العلوي رئيس تحرير مجلة ألف باء
-صباح سلمان من هيئة تحرير جريدة الثورة
-هاني وهيب كذلك من هيئة تحرير جريدة الثورة
-عبد الرحيم الشريفي المحرر في مجلة ألف باء ، وقد جاء للصحافة من تنظيمات البعث في الكرخ من حرفة مهنية لا علاقة لها بالصحافة ولا بالثقافة.

وأورد مظهر أيضاً اسم صباح ياسين نقيب الصحفيين حينئذ عضواً في اللجنة ، لكنَّ صباح ياسين نفى في مراسلاتٍ إلكترونيةٍ معه أنه كان عضواً في اللجنة لكنّه كان يعرف بتشكيلها، إلا أنّ مظهر عارف يُصرُّ على رأيه ، وقد تحدثت معه هاتفياً قبل وفاته ببضع سنوات عن جميع الأسماء دون استثناء.
ومن المؤكد أن بعض صغار الحزبيين كتبوا التقارير الحزبية والأمنية ضد سعد قاسم حمودي رئيس مجلس إدارة دار الجماهير ورئيس تحرير جريدة الجمهورية ، لعل الإطاحة به تفتحُ الباب للعلوي في الحلول محله بمجلس الادارة والجريدة اليومية.
جاءت لجنة التحقيق الى مكتب سعد وحققت أولاً في تهمة ضياء عبد الرزاق حسن سكرتير التحرير الفني التي زعمت تقاريرُ بعضِهم، أنه يتولّى خمسة مناصب في دار الجماهير، يتقاضى عنها خمسة رواتب!
ولم تستجوبْهُ لجنة تايه عبد الكريم ربّما لأنه لم يكن حزبياً، بل استمعت الى الحزبيين في دار الجماهير، ومنهم حسن العلوي وعبد الرحيم الشريفي وآخرون من فنيي دار الحرية للطباعة.
وسخر سعدٌ من تهمة (الخمس وظائف) وعرض على اللجنة قوائم قسم الحسابات الرسمية، فوجئت اللجنة بأن ضياءً يتسلم فقط راتباً واحداً، لكنّه يؤدي خمسةَ واجباتٍ صحفية!

أسفرت تحقيقات اللجنة عن نتائج مدويّة داخل الأوساط الصحفية حين أصدر مجلس قيادة الثورة قراراته من دون الإشارة الى تقرير تايه عبد الكريم.
في البداية اجتث المجلس بقرار منفرد ضياء عبد الرزاق من دار الجماهير ونقله إلى وزارة الأشغال والإسكان!. وقال المرحوم ضياء لي إنّ طه ياسين رمضان الوزير في حينه رحَّب به وعامله باحترام.
ثم واصلَ مجلس قيادة الثورة اجتثاث كلِّ مَنْ ذكرتْهُم لجنة التحقيق بإحالة بعضهم إلى التقاعد ، ونقل آخرين الى دوائر خدمية لا علاقة لها بالصحافة ولا بالثقافة! كما سيرد الحديث في السطور التالية.
كان معروفاً على نطاق واسع داخل الأسرة الصحفية العراقية أن ضياءً كان يعاني من عداءِ جهاتٍ حزبيةٍ تشكّك بولائه للتنظيم الذي يدير الدولة، فذهب يشتكي عند وزير الإعلام صلاح عمر العلي.
وقال لي ضياء هاتفياً من السويد يوم الجمعة 12 كانون الأول عام 2014 إنَّ ( الأستاذ أبا أيوب سارع لترك مكانه ليجلس بجانبي معبراً عن الاحترام والتقدير، وأقنعني بالانتقال من الف باء الى جريدة الثورة معه ومع نائب رئيس التحرير حميد سعيد).

سألتُ المرحوم صلاح عمر العلي عن هذه الحادثة ، فأجابني ( كان الأستاذ ضياء من المتهمين بانحيازه وتعاطفه مع النظام السوري، وكانت توجد في أوساط الحزب حساسية شديدة ضده، واحتراماً لتاريخ أبي هدى ونضاله القومي الطويل ، وخشية من وقوعه في قبضة المخابرات أو غيرها من الدوائر الأمنية فقد بادرت بإصدار أمر وزاري بنقله إلى جريدة الثورة بدلاً من مجلة ألف باء التي كانت آنذاك بؤرة للفتن والمشاكل).
وقطعاً إنّ صلاح عمر العلي عضو القيادة القطرية آنذاك كان على معرفة بلجان التحقيق وسببها والتقارير التي تصل إلى القيادة ضد ضياء وسعد.
ومن المستغرب أن تقارير بعض الحزبيين في دار الجماهير كانت تصل الى رئاسة الجمهورية بسهولة ، وقد رفعت نتائج التحقيق الى الرئاسة أيضاً، وهي التي أصدرت قراراتها باسم مجلس قيادة الثورة.
وبتتبع علاقات بعض الصحفيين تبيَّن لي أن دائرة الأمن العامّة هي من كانت توصل تلك التقارير الى الرئاسة.

كذلك اتضح لي أن طارق عزيز كان يُطلِعُ رفيقَهُ في مكتب الإعلام على نصوص تلك التقارير بصفته عضواً في القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة وهو نائب رئيس مكتب الإعلام .
وقد قضيتُ سنواتٍ في اتصالات هاتفية وإلكترونية مع غالبية مَنْ تضرَّر بقرارات مجلس قيادة الثورة وغيرهم.
اتَّصلتُ مع سجاد الغازي في العراق، وضياء حسن في السويد، وخالد الحلي في أستراليا، وسلام مسافر في روسيا، ومحمد خلف في بلغاريا، وسهيل سامي نادر في السويد، ومحمد كامل عارف في بريطانيا، ومظهر عارف في امريكا، ونصير النهر في العراق، والكثير من معلومات هذه الحكاية جاءت من أغلبهم.
وباختصار أجمع سائرُ من اتَّصلتُ بهم على أنَّ حسن العلوي رئيس تحرير مجلة الف باء هو المسؤول عمَّا حلَّ بهم ونقلهم الى خارج جريدة الجمهورية، مع ملاحظة أنَّ المرحوم صلاح عمر العلي وهو عضو القيادة القطرية ووزير الاعلام ورئيس تحرير جريدة الثورة يرى أنَّ ألف باء ( كانت بؤرة للفتن والمشاكل)!
وتميل بعض المصادر الى فرضية أنَّ تلك التقارير كانت تصل باليد الى فاضل البراك مدير الأمن العام عندما يلتقونه في إطار تعاونهم بإلقاء محاضرات على ضباط الأمن العامة وكان العلوي يتباهى بمعرفته بمسؤولي الأمن والمخابرات!.. وكان ينفرد لنفسه بمقابلات صحفية معهم كما كانت حالُ مقابلاته مع برزان ابراهيم التكريتي، وسعدون شاكر مدير المخابرات العامة، وخير الله طلفاح، وغيرهم المنشورة في أعداد متفرقة من ألف باء ، وأحتفظ بصور لحسن وهو يلقي تلك المحاضرات في الأمن العامة بحضور فاضل البراك والضباط المتقدمين .
قرارات اجتثاث الصحفيين!

في 12 نيسان عام 1978 أصدر مجلس قيادة الثورة قرارين برقم 491 ورقم 492، أحِيلا الى دار الجماهير بكتاب رئاسة الجمهورية المرقم 4901 في 13 نيسان 1978، ليشملا مجموعتين جديدتين من التنقلات التعسفية.
وجميع الصحفيين المشمولين بالقرارين هم من الكوادر الصحفية ولهم تاريخ طويل في الصحافة والأدب والثقافة والفنون ، دون أن يذكر المجلس أسباباً موجبة لاتخاذهما، وكما يلي:
قرار رقم 491 في 12- 4- 1978 بإحالة سجاد غازي اسماعيل، ومحمد حامد خميس إلى التقاعد.
قرار رقم 492 بالتاريخ نفسهِ 12- 4- 1978 وينص على ما يلي:

نقل سعود عبد الرزاق عزيز، وخالد عبد الأئمة سعيد، وسلام أحمد مسافر ،ومظهر عارف محمد، الى وزارة الصحة.
نقل ليلى إحسان يوسف، ونصير حسن كاظم، ومحمد خلف محمد وسلوى متي زكو إلى وزارة المالية.
نقل محمد كامل عارف، وسهيل سامي نادر، ومنير رزوق جبّوري، الى وزارة المواصلات.
ونشرت جريدة الوقائع العراقية الرسمية نص القرارين في عددها رقم 2650 بتاريخ يوم الإثنين 17 جمادى الأول 1398 هجرية الموافق 24 تيسان 1978 ميلادية.


وصدرت هذه القرارات والكتاب الرسمي بتنفيذهما بالأسماء المجردة للصحفيين دون ذكر ألقابهم المعروفين بها اجتماعياً وصحفياً وسياسياً ، أي دون ألقاب ( الغازي) لسجاد و( الناصري) لسعود و(الحلي) لخالد و( النهر) لنصير و( البياتي) لليلى وهي زوجة سعود الناصري آنذاك ، وذلك لسبب بسيط هو أنّ تلك الفترة شهدت التخلي عن استخدام الألقاب.
والغريب أن مجلس قيادة الثورة أعلى سلطة في العراق أخطأ في اسم سهيل سامي نادر، وسمَّاه سهيل محمد نادر، كما حصل مع قرار نقل ضياء عبد الرزاق حسن، وسماه ضياء حسن عبد الرزاق!
كذلك لم يعرف المجلس وهو أعلى سلطة دستورية وتنفيذية الجهة التي ينتسب اليها محمد خلف محمد الذي يعترف الأمر الإداري بأنه(محرر بالمكافأة)، أي أنه ليس موظفاً في دار الجماهير وهو الأمر الذي أربك وزارة المالية المنقول إليها لأن إضبارته الإدارية لم ترفق مع أمر نقله.
وكان محمد موظفاً فعلاً في دائرة أخرى هي مجلة (الصناعي) التي صدرت في شباط عام 1977 عن اتحاد الصناعات برئاسة حاتم عبد الرشيد ، ومدير التحرير فيها ليث الحمداني.
وتعرّض محمد خلف محمد لمشكلة أخرى لأنه لم يكن موظفاً في دار الجماهير ونقل الى وزارة المالية التي كان وزيرها الدكتور فوزي القيسي مستغرباً من هذا النقل ونصح محمد بكتابة رسالة الى النائب صدام حسين لنقل ملفه الى وزارة المالية أو بقاؤهُ في وظيفته.
وقال محمد خلف لي في رسالة إيميل من بلغاريا أن صدام ردَّ فعلًا على رسالته بعد أسابيع، يستثنيه من النقل ويُبقيه في عمله الصحفي ولكن محمد حزم الأمر على مغادرة العراق وغادر فعلاً واستقر في بلغاريا.

من هو المسؤول؟
اتضح لاحقا أنَّ سعد قاسم حمودي لم يكن مسؤولاً عن تشريد هؤلاء الصحفيين، بل تبيّنَ أن حسن العلوي رئيس تحرير مجلة الف باء، وبالتواطؤ مع حزبيين آخرين، كانوا وراء تلك الفضيحة في الصحافة العراقية وكانوا يطمعون بأن يضيعَ سعدٌ فيها ليتولّى العلوي مناصبه من بعده ، ولا صحة إطلاقاً لما ادَّعاه بعض الصحفيين ومنهم محسن حسين أن العلوي كان يستند الى ابنِ خاله، وخال أولاده عدنان حسين الحمداني عضو القيادة القطرية في حينه.
اعتاد حسن العلوي رئيس تحرير مجلة الف باء على الذهاب من طابق مكتبه الى الطابق الخامس حيث مكاتب جريدة الجمهورية وكلاهما في مبنى واحد، ليثرثر ضد سعدٍ، محاولاً ترغيبَ كفاءات الجمهورية بالانتقال الى ألف باء مقابل إغراءت مالية ( أفضل مما يدفعه هذا البخيل سعد)!
وكانت المصاعب تعترض سعيَ الحزب الحاكم إلى حصر العمل في الصحافة والإعلام بالبعثيين فقد كانت هذه المؤسسات ، وأنا كنت شاهداً ، وعلى الخصوص وكالة الانباء العراقية والإذاعة والتلفزيون وحتى جريدة الحزب الثورة، كانت ممتلئة بغير البعثيين.
وأوضح المرحوم سلام الشماع في رسالة إلكترونية بتاريخ 11 تشرين الثاني عام2013 قبل سنوات من وفاته أنَّ العلوي ( كان يلوِّح لنا نحن المحررين في الاجتماعات أنه يريد إخراج ألف باء من استعمار دار الجماهير والبحث عن بناية مستقلة ومطبعة يشتريها للمجلة، لتصبح مؤسسة مستقلة).
ويلاحظ القارئ أن الأمر الإداري بتنفيذ قرارات مجلس قيادة الثورة المرفقة صورته مع هذه الملاحظات أنه كان بتوقيع علي محمد حسين وكيل رئيس مجلس الإدارة وهو الشاعر المعروف علي الحلي مدير الإدارة العام بوزارة الإعلام المنسب وكيل رئيس مجلس ادارة دار الجماهير الذي لم يستخدم اسمه المعروف به نتيجة قرار الاستغناء عن الألقاب ،
وعيَّنت الدولة سعد قاسم حمودي وزيراً للاعلام والشاعر حميد سعيد رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية ولم تلتفت الدولة لسعي حسن العلوي لهذا المنصب الصحفي.
ما هي الحقيقة ؟
بعد الاحتلال الامريكي ، نشر حسن العلوي بتاريخ 3 آذار 2010 مقالاً في الموقع الإلكتروني ( أقلام حُرّة) ، أي بعد 26 عاماً من فضيحة مطاردة الصحفيين ، قال فيه ( في مجلة الف باء التي تولّيت رئاسة تحريرها لم أستجب للضغوط ولم أفعل شيئا ً ضد زملاء شيوعيين، ، مكتب الإعلام الذي يضم طارق عزيز وناصيف عواد وآخرين كانوا ضدي وطبعاً رفعوا تقريرا الى صدام يفيد بأنه تم تطهير المؤسسات الصحفية من الشيوعيين وبقى أخونا حسن العلوي لم يقدم أسماء.
استدعاني صدام وقلت له ، ليس لدي أسماء ، رد علي بأنهم في المكتب الإعلامي قالوا لي هنالك 13 شيوعياً يعملون في المجلة، وحاججته لو كانوا شيوعيين ما اشتغلوا معنا، وإذا كانوا كذلك فلا فضل لنا عليهم بل هم أصحاب الفضل ، فهم يكتبون في وسائل إعلامنا ويكتبون عن إيجابياتنا ويسكتون عن أخطائنا وعندما نطرد الشيوعيين من الجرائد والمجلات ماذا يبقى لحزب البعث وهو خالٍ من المثقفين ولم ينجب من الصحفيين والإعلاميين غير قليلين جداً مثل حسن العلوي وسعد البزاز وجليل العطية في حين هنالك عشرات الصحفيين في الحزب الشيوعي.
صدام قال ، خليهم) !
هكذا يستخف العلوي بالذاكرة الصحفية العراقية بهذه المزاعم في حديثه مع صدام وكأنه ندٌّ له ويتخيَّل وقائع لا يمكن أن تحدث مع السيد النائب آنذاك.
كذلك يستخف العلوي بالذاكرة العراقية حينما يدّعي شحة الصحفيين المحترفين في حزب البعث ويحصر ذلك بثلاثة أشخاص فقط هو أحدهم بالرغم من أنه بدأ حياته الصحفية عام 1963 محرراً بالقطعة في جريدة الجماهير لباب شكاوى المواطنين يأتي الى الجريدة ويسلم مادته لسكرتير التحرير سامي مهدي ويغادر .
ويذكر العلوي اثنين آخرين يزعم “أنّه وسعد البزاز وجليل العطية ” هُمْ كلُّ ما في البعث من كفاءات صحفية، ناسياً أن العطية كان قد غادر العراق منذ بضعِ سنوات للدراسة في فرنسا ، بينما كان البزاز وجهاً ثقافياً ناشئاً لم يدخل عالم الصحافة بعدُ، ويقدم برنامجاً ثقافياً من تلفزيون الموصل قبل انتقاله الى بغداد.
وبقدر تعلق الأمر بنكران العلوي لوجود الصحفيين في صفوف الحزب، فهو ينكر كفاءات صحفية دخلوا الحياة الصحفية قبله بعقد من الزمان في الأقل ومنهم: سعد قاسم حمودي وضياء عبد الرزاق حسن وسامي مهدي وحسن السعدي وعشرات غيرهم.

الخلاصة:
ربما كانت ميول العلوي للثرثرة بالشؤون الحزبية والحكومية التي لم يكن له فيها دور، أدّت الى أفول نجمه في الصحافة العراقية فهاجر الى الكويت ثم سوريا وبريطانيا والكويت مرة أخرى وانتقم بانضمامه الى معارضة نظام الرئيس صدام حسين.
ويرى بعض من يعرفه أنّ سبب نفور أعضاء مكتب الثقافة والاعلام منه ربما لكثرة تقلباته وادعاءاته بأمور ليست صحيحة إطلاقاً ومنها مثلاً أن رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر يتصل به ويطلب مشورته في بعض أمور الدولة وهي عادة قديمة لم تولد كما يظن البعض أنها حصلت بعد الاحتلال.
كذلك يظن آخرون ان تدخله في الشؤون الحزبية القيادية ربّما يكون سبباً آخر لسلبية قيادات الثقافة والإعلام ، ومنها تردده صباح كل يوم على مكتب وزير الإعلام عبد الله سلوم السامرائي طالباً من السكرتيرة مقابلة الوزير لمعرفة أخبار اجتماعات القيادة القطرية التي كانت تجتمع مساء كل يوم في القصر الجمهوري بعد 17 تموز عام 1968.
وللعلوي طبيعة نرجسية ويلفت الأنظار إليه في أي إجتماع يحضره رئيس الجمهورية صدام حسين.
وقد روى لي أحدهم كيف انتهز العلوي ذات مرة فرصة تأخره عن اجتماع برئاسة صدام لكي يحصل منه على موافقة استخدام سيارة حكومية نوع فولفو مخصصة لرؤساء تحرير الصحف بدلاً من سيارة لاندروفر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولدت عام 1942 في محلّة “رخيته” بالكرادة الشرقية في وقتٍ كان فيه الوالدُ عندما يستأجر بيتاً لا نبقى فيه طويلَ وقتٍ، حتى أجبرت العائلة بعد وفاة الوالد في مايس1944 على العودة الى محلة “قهوة شكر بالرصافة .
لابد من ان يكون عمري حينئذ قد لفت الإنتباه ! . كنتُ ابن عامين عند وفاة الوالد الذي لم يكد جثمانه يوارى الثرى حتى لحقته الوالدة بعدة شهور ، ولكي تكتمل الفاجعة، توفي شقيقنا الأكبر رياض عام 1945 في لبنان ودفن هناك.
تكفلت جدتنا لأمنا بتربيتنا ، وكنا ثلاثة ، أنا الأصغر بينهم ولم يكنْ لهذه الجدة الفاضلة أي مورد مالي في السنوات الاولى من حياتنا عندها.
وتفضل نائب رئيس الوزراء علي جودت الأيوبي عام 1954 بتخصيص راتب تقاعدي لنا الثلاثة كان عوناً لجدتنا في رعايتها لنا، حتى عام 1961 عندما أصبح شقيقنا الأكبر ضابطاً في الجيش فانقطع ذلك الراتب التقاعدي لأنه اصبح معيلاً حسب القانون .
التحقت الجدة مع بناتها اللواتي أصبحن معلمات في قضاء عنه بلواء الدليم، محافظة الأنبار لاحقا ،حوالي عام 1945 وكان من الطبيعي أن تأخذنا معها، وهنالك في هذه البلدة الغافية على ضفاف الفرات قضيت طفولتي وبعض سنوات شبابي، ودرست في مدارسها الابتدائية والمتوسطة.
وعدنا عام 1961 الى بغداد فالتحقت بالصف الثالث بمتوسطة المثنى ثم بثانوية الاعظمية ،وفي عام 1964 التحقت بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة بغداد حال افتتاحه لأول مرة في تاريخ العراق.
وكُنّا أول مجموعة تضم 48 خريجاً درس الإعلام أكاديمياً وتوزعنا على أجهزة الإعلام لكني كنت قد حصلت من خلال علاقاتي الحزبية في صفوف ما كان يسمى البعث اليساري على وظيفة مراسل الوكالة العربية السورية للانباء “سانا” فسافرتُ الى دمشق ووقعت عقد عمل براتب معتبر لأكون مراسلًا في بغداد.
وبقيت مع “سانا” حتى تشرين الثاني عام 1970 عندما أطاح وزير الدفاع حافظ الأسد بنظام الحكم الذي كنتُ من أنصاره فكتبت استقالتي لألتحق بعد أيام بوكالة الانباء العراقية.
وهكذا عشتُ مع (واع) كل سنوات حياتي المهنية، وعملت فيها مندوباً ومحرراً ورئيس محررين وسكرتير تحرير ، ومراسلاً في القاهرة أعوام 1976 – 1977 وقد تعرضت للإبعاد من مصر مع مئات الصحفيين والدبلوماسيين وغيرهم من العراقيين والعرب الآخرين.
ومن بعد ذلك ذهبتُ إلى الجزائر مراسلاً لواع وقضيت فيها سنتين .
ألتحقت عام 1982 بجامعة أكستر في بريطانيا للحصول على شهادة الدكتوراه وفي عام 1987 عدت الى بغداد بشهادتي العالية.
وفي مركز (واع) توليت لبعض الوقت مهام رئيس قسم الأخبار الداخلية المسؤول عن كل المندوبين في بغداد وكل مراسلي الوكالة في المحافظات العراقية، ثم أصبحت سكرتير التحرير لقسم المكاتب الخارجية المسؤول عن كل المراسلين في العواصم العربية والأجنبية.
وفي عام 1989 سافرتُ إلى نيويورك مراسلاً لواع لدى الأمم المتحدة وقضيت فيها سنوات لعدم قدرة العراق على استبدالي بسبب قطع العلاقات مع الولايات المتحدة وحتى احتلال العراق في نيسان عام 2003.
بعدها اشتغلت لبعض الوقت صحفياً في بعثة عربية في نيويورك حتى انتهى عقدي معهم .
وما أزال أقيم في ضواحي نيويورك مع عائلتي وأبنائي الثلاثة. واتقاضى عن خدمتي في (واع) التي امتدت لحوالي ثلاثين عاماً راتباً تقاعدياً شهرياً لا يكفي لشراء خبز ويصلني دورياً من بغداد.
