قصّة “الشرارة الأكبر” لإشعال الحرب الأهلية تحت مسّمى “الصراع الطائفي” في سوريا!!


لم يترك “الأسد” حطامَ عرينه إلا وهو محاطٌ بغابات معبّأة بالأفخاخ والنوازل، فثمة 400 ألف بعثي في تنظيم الحزب المنحلّ، و200 ألف مدني في البيروقراطية الوظيفية، فيما تتداخل الأرقام بين أعداد هؤلاء وأعداد العسكريين من منتسبي الجيش والشرطة والمخابرات والأمن، وبحساب أسَرِ هؤلاء، فإنّ أيَّ رقم يمكن أن يُضرب في 3 أو 5 أو أكثر، سيكون ناتجهُ بـ “الملايين” من هؤلاء الذين كانوا يعيشون -تماماً كما كان الوضع في العراق عشية الاحتلال الأميركي وسقوط النظام- برواتب لا يزيد مورد العسكري أو المدني فيها عن “عشرة دولارات” شهرياً!.. فكيف تكون الحال بعد أن صار المورد “صفراً” وتحوّل جميع هؤلاء إلى “فلول”؟!!
في العراق بدأت ممارسات شبيهة بما جرى في اللاذقية وطرطوس، بقتل المدنيين واستهداف عائلاتٍ بكاملها، بهدف الترويع، ظناً من “والي” دمشق أنّ “السرّ” يكمن في الحل الأمني، متوسّلاً أولاً بـ “وهم” الحماية الخليجية، بإزاء انحسار إيراني، ابتدأ بتهديد دعم “الفلول” تحت مسمّى “الشباب الثائر”’ وانتهى بتوقع تفجّر “حرب أهلية” ربما تكون أعنف مما جرى في العراق، إذا وضعنا في دائرة النظر البعد الإسرائيلي، ومطامعه المباشرة باتجاه القنيطرة، السويداء، ودرعا!!.

ومنذ الخميس الماضي، أي “لأربعة أيام” استمرّت “المذابح” المتبادلة في شريط الساحل الممتدّ لمائة كيلومتر، بين “فلول الوالي الفارسي” المدعومة عبر خلايا حزب الله اللبناني، و”فلول الوالي التركي” المدعومة خليجياً، والتي أمسكت بزمام السلطة في دمشق وما حولها. هاتِه المذابح أسفرت عن عدد كبير من القتلى (تراوح في الأرقام المعلنة عبر التقارير الدولية بين المئات وما يقرب من ألفي قتيل، سوى الجرحى الذين لم يتحدّث أحدٌ عنهم)!.
ومع أنّ الموقف الأممي “بائسٌ لا خير فيه” لكنْ لابدّ من الإشارة الى البيان المشترك الذي أصدره المنسق المقیم للأمم المتحدة آدم عبد المولى، والمنسق الإقلیمي للشؤون الإنسانیة للأزمة السوریة رامناتن بالكرشنن، بشأن المذابح الأخيرة في الساحل السوري.
وأهم ما أشارا إليه أن “التطوّرات مقلقة في المناطق الساحلية والوسطى في سوريا، جرّاء استخدام الأسلحة الثقيلة”، وأكّدا “ضراوة القتال في محافظات طرطوس واللاذقية وحمص وحماه”..وبيّنا أنّ هناك “عدداً كبيراً من الضحايا المدنيين”، و”حركة نزوح الألوف”، و”تعرّض البنية التحتية المدنية لأضرار فادحة”!.
وربمّا بالغ “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بإشارته إلى أن عدد القتلى في الساحل السوري وحده، تجاوز “الألف و745 قتيلاً” منذ المذبحة الكبرى التي تفجّرت أحداثها يوم الخميس الماضي السادس من الشهر الجاري، وقال المرصد إن “الطائفة العلوية واجهت اقتتالاً دامياً”!.
ولكشف بعض مظاهر فداحة الاقتتال، حذر النائب اللبناني سجيع عطيه من “موجات نزوح كبيرة جداً”، موضحاً أن 5 أو 6 قرى علوية في “عكار”، شهدت وصول أكثر من عشرة آلاف نازح في يوم واحد، حتى بات المنزل الواحد يعيش فيه العشرات، طبقاً لبيان النائب. وفي الوقت نفسه أكد أنّ إسرائيل قصفت المعابر الثلاثة بين سوريا ولبنان، وهي: العريضة والعبودية والبقيعة.
دعونا نُلقي نظراتٍ سريعة –عبر تحليلات المراقبين وتوقعاتهم” على جملة ما في خارطة الصراع من احتمالات. المعركة وُصفت بأنها “كبرى”، ورئيس استخبارات سوريا اتّهم إيران بإشعالها دون أنْ يسمّيها، مؤكداً أنّ عمليات “التمشيط” مستمرة للقضاء على “الفلول”!.
الحقيقة هي أنّ “الطائفية” ليست وحدها وراء هذه التفجرات، فما جرى جزءٌ من “ثورة جياع” لا يتقاضون رواتب لشهور، تماماً كما جرى ذلك في العراق، لكنْ بعد حوالي أكثر من سنة إثر سقوط النظام، لا بعد شهور كما في سوريا، ثم أنّ هناك مكوّنات عشائرية ومناطقية وليست فقط طائفية لن تخضع لقرار “والي دمشق” بتسليم أسلحتها.

وينظر الكثيرون في سوريا إلى “مسرحية الحوار الوطني” على أنها استهترت تماماً بالأسباب الحقيقية وراء تناقضات الوضع السوري برمته، ويقولون “إن هناك مجاميع مسلحة تتصرّف بشكل منفصل عن دمشق”، فيما يؤكد آخرون أنّ سلطة “الشرع” من جهة والتحريض الإيراني، كلاهما يثير شعارات طائفية متبادلة، لا يكون ضحاياها إلا المدنيون السوريون، لاسيما أن جغرافيا 100 كيلومتر على الساحل، يقطنها علويون، ويعيش في ثناياها الكثيرون من السُنّة. فيما يتبادل الطرفان تهمة “الفلول” و”الإرهاب”!. وهي عبارات إثارة قريبة لـما أثير في العراق قبل نشوب الحرب الأهلية الطائفية من مثل “عملاء إيران” و”إرهابيو البعث”!.
ثمّة صور بشعة للغاية، فالمنظمات التي تصف نظام الشرع بالإرهابي، وتطالب بإسقاطه، تؤكد أن عناصر “مدنية مسلحة” دخلت بيوتاً ومباني في مناطق جبلا وبانياس، واكتفت بقتل الذكور!!.
وفي الخلاصة، فإنّ استمرار النظر الى منتسبي الجيش والشرطة والأمن والمخابرات والمؤسسات المدنية على أنهم جميعاً “فلول” النظام السابق، بما يشبه سابقة العراق، انحدار سريع نحو “الحرب الأهلية”، فالكثيرون جداً من هؤلاء كانوا يخدمون بلدهم في وظائف مدنية أو عسكرية، وهي مصدر رزقهم، أما “الانحرافات” فلا يمكن أن تكون جماعية، ولا يمكن أن تقبل العقوبات “الجماعية” أيضاً!.
إن القوى المجتمعية في سوريا خائفة على مستقبلها، وترى أنه لابدّ من الحوار مع الدروز، ومع الأكراد وغيرهم في “قسد”، والعلويين، والشيعة، وسائر مكوّنات الشعب السوري، وأن الحل الأمني ليس هو الحل لأزمات البلد، وأنه لابد من التفاوض في الساحل، كما في جبل العرب، وفي الجنوب، لنزع فتيل وضع خطير للغاية.
ومن دون ريب، إنّ المذابح التي جرت في الساحل، دليل ضعف السلطة في دمشق، وثمة مُصوّرات شاعت في السوشيل ميديا، أظهرت عُسف القمع الدموي تحت شعارات لهج بها المسلحون “الانتقام” و”نشفي غليلنا” و”اقتلوا هؤلاء الخنازير العلويين”. ولا أحد ينظر الى عواقب تسريح مواطنين بالملايين وحرمانهم حتى من مواردهم الشحيحة. وعدّ مراقبون ما يحدث بأنه “خلل بنيوي” يكتنف المجموعة الحاكمة في دمشق، فيما اتهموا قيادات أمنية سابقة بالتخطيط للانفلات، لدفع سوريا نحو الفوضى والصراع، وفي هذا الصدد لم يخف مستشار خامنئي علي اكبر ولايتي، توقّع ايران نشوب حرب أهلية في سوريا!.
ومعروف أن ايران لن تقصر في تهريب الأموال والأسلحة وهناك اتهامات ضد روسيا وحتى الولايات المتحدة وتركيا لها حصصها في التأجيج. ومن جانب آخر فإن اسرائيل لن تقبل بنظام إسلامي على حدودها، ولذا فإنّ عملاءها يتغلغلون في سوريا ، والهدف الرئيس لدى تل أبيب دفع سوريا الى التجزّؤ!. وكان خامنئي قد “بشّر” بما أسماها “ثورة شبابية” ضد النظام الجديد في سوريا.
وبكلام مباشر “إن اشتقاق الشرعية للسلطة الجديدة لا يمكن أن يأتي عبر القمع الدموي، فلابد أن يكون هناك مسعى لإنقاذ سوريا، بتحقيق تطور نوعي “شبه مثالي” في “الوحدة الوطنية”، ومن دون شك فإنّ كلمة السر هي “التسامح”، وإلا فلا مناص من الغرق في مستنقع الحرب الأهلية!.



