قصيدة كتبها الشاعر عبد المنعم حمندي في “اسطنبول” شتاء عام 2016 تستشرف رؤيا بعيدة


تأملتُ.. حين نظرت إلى الأفق
روحي تلوب..
شوارعُ بيضٌ ،
كراتٌ من الثلج تغسل حزني
و في عين (تَقسيم) بعد الغروب ،
الشناشيل ضوءٌ مريبْ
و بين الأزقّة ، عند المباني القديمة ،
بين القصور أشمُّ روائح تلك الحروب
وفي كل سوق ، حوار الزمان
وثمّة ليلٌ وسيلٌ من الذكريات،
هواجس تعصف في كل آنْ
فهل يستكين المكان ؟
… ولا يستكين المكانْ
……
يرتدي الليلُ لونَ الحياء
و في الثلج رجعٌ بعيدٌ،
و في الثلج ظلٌ طويلْ
وهذي الحشود
كُراتٌ من الصوف لا تستديرْ
.. تحثّ المسيرْ
و في كل بابٍ هنا زمهريرْ
…
شوارعُ بيضٌ ،
و كلُّ الأماني تلاشت رذاذاً
بوقع الخُطى في الطريق
الغروب تدلّى ،
كما شجر الزمزريقْ
و تخفقُ ريحٌ .. ،
فهذي بلادٌ تحثّ الخطى للصعود إلى الهاوية
وتحت هدير الزلازل تفنى
وهل تستطيع البقاء
إذا ما تعالى فحيحٌ من الفانية؟
تهاوت والجبال هي الباقية
……
ان هذي البلاد
من النارِ نسوانُها كالعقيقْ
بها الثلج ذاكرةٌ بضّةٌ للتواريخِ ..
كم تحتفي بالقبابِ ؟
و شَعرُ الحريمِ المبلّل بالعطرِ ..
لا يستفيقْ
…..
فهل أقتفي أثراً للرياحين
بين القصور ،
و لا أثرٌ للرقيقْ؟
هنا نشوةُ الصحوِ ،
فارسها الفذّ منشغلٌ بالرواياتِ ،
والفتحُ عشبٌ ، و وحيٌ،
تخطّى السموات مئذنةً ،
و النهاراتُ حلمٌ عتيقْ
…..
أَتَذكرُ يا شجرَ الزمزريق المؤذّنَ ..
ذاك الزمان القديم
وكيفَ تغوّلت بين العواصم ،
يومَ اختزلتَ الحرائق كي تستقيم؟
وكان المدى خانعاً ،
والفلاحة بعض الخِراج ،
وأقسى من الرعدِ وقعُ الهزيمْ
ودارت بكَ الدائرات ،
تخرّصت حتى تسربلَ فيكَ الرمادُ،
وما اخترتَ غير الظلام البهيمْ
ورحتَ الى عزلةٍ في القرون
كمثل اللديغِ من الغابرات
سكينةَ من باتَ بين الأفاعي سليمْ
تَجدَّدَ فيكَ الغياب ،
وكنتَ كَما الإفعوان ،
وبين الشياطين ذاك الرجيمْ
….
: على ساحل البحر أَشهدُ
أنِّي رأيت أتاتورك يمشي بهياً ،
بما في الخزائن بعد السلاطين تَيهًا ،
وكيفَ استعادَ الذكورةَ بعدَ السُباتْ
لديهِ بكلِّ الولايات عشقٌ ،
وفجرٌ على البحرِ ينمو .. ويكثرُ فيهِ الحواةْ
و لليل سحرٌ بإسطَنَبولَ ،
و في الثلجِ صوفُ الشتاءِ الرطيبْ
فمَنْ يغزلُ الليل ؟..إنيّ غريبْ
وهذا الدخان تصاعد في الثلج ..
يغزو العواصم ،
ما يفلق النجم قبل المغيبْ
يدقُّ الصباحات بعد العواصف ،
عمّن يفتّشُ فيما يُريبْ
ويشهقُ فيه الندى ،
والصدى عندليبْ
فكيف أحثُّ الضياءَ ؟
و لا قمرٌ لدمي يستجيبْ
————–
“عبد المنعم حمندي “
اسطنبول 2-2-2016

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الزمزريق : شجر اسطنبولي جميل* تقسيم : منطقة قديمة في وسط اسطنبول