قصة شعار “الشرطة في خدمة الشعب”..متى بدأ استخدامه في العراق؟



لعل شعار “الشرطة في خدمة الشعب” هو من أكثر العبارات والشعارات تعبيراً عن روح العلاقة التي يجب أنْ تسود بين الشعب والشرطة، وبما يُجسّد تفانيَ أبناء هذا الجهاز الحيوى المهم فى حماية الشعب، والشعب هو الدولة وهو الوطن، وما تقوم به الشرطة لحماية الشعب ومرافق الدولة فى جميع أنحائها دور فائق الأهمية.

وقد وردتنا استفسارات كثيرة من الأصدقاء تسأل عن تاريخ استخدام الشرطة العراقية لشعار (الشرطة في خدمة الشعب)، ورجعنا لبعض المصادر التاريخية وبعض أصحاب الخبرة والمعلومات من رجال الشرطة القدماء، فتبيّنَ أنّ شعار “الشرطة في خدمة الشعب” لم يكن مستخدماً في العهد الملكي، ولكنه دخل الاستخدام في مراكز الشرطة في عموم العراق في أول الستينات، عندما تم إيفاد وفد من كبار ضباط الشرطة الى مصر برئاسة المرحوم العقيد حسين المختار – مدير شرطة الكرخ آنذاك، ومن هناك لاحظ أن شعار (الشرطة في خدمة الشعب) منتشر في جميع مراكز ودوائر وأقسام الشرطة في مصر، وأعجب الوفد بهذه العبارة المثالية، وبعد عودة العقيد حسين المختار، من القاهرة تقدم باقتراح الى الشرطة العامة، لاعتماده شعاراً للشرطة العراقية، وحصلت موافقة مدير الشرطة العام على مقترح اعتماد (الشرطة في خدمة الشعب) شعارا يرفع في جميع تشكيلات الشرطة العراقية،، وقام بنفسه برفع هذا الشعار في اول مكان نصبت فيه اللوحة لهذا الشعار في باب مبنى (مديرية شرطة الكرخ) في الشواكة. حتى ان اللافتة الحديدية التي كتب عليها الشعار ونصبت في باب مديرية شرطة الكرخ قام بدفع تكاليفها من جيبه الخاص (اي سعر المواد واجور الصبغ والخط). وصارت شعارا ترفعه مراكز ومعاونيات ومديريات الشرطة في عموم العراق.

مدير الشرطة المرحوم حسين المختار:
من قادة الشرطة المعروفين بالخبرة المسلكية، وقد شغل منصب مدير شرطة الكاظمية قبل عام 1963، وقبلها كان قد شغل منصب معاون شرطة العبخانة. وفي عام 1963 أصبح مديرا لشرطة الكرخ. بعدها شغل منصب (مفتش الشرطة الأقدم) واحيل بعد عام 1968 على التقاعد برتبة عميد.

له مواقف مشهودة في حفظ الأمن، حيث ساهم سلميا في فض التظاهرات التي حاولت احراق السفارة الأمريكية ببغداد في حزيران ١٩٦٧ بعد خطبة وجهها للمتظاهرين حول مساوئ مثل هذه الأعمال على سمعة العراق.
واما بشأن تسمية الرتبة التي يحملها ضابط الشرطة قبل عام كانت درجة (معاون مدير شرطة) وتعادل ملازم وملازم أول ونقيب، ثم (درجة مدير شرطة) وتشمل رتب (رائد، مقدم، عقيد، عميد).
تطور الشعار في مصر العربية:

في عهد الرئيس محمد حسني مبارك جرت عدة تغييرات للشعار فاستبدل بشعار “الشرطة والشعب في خدمة الوطن”، ومرة اخرى صار “الشرطة والشعب في خدمة القانون” لكن التغيير لم يدم طويلا حيث عادت الشرطة لاستخدام شعار “الشرطة في خدمة الشعب” لارتباطه بالذاكرة الجمعية للشعب وللشرطة، لأن الشعب يريد من الشرطة الالتزام بتطبيق القانون ومساعدة افراد الشعب مساعدة حقيقية في تيسير سبل الحياة، فتجدها تنطلق لتساعد مريضا غير قادر على الذهاب للمستشفى، كما أن من أهدافها إنقاذ حياة أي إنسان يتعرض للخطر.
إن شعار “الشرطة فى خدمة الشعب” هو عقيدة ثابتة يؤمن بها كافة رجال الشرطة.. وأسلوب ومنهج يتحقق من خلال العمل الدؤوب لتقديم أعلى مستويات الخدمة الأمنية والعمل الوطنى وبذل كافة الجهود لتحقيق الأمن والتعامل بحسم وفقًا للقانون دون المساس بكرامة المواطنين وإيمانًا منهم بالرسالة النبيلة التى يفخرون بحملها ونيل شرفها.

فكان هذا دور الشرطة الذي تؤديه عن طيب خاطر، وبحب حقيقي ورعاية تامة لمقتضيات عملها، وكان شعارها “الشرطة في خدمة الشعب” عاكسا ذلك الدور، ولم يكن أبدا حاملا أية إهانة، بالعكس كان يحمل إحساسا بالكرامة والمسؤولية، فالشرف للشرطة أن تكون في خدمة الشعب، وهي بالطبع جزء من هذا الشعب بالتالي تكون في خدمة نفسها وشعبها، كما أن كل مسؤول في هذا البلد بداية من رئيس الجمهورية لأصغر موظف هو في خدمة المواطنين الذين يسددون راتبه، وإن لم يكن في خدمتهم فلا يستحق أن يكون موجوداً في منصبه..
ويقول أحد مؤرخي الشرطة المصرية (وظل الحال على ذلك حتى جاء الوزير حبيب العادلي، فقرر استبدال “الشرطة والشعب في خدمة الوطن” بالشعار الأصلي “الشرطة في خدمة الشعب”، وهذا الاستبدال أو هذا الشعار انعكس جيداً على حالة الاستعلاء والاستكبار التي كانت قد أصابت معظم رجال الشرطة وقتها، وجعلتهم يشعرون أنهم أرقى من هذا الشعب، وأنهم طبقة السادة أو الباشاوات الجدد، والشعب طبقة العبيد، فبالتالي كيف يكون السادة الباشاوات في خدمة العبيد؟! فكان الشعار الجديد الذي هو “الشرطة والشعب في خدمة الوطن”.
