أدب

قراءة سوسيولوجية في قصيدة “سرُّ المصباح” للشاعرة العراقية الكبيرة ساجدة الموسوي

   “أمْسِكْ تفّاحةَ روحِك ألّا تَسقُطْ

   فالريحُ تُراود تُفّاحَ الأرواحْ”..

    في مفتتحِ رائعتِها الشعرية: “سرُّ المصباح” التي نشرتها مجلة “دار السلام” في عدِدها السابع، تُنِبئُنا الشاعرة ساجدة الموسوي أنّ “ريح الشرور” آتية، لا محالة، وهي لن تكتفي بـ”محْقِ”، الأفكار، التقاليد، الأنظمة، الثقافات، الآمال، العقول، وحتىّ ابتهاجات الناس، وعفويتَها، بل إنّها “ستراودُ تفاحَ الأرواحْ”، أيْ أنّها تهدِّدُ دينَنا، أخلاقَنا، مروءَتنا، وحتى موسيقى شعرنا، وغناءَ قلوبنا!. لهذا تصرُخُ الشاعرة، بادئةً قصيدتها، بفعل الأمرِ “أمسكْ”..”أمسكْ تفاحةَ روحِكَ ألّا تسقُطْ”!.

     ولكيْ تُعطي الشاعرةُ بُعداً جذرياً لريح الثُبور، بمدّها العالميّ، تَعدّها “خللاً فيزيقياً”، فهي “تراودُ تفاحَ الأرواحْ”…”من آدمَ حتى نيوتن”، الذي اكتشفَ قانونَ الجاذبية بسقوطِ تفاحةٍ من شجرتها فوق رأسهِ، طبقاً لرواية رفيقه “ويليام ستوكلي” أحد كتاب السيرة.

     ومنذ جذر “تفاحةِ آدم”:

      “تتواردُ أسئلة التُفّاحْ

        وسقوطٌ إثْرَ سقوطٍ

       لا يهدأ..لا يرتاحْ

       دولٌ كُبرى سقطتْ

       ودماءٌ سقطتْ

       أحلامٌ سقطتْ

       لم يَسألْ أحدٌ..!!  

       والدُنيا بين غُدوٍّ ورواحْ

       أمسِكْ تفاحةَ روحِكْ

       أرضَكَ

       أمسِكْ وطنَكْ

       في زمنِ الحاسوب هناك

       جيوشٌ من أشباحْ”.

نضجَتْ في بِنية هاتِهِ الأبيات فكرةُ العُمقِ التحذيري من اشتدادِ هيجانِ ريحٍ صرصر “غاشية” تهدّدُ مجتمعاتنا في وجودها كلِّه، لهذا ترى الشاعرة بنظرة استبطانية لا يؤتاها إلّا “الشاعر-الشاعر”، وتؤتاها بقوة وجدانِها “الشاعرة-الشاعرة”، بما فيها من حب غامرٍ، وحنانٍ طاغٍ، وعاطفة جيّاشةٍ، وأمومةٍ حادبةٍ، ورسوخ يهبُ الحياة معناها، وأيضاً بما فيها من خوف بنيويّ، وتحسّبٍ أنثويّ ، وحسٍّ تخاطريٍّ مع الزمن وتقلّباته وموحياتِه. إنّ الشاعرة الموسوي تدعونا إلى الإمساكِ:

    -بدولِنا…

    -بعلْمِنا…

    -بأخلاقنا…

 إنّها تباغتُ غفلتَنا، بإنذاراتٍ إنْ لم نصغِ إليها سنكونُ حَطباً لنار تاريخ مسخوطٍ ترسمُ مسيرَهُ خطوةً فخطوة:

    “جيوشٌ  

     من أشباحٍ

     من يدعمها؟ من يُطعمها؟

     لا تدري

     فلسفةٌ أخرى

    والدنيا تجري..تجري

    لا تدري هي الأخرى أين الباب

    ولا أين المفتاحْ!.

خذْ مثلاً كل ما جرى ويجري في غزة، في لبنان، وقَبْلاً في العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، السودان.. ما يجري في “عمق” روح الخليج، مصر، دول المغرب، بل ما يجري في العالم كلّه!.. لم تعُد اللعبةُ “مكشوفةَ الأبجدية”.. إنّ الدنيا بأسرها تنزلُ برجليها إلى مستنقع “رذيلة الروح”، فنحن لا نرى الصُّوَرَ بحقيقةِ ما تعرضهُ علينا “جيوش الأشباح”، فـ”الخرابُ-عِلْم”، و”الحرية-شذوذ”، و”الثقافة-اختلال”، و”الأبُ-كاتمٌ”، و”الامُّ-سذاجة”، و”المجتمعُ-دهماءٌ”، و”الأخلاقُ-تخلّف”، بل صارت “المدارسُ-متاعس”، و”الأكاديمياتُ-مُجَهِّلاتٍ”، وحتى “عياداتُ الأطباء-مسالخ”، و”المستشفياتُ-مجازر”!!.

     لهذا لا تفتأ شاعرتنا العراقية-العربية التي سكنَها “المنفى”، عن وطنها، بعد أنْ سكنتْهُ مختارةً، راسمةً درباً معمّداً بدم شقيقِها الشهيد بين صوب “بغداد” وصوب “دبي” وبين هاتِه وتلك، تنشُب في أعماقها مصارعُ نفوسٍ، وقلوبٍ، وعقولٍ، وبُنى، لكنَّ (ساجدة الموسوي) لم تنسَ أنها ابنةُ النخلة العراقية الباسقة، المثمرة التي كلُّ ما فيها خيرٌ وبركةٌ، ودلالٌ، وغُنجُ كبرياءٍ ينتمي إلى تربةِ مجتمعٍ عظيمٍ لكنّه أصيبَ بوصف الجواهري (لا تنسَ أنّك من أشلاءِ مجتمعٍ…..يدين بالحقدِ والثاراتِ والنِحلِ)!.

    أنا لم أعْنَ هنا بنظرة شعرية نقدية، لستُ من متخصّيصها، إنما قرأتُ قصيدة الموسوي بحسِّ تذوّقي الشعري، فرأيتُ ما في ثَراها من ثراءٍ، وما في نسغ قصيدتها الصاعد من ماءٍ وملح، وما في نسغِها النازل من ضوء.

   وكلُّ ذلك يؤكد فصاحةَ دعوتِها “أمسِكْ تفاحةَ روحِكْ”، التي أنبأتني (أنا القارئ)، أنّ هناك “سِرَّاً” أشبهُ بـ”Password“، لاكتشاف “المصباحِ”، الذي هو ضوءُ طريقٍ، لئلّا نسقط، ولكيْ نسمكَ بـ”المفتاح”، نُمسكَ بتفاحِ أرواحنا “ألّا تسقط”!.

مقالات ذات صلة