“قانون تحرير العراق من إيران”.. بداية “فوضى جديدة”!!



يُنبئ ما نشرهُ “جو وليسون”، النائب الجمهوري في الكونغرس الأميركي في موقعه على منصة “إكس” عن تقديمه بالشراكة مع نائب ديمقراطي، مشروع (قانون تحرير العراق من إيران)، يُنبئ عن “منهج أميركي جديد” في التعامل مع البيئة السياسية العراقية، تحت بند (تقليص نفوذ طهران في العراق)، و(دعم استقلال البلد)!!!.
إنّ الاحتلال الأميركي للعراق –في مثل هذه الأيام- هو لا غيرُهُ مَنْ “سلّم” البلد إلى “النفوذ الإيراني”، الذي تسرّب شيئاً فشيئاً بين ثنايا مَنْ يعرفهم مسبّقاً، أو من “تغلغل” إليهم بعد نيسان 2003. ومنذ الأيّام الأولى، حتّى يومنا هذا لنحو اثنتين وعشرين سنة لا “سيادة ناجزة في العراق”، وأبلغ ما يمكن وصف هذه السيادة به، هي أنها “مرقّعة”، فقرار البلد ليس بيدِ البرلمان، ولا السياسيين، ولا قيمة لصوت “أهل البلد” فيه!.
وكنتُ شخصياً، قد سئلتُ في مقابلة أجراها معي الدكتور حميد الصائح في قناة “البغدادية” عن رأيي بما يحدث في العراق، فقلت، ساخراً، “لا الاحتلال مال أودام، ولا الحكومة مال أوادم، ولا المعارضة في الداخل والخارج مال أوادم”!!.. وحتى اللحظة لم نرَ من جهة الثلاثة، ما يؤكّد غير ذلك، حتى “التغلغل الإيراني”، لم يتصرّف بذكاء، بل بـ”غباء” مستطير، إذ أنه اتّصف بـ”التوحّش الانتقامي”، انعكاساً لحرب طويلة مع العراق (1980-1988)، وتعامل مع أتباعه من التنظيمات الشيعية، بـ”إذلال”، واستخذاء، ثم أنّ النظام الإيراني، خانَ الأمانة بأنْ “صادر”، عدداً هائلاً من الطائرات، أراد صدام حسين (ائتمانهم) عليها لأمر لم يُكشف سِرُّهُ حتى الآن، ثم أنّ الإيرانيين قطعوا مياه أنهر فرعية كثيرة عن الوصول إلى البلد، وتسبّبوا بكارثة زيادة ملوحة شط العرب، الذي حوّلوه إلى “مبزل”!.
وأبلغ ما في فشلهم أنهم “عجزوا” عن أنْ يعيدوا صياغة “أنموذج علاقات الجيرة”، حتى ليَنظرُ إليهم معظم العراقيين الآن على أنّهم “مكروهون”، وليسوا “محبوبين”، وأنّهم “عنصريون”، وأنهم لا يعرفون إلا مصالحَهم، أما “التشيّع” فهو مجرّد وسيلة للابتزاز، والاستغلال، والبراغماتية السلطوية. وأنا هنا لا أتحدث عن الناس الإيرانيين، فهم كسائر أهل الدنيا، بشرٌ مثلُنا فيهم الخيُّرُ وفيهم الشرير، إنما الحديث حصراً عن النظام والسلطة وما هو في عُدادها!.
لهذا يمكن القول إنّ أيّ مشروع أميركي باتّجاه “مواجهة نفوذ طهران في بغداد”، ولندع جانباً أكذوبة “تعزيز السيادة العراقية”، سيكون محضَ ترحيب شعبي واسع النطاق من سائر أبناء البلد، والشيعة أنفسهم قبل السُنّة، والأكرادُ قبل العرب، إذ لا يمكن لـ”الوطنية العراقية” أنْ تتّسق مع قبول النفوذ الإيراني، أما “الأتباع” فهؤلاء موجودون دائماً، ولعلّ “أتباع الأميركان”، لا يقلّون خزياً عن غيرهم من أتباع إيران وغير إيران!.
إنّ مشكلة النفوذ الإيراني في العراق، تحوّلت إلى “مُسَوّغ” لتدخلات تركية سافرة، جزءٌ منها لا يمكن وصفه إلا على أنّه احتلال عسكري، أما مسألة “لفط الكويتيين لمزيد من الأراضي”، فتلك قضية أخرى، فهم بالنتيجة “أعرابٌ” مثلنا، ويمكن لسيرورة التاريخ أنْ تُسفرَ يوماً عن حلٍّ ما بين الغابنِ والمغبون!.

وبعد هذا الاستطراد، نعود إلى مشروع “قانون تحرير العراق من إيران” الذي كشف عنه “جو ويلسون”. وبموجب هذا المشروع –حسب الأخبار- تُلزم وزارة الخارجية ووزارة الخزانة والوكالة الأميركية للإعلام العالمي بوضع استراتيجية شاملة خلال 180 يومًا لتقليص نفوذ إيران في العراق.
وتنص تفاصيل المشروع كما نشرها “ويسلون” في منصّة “إكس” على أن الاستراتيجية الأميركية، تتركز على النقاط التالية:
أولا: حلّ الميليشيات التابعة لإيران، وعلى رأسها الحشد الشعبي؛
ثانيا: وقف المساعدات الأمنية الأمريكية للعراق إلى حين إقصاء الميليشيات الموالية لطهران من مؤسسات الدولة؛
ثالثا: دعم المجتمع المدني العراقي ومواجهة القمع والدعاية الإيرانية، وتعزيز نشاط الإعلام الأمريكي لكشف جرائم الميليشيات؛
رابعا: تقديم خطة تنفيذية للكونغرس خلال 60 يومًا.
بقي أنْ نقول:
إنّ محتوى المشروع الأميركي، يحملُ طابَع “العنجهية الترامبية”، وهنا بالذات مكمنُ الخطر، فالمشروع لا يعبَهُ بالأمن الاجتماعي، وما يمكن أنْ يصيب البيئة العراقية “الخصبة جداً” لشيوع الفوضى، والتناقضات، والصراعات، والمناجزات المسلحة التي قد تتحوّل إلى حرب أهلية طائفية، أو مناطقية، أو “كتلوية” أي بين الكتل السياسية المسلحة بخاصة!. فهناك بالتأكيد مستقتلِون من أجل ثبات “النفوذ الإيراني”، يقابلهم مستقتلِون في طلب الخلاص من هذا النفوذ!.
إنّ البلد قد يوضع على شفا “إبادات”، و”انتقامات” و”تهجيرات”و”اضطهادات”، و”عمليات فساد كبرى” جديدة، فليس هناك من مناخ ترتاح له الميليشيات أو الفئات المسلحة لاسيما “الطامعة” بالمزيد من الإثراء، مثل مناخ الفوضى، واللاأمن، وغياب سلطة الحكومة في الشارع.
ومن المؤكّد أنّ الإيرانيين، سيبذلون جهدهم لعدم خسارتهم نفوذَهم في العراق بعد أن خسروا ما خسروا في سوريا ولبنان أيضاً. إنّهم يعدّون العراق ساحتهم الأخيرة التي إنْ خسروها، ستكون الظروف مهيأة لأنْ تنتقل الفوضى إلى داخل إيران نفسها!.
