في عيد الصحافة العراقية ألـ”156″..قراءة موثقة في تاريخ “صحافة الشرطة”..



أمس “الخامس عشر من حزيران”، ومع احتفال الصحفيين العراقيين بعيدهم السادس والخمسين بعد المائة، اهتممتُ ضمن تخصّصي المهني، بمجلة (الشرطي) الصادرة عن مديرية الشرطة العامة، والتي تُعدُّ -بنُشرَ عددها الأول في 1 شباط 1927- أقدم أو من أقدم مجلات الشرطة العربية، وهي من دون شك من بين أقدم المجلات المتخصصة في العراق.
تضمنت صفحتها الأولى، إشارة إلى أنّها (مجلة فنية تهذيبية شهرية تصدرها مديرية الشرطة العامة في العراق لفائدة الشرطة). “المجلد الأول: السنة الأولى 1927”. ومن الغريب أنّ العدد الأول من مجلة “الشرطي”، لم يتضمن ذكر اسم رئيس التحرير وأسماء أعضاء هيئة التحرير. واستمرّت في الصدور باسمها نفسه حتى عام 1936 حيث تغيّر اسمها إلى (مجلة الشرطة)، ولم تتوقف إلا عام 1958.

مجلة الشرطة والأمن والجنسية
وبعد 14 تموز 1958 تحوّلت تسميتها الى (مجلة الشرطة والأمن والجنسية) حتى عام 1968 وبعد 17 تموز 1968، استعادت اسمها (مجلة الشرطة)، ثم في عام 1978 بعد صدور قانون خدمة قوى الأمن الداخلي، تم تحويل تسميتها الى (مجلة قوى الأمن الداخلي) وواظبت على الصدور حتى قرار إيقاف اصدار المجلات الحكومية بسبب “قلّة ورق الطباعة” الناجمة عن ضغوط الحصار الاقتصادي عام 1990 التي استلزمت ترشيد النفقات الحكومية.
ودام توقفُها سنين عجافاً، إلى أنْ تمّت إعادة إصدارها، اعتماداً على موارد ذاتية في عام 1998 وباسم (مجلة الشرطة) التي أسِّسَت عام 1927، وبذلك حافظنا على اسمها الأصلي، واستمرَّ صدورها حتى عام 2003. وكان رئيس تحريرها اللواء الدكتور أكرم المشهداني ما بين عامي 1998 و2003.
وجديرٌ بالذكر أنّ سنة 1967 شهدت صدور مجلة (كلية الشرطة) عن كلية الشرطة العراقية، وكان اللواء صبري عبدالجبار العاني عميد الكلية، يتولّى رئاسة تحريرها. وكنتُ شخصياً من ضمن كُتّاب المقالات فيها، بدءاً بمقال نُشر تحت عنوان (صلاح الدين الايوبي). وكنت ما زلت في الصف الأول من دورتي في كلية الشرطة.

مجلات الشرطة في العراق إرث وتراث عراقي
لا شك في أنّ مجلات الشرطة، تشكل تراثاً شرطوياً، وإرثاً ثقافياً للعراق، لأنّها تتضمن كتابات متنوعة، وتعرض لأنشطة الشرطة في مكافحة الجرائم، وهي أيضاً سجل لا غنى لكل مؤرخ عن أنْ يراجعه ليتعرف على مسيرة البلاد من النواحي القانونية والجنائية والأمنية.
وخلال العقود المنصرمة من القرن العشرين صدرت مجلات عديدة أخرى منها (مجلة المرور)، و(مجلة الجنسية والأحوال المدنية العامة)، و(مجلة الدفاع المدني) التي صدرت بعد تأسيس مديرية الدفاع المدني العامة 1965، ومجلة (الجريدة الجنائية) عام ١٩٨٣، (الساهرون) وهي من أشهر المجلات الشرطوية في العراق إبّان مرحلة الثمانينات والتسعينات. وكانت تصدر شهرياً وتطبع لدى مطبعة الشرطة، برغم أنها كانت حديثة التأسيس آنئذٍ، فيما استمرت مجلة الشرطة الأولى (مجلة قوى الأمن الداخلي) بالصدور فصليا كل ٣ شهور.
قراءة في العدد الرابع من مجلة “الشرطي”:
جاء في مقدمة العدد الأول، لسنة 1930 ما يلي: إنَّ مجلة (الشرطي) تدخل سنتها الرابعة وهي مُجدّة في سبيل تنفيذ المنهاج الذي وضعته وساعية للعمل على تطبيق الخطة التي قررَّت اتباعها للوصول الى غايتها المنشودة. وترى المجلة أنّ من الواجب تقديم شكرها الجزيل الى من أبدى المساعدة اللازمة في إرسال المقالات المفيدة ومواصلتها في الابحاث والآراء المتعلقة بشؤون الشرطة، وتنتهز الفرصة بهذه المناسبة فتكرر نداءها الى أبناء المسلك (المقدس) في وجوب الاقبال على الكتابة فيها ونشر المقالات والأبحاث التي تفيد القراء، وأن إدارة المجلة رأت أنّ من وسائل التشجيع، أنْ تُصرّح بالوعد الذي قطعته في إهداء أعدادها الى من يزاول الكتابة فيها، فقررت إهداء مجلد هذه السنة الى كل من الذوات: وجيه افندي سعيد، وعبد المجيد افندي السهروردي، والمفوض إسماعيل حقي افندي الأعظمي، وليس هذا الوعد إلا إظهار حسن التقدير للمساعدات الثمينة التي تقدموا بها في متابعتهم إرسال المقالات بصورة مستمرة، وان الأمل وطيد في هذه السنة ان يزداد الاقبال على ابداء مثل تلك المساعدات. وتشتد الرغبة في المنافسة في هذا المجال. هذا وأن المجلة قد وطدت العزم على إحدث توسعات في أبوابها وزيادة أبحاثها المتعلقة بالشرطة في العالم والتطورات والإصلاحات العصرية الحديثة التي وصلت إليها انظمتها وسيفرد فصل خاص بجمع البيانات والمنشورات الصادرة من مدير الشرطة العامة في شؤون المسلك الإدارية والعدلية والتدريبية لتعم الفائدة فيها.
تحقيق جنائي
وكذلك ستعير اهتماماً خاصاً الى مباحث التحقيق الجنائي وتنشر الفصول الإضافية حول أصوله النظرية والعلمية مما يفيد منتسبي المسلك في توسيع معلوماتهم أو إنارة أذهانهم، وتوضيح طريق العمل أمامهم، وبالجملة فستبذل أقصى الجهود لإدخال التحسينات الى المجلة بصورة عامة.
نماذج من أهم مقالات مجلة “الشرطي”:
نشر السيد اسماعيل حقي حسن الأعظمي – مأمور مركز شرط الهاشمية مقالاً حول (أهمية الخبراء في التحقيق الجنائي) جاء فيه: مما يحتاج إليه المحقق في كشف بعض الجرائم استصحاب رجل من أرباب الفن والاختصاص ليساعده في القيام بما عهد إليه بفنه أو اختصاصه وهذا المساعد في أصول التحقيق يدعى (الخبير) وهو شاهد يختلف عن غيره من الشهود بأنه يكلف من قبل المحقق بتحقيق حوادث له خبره خاصة بموضوعها وتقديم تقرير عن رأيه فيها، لينور المحقق بما يبديه له من أمور يستنتجها من ظروف حالة الجريمة حسب تجربته وخبرته ليتسنى للمحقق أنْ يدعم أسس تحقيقاته بما هو مطابق للحقيقة والواقع، ولا مناص له من الاستغناء عنها أثناء التحقيق في مسائل هامة.
وينتدب الخبراء في كثير من الجرائم، مثل التزوير بالكتابات ومسائل الطب الشرعي ومعرفة الأسلحة النارية المستعملة في الجريمة والآلات التي يمكن أن تكون استعملت في السرقات ككسر الأقفال والصناديق الحديدية وغيرها ومعرفة آثار الأصابع والأقدام وقص الأشجار وغيرها من المسائل التي لا تدخل تحت حصر.
ونظرا للأهمية التي يستحقها تقرير الخبير في التحقيق والمحاكم يقتضي أن يكون الخبير المنتدب من أصحاب الرؤية والتدبير بعيداً عن التحزب مقتصراً بتقريره على المشاهدات تاركاً لضابط التحقيق والمحكمة المجال الواسع للاستنتاج منها وفق ما يتضح له من التدقيق كي لا يؤثر في التحقيق، ويسدل الستار على الحقيقة بما يبديه له من الآراء ويجعله يسلك طريقة، غير التي كان يتبعها وهناك يرتبك التحقيق وتضيع معالم الجريمة. وعلى المحقق أن لا يكتفي بما يقرره الخبير بل عليه أن يسأله عن النقاط الواجب توضيحها بحيث لا تبقى غامضة.

عنوان المقال “واجبات الشرطة في مراقبة الطرق والأسواق”:
وفي عددها (2) للسنة الرابعة 1930 نشرت مجلة (الشرطي) تحت العنوان أعلاه مقالة جاء فيها: لأجل إرشادك (أيها الشرطي) إلى الطريق الواجب عليك اتباعه لإنجاز واجباتك في مراقبة الطرق والأسواق نوضح لك تفاصيل هذه (الوجائب).
– مساعدة الأهليين بقدر الاستطاعة والجواب على الأسئلة التي توجه إليه مع المجاملة اللازمة.
– ضبط النفس وعدم إبداء الغضب عند حراجة الموقف بقدر الإمكان.
– عليك أن تحفظ أسماء جميع الطرق المختلفة وأحوالها وكذلك معرفة دوائر البرق والبريد والمعابد والمحاكم العدلية ودواوين الحكومة والفنادق المهمة. ومسكن رؤساء الدوائر والموظفين الكبار في المنطقة التي تشتغل فيها ليتسنى لك إبداء المساعدة المطلوبة لدى الحاجة. ((ترى هل يستطيع شرطي واحد اليوم بل ضابط شرطة أن يدلك على أحد تلك العناوين؟)). عليك أن تظهر بالبزة الرسمية بصورة تدل على النشاط والنظافة التامة مع العلم بأنه لا يباح حمل عصا غير رسمية.
(كالخيزران وغيرها) وإذا لم تكن مكلفا بوظيفة المراقبة على حركة المرور وكنت بوظيفة مراقب دورية عليك أن تسير في الشارع بكل جد ونشاط ولا يجوز لك التدخين أو الجلوس أو الدخول في بحث طويل مع أحد الأهليين أو مع شرطي ثان.
- يجب عليك أن تحمل دفتر جيب لكتابة الأرقام وتدوين الشكايات التي تقدم إليك أو تطلع عليها أو المخالفات التي تحدث مع السائقين وغيرهم، وأنّ ضباط الشرطة سيدونون بهذا الدفتر ملاحظات تفتيشاتهم عند اللزوم. ((ترى هل يحمل أحد من أفراد شرطة اليوم دفترا في جيبه للتسجيل؟)).
- إذا دعت الحاجة إلى مساعدة طارئة فعليك أن تصفر بالصافرة عدة مرات قصيرة ومتوالية، وهذا هو عمومي لكل شرطي يستنجد ويطلب القوة وفي الخطر.
- عليك أن تراقب تطبيق نظام السير من الحمالين وراكبي الخيل والمركبات على اختلاف أنواعها إضافة للعربات والسيارات.
- عليك أن ترشد الحمالين والمتجولين لأجل السير على أرصفة الطرق وجوانبها إلا إذا أرادوا العبور من أحد جانبي الطريق، وأن يلاحظ على الدوام منع الازدحام وتسهيل مرور وسائط النقل وعليك أن تمد يد المعونة بصورة خاصة إلى النساء والأطفال والشيوخ والعاجزين الذين يقصدون عبور الشارع وذلك بتوقيف المرور لأجل قصير إلى أن يتم عبورهم للجانب الثاني من الشارع.
- لا يجوز التدخل بأمور ليست من شأنك التداخل بها وإذا دعت الحاجة إلى المداخلة يجب أن تتبع طريق اللين والمجاملة.
- لا يجوز لك أن تمسك بأعنة خيول الأهليين لإيقافها أو كبحها للوراء إلا إذا كان بقصد منع خطر على وشك الوقوع أو عند إصرار السائق على عدم إطاعة الأنظمة المتبعة بعد إنذاره لأن ذلك قد يسبب أخطارا فضلا على أنه يخلّ بسمعة الشرطة، كما أنه لا يجوز فك أعنّة خيل العربات أو أخذ السائق وترك العربة لدونه أو تنزيل الركاب منها إلا في الأحوال المعينة قانوناً.
- لا يجوز إيقاف أو تعطيل مرور وسائط النقل بقصد الحصول على اسم وعنوان سائق أو بقصد توجيه أسئلة إليه أو أي قصد آخر إلا بعد أخذه إلى مسافة بعيدة عن أماكن الخطر أو حيث لا يمكن أن تؤدي إلى ازدحام بسبب وقوفها.
- ملحوظة: إذا حدث حريق ما في إحدى السيارات من البنزين فالطريقة الوحيدة لإطفائه هي ذر التراب أو الرمل عليها لأن الماء يزيد في خطورتها.
أسماء لمعت في تاريخ الصحافة الشرطيّة، أو الشرطوية في العراق:

- المرحوم العميد أكرم عثمان العبيدي: مدير الارشاد في مديرية الشرطة العامة في الستينات وترأس تحرير مجلة (الشرطة) وكان يكتب مقالها الافتتاحي بأسلوبه المتميز.

- المرحوم اللواء عدنان رؤوف حسن مدير العلاقات العامة رئيس تحرير مجلة قوى الأمن الداخلي في السبعينات.

- اللواء أكرم عبد الرزاق المشهداني: رئيس تحرير مجلة (الجريدة الجنائية) الصادرة عن (مكتب التسجيل الجنائي) لمكافحة الاجرام في الثمانينات. كما انه تولى رئاسة تحرير مجلة الشرطة التي عادت للصدور في 1998 حتى 2003. كما أنه تولى إصدار نشرة (أخبار الجريمة حول العالم) عام 1996 الصادرة عن مركز البحوث والدراسات في مديرية الشرطة العامة، وتُعنى بنشر أخبار الجريمة في العالم. كما أنه تولى رئاسة تحرير مجلة (البحوث الأمنية والاجتماعية الصادرة عن عمادة كلية الشرطة) 2002.
