فقط في العراق، أخطاء تشويه اللغة..الكابينات والشارع..ومصطلحات لا معنى لها!
شهدت السنوات الأخيرة. في المحطات الفضائية والصحف العراقية والعربية ظاهرة لغوية غريبة، لا تمتُّ للتاريخ ولا للتقاليد الدارجة بأية صلة.
( أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ ) هذه هي حروف الأبجدية العربية. ولم أجد في الأبجدية العربية ولا في الأبجدية الإنكليزية ما يمكن أنْ يُستخدم منهما في تلك المصطلحات الغريبة .
وهذه المصطلحات التي أتحدث عنها هي كما في هذه الأمثلة (كابينة، والشارع العراقي والفضاء الوطني والتصفية والحصيلة والحصاد ) وغيرها.
في البداية أوضّح أنّ القاموس العربي لا يضم إطلاقاً تفسيراً لاستخدام مصطلح ( كابينة) في الحديث عن تشكيل حكومة، بل إنّ القاموس العربي لا يورد أي تفسير آخر لهذا المصطلح سوى ( غرفة تبديل الملابس) عند المسبح .
وتشير قواميس اللغة كذلك الى معانٍ مختلفة وطريفة لمصطلح (كابينة) الذي يتداوله الساسة هذه الأيام، بالإشارة الى كابينة مجلس الوزراء ، ويوحي تعريفهم لـ”الكابينة” الذي يتداوله ساسة الصدفة بالكثير لدى سواقي المركبات الحديثة، أو ما وصلنا من ابتكارات الستوتة والتكتك وابو صابر، فكلهم يتحدث عن الكابينة الوزارية!
فهذه كلها تتطلب درجة عالية من التحكم والانتباه لاسيما القيادة في (الشارع العراقي)؟ الذي تعج وتتزاحم فيه أحدث الآليات والدراجات النارية والهوائية، وكل موديلات المركبات ووسائل النقل الحيواني وحمير السكلات التي تنقل المواد الإنشائية، وكلها تتحرك في فوضى يسمّونها ديمقراطية !
والكابينات هي حجرة في السفينة أو الطائرة أو القطار أو حجرة على شاطىء البحر يخلع فيها المستخدم ثيابه او يلبسها.. وهنالك أنواع من الكابينات في محلات المساجات ولها استخدامات أخرى نتجنب ذكرها خشية للتأويلات المشاكسة، وهذه الكابينات محلية الصنع وبعضها مستورد من أمريكا أو العم “ابو ناجي” أو دول الجوار او بالتوافق.
واضاف إليها ساسة الغفلة آلية جديدة هي الترشيح الالكتروني للمناصب الحكومية، وتجاوز عدد عشاق الكابينات الوزارية عشرات الالاف، وقاد هذا “العشق” بعض الأميين المصابين بداء وهم القدرة ، إلى الترشيح لكابينة وزارة الثقافة، فيما تقدّم الهاربون من الخدمة العسكرية لتولّي منصب الدفاع.
وهنالك كابينات خشبية يبنيها أصحابها في الغابات او على شاطىء البحر أو في حدائق بيوتهم يمكنهم قضاء بعض الوقت فيها .
وكذلك فإن التسمية الرسمية لكشك شرطي المرور أو المظلة التي تقيه من المطر والحر، ( كابينة) ، أيضاً.
ولاحظت أنّ بعض الفضائيات العراقية يستخدم هذا المصطلح في التعبير عن التشكيلة الوزارية ، فما هو مصدر استخدامها رجاء ؟
كذلك المصطلحات العجيبة التالية:’
– الفضاء الوطني
– الشارع العراقي
– تصفية واغتيال وقتل
حصيلة انفجار ! وكأن الانفجار ينتج حصيلة انتاج وليس ضحايا ابرياء!
وإذا ما تركنا استخدام كلمة ( حصيلة ) في الحديث عن عدد ضحايا فيضان أو حريق أو سيول ، نجد أن استخدامها الخاطىء يتكرر في حديث ( المثقفين الجدد) والمذيعين والمذيعات العربيات في تعدادهم لضحايا انفجار إرهابي او اعتداء إجرامي ، وكأن أولئك الضحايا هم نتيجة (حصيلة إيجابية ) لذلك الانفجار أو الاعتداء .
إنها ليست محصول حصاد لحقل قمح أو ذِرة أو حصاد بستان نخيل أو تفاح او برتقال .
وألغى ساسة ما بعد الاحتلال الشعب وحولوه إلى مصطلح هجين هو (الشارع العراقي)، وجريمة الاغتيال الى ( تصفية) وكأن من جرى قتله هو شخص( زايد) على حاجة المجتمع!
لاحظوا رجاءً كلمة تصفية هنا ، والضحية هو الطبيب الفلسطيني حسام أبو صفية الذي اعتقلته القوات الاسرائيلية في تدميرها لمستشفى كمال عدوان في قطاع غزة.
أليست كلمة ( تصفية) هي عند بعض الصحفيين قد أصبحت بديلاً لكلمة جريمة واغتيال ؟
كل هذا، ثم يأتي المصطلح الانهزامي للقنوات الفضائية والصحف العربية في الدول العربية والأجنبية بتسمية كل عدوان اسرائيلي غاشم في لبنان وسوريا وفلسطين بمصطلح ( استهداف) دون استخدام (غارة) أو ( عدوان).
يقول المراسل الصحفي إن الغارات جرت لكن مذيع المحطة الفضائية يُصِرُّ على خطئهِ ويكرّر كلمة استهداف!
تقول غادة السمان في إحدى ملاحظاتها بصحيفة القدس العربي في 23 تشرين الثاني 2018 :
أما (المذيعة) / المذيع العربي، فقد أدمن مساواة الخطأ مع الصواب، فإذا أخطأ لا يقول كلمة عفواً ويقول بعدها الصواب، بل يستعمل عبارة (أو ) كأنَّ قوله (عفواً) ينتقص من قَدْره وقيمته.
المذيعات/المذيعون في «القسم العربي» في الإذاعة البريطانية B.B.C. لندن يحرصون على إتقان اللغة العربية ويحترمون مخارج الحروف أكثر من المذيعين (المحليين)، حتى إنني صرت أحياناً أستمع إلى نشرة الأخبار بالعربية من لندن كهدنة مع غضبي لإهانة اللغة العربية بالقول (أو) بدلاً من (عفواً) . انتهى الاقتباس
وهكذا، فإنّ المذيعين والمذيعات والصحفيين والصحفيات الذين يستخدمون كلمات لا يفهمون معناها، يهينون اللغة العربية. واللغة العربية أيها الناس هي الوطن.
كذلك هنالك مذيعات عربيات في القنوات الفضائية العربية يكثرن من استخدام ( يعني ) في استجوابهن للمحللين، حتى يكاد استخدامهن لهذه الكلمة أكثر من كلمات السؤال !
ويكثر استخدام ( يعني) عند المذيعات العراقيات واللبنانيات وبعض المذيعين العرب.
وبِدْعة أخرى أدخلها من لا يفهم العراق والعراقيين ( مكوّن )! فهل لدى الطارئين على العمل السياسي الذين وضعهم الاحتلال في مناصبهم، أن الشعب العراقي هو طبخة إحدى الأكلات الشعبية التي تتضمن ( مكوّنات) الطبخة من لحم ودجاج وفلفل وملح وبهارات ؟
العراقيون هم أهل العراق.
وليس بينهم مكوّنات لكنهم شرائح مجتمع وأبناء وطن واحد على الرغم من كل كوارث الاحتلال والطائفية وجرائم الثأر والقتل التي يرتكبها تجار الحروب !
من ناحية أخرى مقدم برنامج عندما يتفلسف يقول في مقدمة حديثه ( تحتار تخليلها عنوان، وتحتار تخليلها تايتل)!
الكلمتان أيها الفهيم: العنوان والتايتل هما بالمعنى نفسهِ: عربي وانكليزي!
شاهدت ذات مرة على قناة فضائية عراقية مذيعاً مبتسماً بفرح لإجابة حسن العلوي على سؤال له عن معرفته بالملك فيصل الثاني.
ردَّ العلوي بأنه عندما كان يسبح في نهر دجلة كان الملك الطفل فيصل وهو يجلس في الشرفة يلوح لهم بيده !
والمذيع الضاحك فرحاً لم يكن يفهم في جغرافية بغداد اطلاقاً ، لأن نهر دجلة يبعد أكثر من كيلومترين عن القصرين الملكيين في الحارثية قصر الزهور وقصر الرحاب مملوءة بالمزارع والنخيل والأشجار الأخرى والبساتين. فكيف كان ( زرقاء اليمامة ) يرى الملك يلوّح له بيده من شرفة القصر؟
ملاحظة أخيرة عن المصطلحات الجديدة في الصحافة العراقية.
برغم معارضتي لاستخدام مصطلح(إعلامي) بدلاً من (صحفي) في الصحافة العراقية ، وجدت ظاهرة ليست منطقية، حينما يشير البعض الى طه البصري أو صباح ياسين بالقول ( الإعلامي نقيب الصحفيين) !
إنه نقيب الصحفيين ولا يسمونه ( الصحفي) فلان نقيب الصحفيين! وكلاهما اشتغل رئيساً لتحرير الجهة التي عمل فيها،