العالم

غزو العراق..بداية تراجع احترام القوانين الدولية وانهيار نظام رعته أميركا منذ سنة 1945!!     

خلاصة أعدّتها “برقية”

     أوضح غسان سلامة، البروفيسور السابق في معهد العلوم السياسية، أنّ الولايات المتحدة بغزوها للعراق سنة 2003 من دون قرار من الأمم المتحدة، شكّل نقطة تحوّل رئيسة عمّا أسماه “النظام الدولي الحالي” السائد منذ عام 1945، أي نهاية الحرب العالمية الثانية. وقال في حوار موسّع أجرته معه صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية إنّ أميركا التي أسهمت في خلق هذا النظام، أسهمت أيضاً في أنْ يؤدي غزوها للعراق إلى تراجع احترام القوانين الدولية وتشجيع بعض الدول على تجاوزها.  

       وفي الحوار الذي أجراه ميشال أبو نجم في باريس مع سلامة الذي كان أيضاً  ممثلاً سابقاً للأمين العام للأمم المتحدة، ناقش الأخير أبرز القضايا الدولية والتغيّرات التي يشهدها النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين، مشيراً إلى أنّ انقضاء الربع الأول من القرن الحالي شهد تحوّلات كبيرة في السياسة الدولية، حيث تزايدت الاضطرابات والنزاعات المسلحة بعد فترة من الانفراج عقب انتهاء الحرب الباردة.  

                                  20 دولة نووية!!

    سلامة لفت إلى أن النظام الدولي شهد العودة إلى سباق التسلح بعد فترة من تخفيض الإنفاق العسكري في التسعينات. فقد عملت الدول الكبرى على تحديث وتعزيز ترساناتها النووية، مثل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، بينما تسعى الصين إلى زيادة عدد رؤوسها النووية بشكل كبير بحلول عام 2030. وأشار إلى أن هناك نحو 20 دولة قادرة على أن تصبح “نووية” في غضون عام واحد، مما يعكس اتساع دائرة التوترات النووية على مستوى العالم!!.

                              إعادة التوازن العالمي

      و أكد أن هناك تكتلات مثل “البريكس” و”منظمة شنغهاي” التي تسعى إلى موازنة الهيمنة الغربية المتمثلة في حلف شمال الأطلسي. ورغم ذلك، أشار إلى أن هذه التكتلات لم تُحقق التماسك الكافي لتحدي الغرب بشكل جماعي، خصوصاً بسبب التباين الكبير في الأنظمة السياسية بين أعضاء “البريكس”، مما يجعل من الصعب عليها أن تتحول إلى حلف عسكري مشابه لحلف الناتو. وقد ظهر تباين بين الدول الكبرى مثل الصين وروسيا والهند في رؤيتها لتوازن القوى العالمية.

                               التنافس الأميركي-الصيني

       وشدد غسان سلامة على أن الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة والصين، التي يسعى الغرب إلى تأسيسها، لا تزال مشروعًا لم يتحقق بالكامل بعد. في رأيه، لا تدعم الكثير من الدول الكبرى هذا النظام الثنائي، إذ أن دولًا مثل الهند والبرازيل وروسيا تفضل الحفاظ على استقلالها وعدم الانضمام إلى أي قطب عالمي. كما أشار إلى أن الصين تواجه تحديات عدة في محيطها الإقليمي بسبب النزاعات مع جيرانها، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى التركيز على الصين كتهديد استراتيجي، مع تقلبات أخرى مثل النزاعات في أوكرانيا والشرق الأوسط.

                                     الأوبئة العابرة للحدود

        وأشار إلى أن الأوبئة، مثل جائحة “كوفيد-19″، أظهرت هشاشة النظام الدولي في مواجهة الأزمات الصحية. فقد ساعدت العولمة في انتشار الأوبئة بسرعة، وأظهرت الفوارق الكبيرة في القدرة على التعامل مع الأزمات بين الدول المتقدمة والدول النامية. على سبيل المثال، تمكن الاتحاد الأوروبي من شراء لقاحات بأعداد كبيرة، في حين أن الدول الأفريقية كانت في حاجة ماسة للمساعدة، ما أظهر التفاوت العالمي في الاستجابة. وأكد أن الأوبئة المستقبلية ستتطلب استراتيجيات شاملة للتعاون بين الدول وتطوير أنظمة صحية فعالة.

                                   اضطرابُ العالم العربي

    وفيما يتعلق بالعالم العربي، قال سلامة إن هناك عديد العوامل التي تؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، مثل اللامساواة الاقتصادية بين الدول العربية والتزاوج بين الانفجار السكاني والتصحر وفقدان الموارد الطبيعية، كما في سوريا. وتابع أن سوريا تمثل مثالاً صارخاً على عدم الاستقرار، حيث يتجمع فيها أربعة عناصر رئيسية: التصحر، الانفجار السكاني، تدهور فرص العمل، والتمييز الطائفي. وأكد أن الاستقرار السياسي في العالم العربي يتطلب معالجة هذه القضايا الأساسية بتوجيهات حكومية متكاملة.

                                       شيخوخة أوروبا..والهجرات  

    أكد سلامة أن الهجرات ستظل أحد الموضوعات البارزة في المستقبل، نظراً للتفاوت الكبير في النمو السكاني بين القارات. فقد لاحظ أن الدول المتقدمة، مثل إيطاليا وإسبانيا، تواجه تراجعًا في أعداد السكان الشباب بسبب شيخوخة السكان، بينما في بعض الدول النامية، مثل أفريقيا، لا تتوفر فرص العمل للشباب، مما يؤدي إلى هجرات جماعية نحو الدول الغنية. وأوضح أن الحلول الأمنية التي تبنتها بعض الدول الأوروبية لوقف الهجرات لم تكن فعالة، ويجب على هذه الدول أن تعترف بالحاجة للهجرة لأسباب اقتصادية واجتماعية.

                                   تأثير الثورة الرقمية   

   سلامة تحدث عن دور الثورة التكنولوجية، خصوصاً الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في تغيير آليات إدارة الشؤون الدولية. فقد سمحت هذه الثورة بسرعة التواصل وتنظيم المظاهرات والتعبئة الاجتماعية، لكنها أظهرت أيضًا أنها لا توفر القدرة على تنظيم التحركات الجماهيرية أو قيادة حركات سياسية منظمة. وأوضح أن التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي، أصبحت أداة قوية في إدارة الحروب الحديثة، مشيرًا إلى أن إسرائيل استخدمت الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف في حروبها ضد غزة ولبنان. ولفت إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بشكل أكبر في مستقبل الحروب والصراعات.

                                  قوة الدولار مستمرة

  بخصوص الدولار الأميركي، أكد سلامة أنه رغم التوقعات المتكررة بنهاية الدولار كعملة احتياطية عالمية، إلا أنه لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة قوية. حيث يشكل الدولار أكثر من نصف المبادلات التجارية العالمية ويملك القدرة على التأثير في اقتصادات الدول الأخرى، بفضل سيطرة الولايات المتحدة على النظام المالي الدولي. وأشار إلى أن دولًا مثل “البريكس” حاولت إنشاء عملة موحدة، لكن التماسك الداخلي لهذه التكتلات لا يزال ضعيفًا، مما يحول دون استبدال الدولار في المستقبل القريب.

                                      خلاصة

   أخيرًا، أشار غسان سلامة إلى أن النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين يواجه العديد من التحديات، بدءًا من التوترات الجيوسياسية، مرورًا بالأوبئة والهجرات، وصولاً إلى تأثيرات الثورة التكنولوجية. في ظل هذه التغيرات، يبقى من الصعب التنبؤ بكيفية تطور الأوضاع على المدى الطويل، إلا أن الواقع الحالي يعكس وجود صراع مستمر بين القوى الكبرى، وتغيرات جذرية في العلاقات الدولية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة