العراق

عودة الروح  إلى بغداد *

     يتابع الناس باهتمام محاولات صيانة وترميم المعالم القديمة في بغداد وآخرها -ونأمل ان لا يكون أخيرها- إحياء أبرز المواقع التراثية في شارع الرشيد، وهو من أقدم شوارعنا وموطن ذكرياتنا الشخصية والوطنية.

    وهذه الخطة لا تهدف لإظهار ما اندرس من معالم لمبانٍ وشوارع بل يمتد وعي الإعمار لتنشيط الذاكرة الشعبية وتحويل اتجاهاتها لتفعيل منظومة قيمية في ذهن المواطن ترسخ هويتنا واهتماماتنا المشتركة ، ولهذا تتجه الجهود لبعث الحياة في رمزية تلك الاماكن وقيمتها في التاريخ الوطني والذاكرة الشعبية ويتم ذلك من خلال تجسيد المعلومات عبر فعاليات فنية وثقافية وأدبية واقتصادية تسلط الضوء على حقب  مضيئة في نضالنا الوطني والانساني وهو ما يحدث الآن فعلياً في شارع المتنبي.

       ولابد من لفت الانتباه الى أهمية هذه العملية الجراحية لانقاذ مديتنا التي طمرها الاهمال والنسيان وسرق الأضواء منها انشغال اجيالنا بما أنتجته الحضارة الحديثة من وسائل جذب غيرت ترتيب وأجندات اهتماماتنا من التفكير والثقافة الى الترفيه المستهلك للوقت والطاقة بل جرفت هذه المبتكرات وسرعة انتشار الأخبار والتصريحات حتى الجيل المحسوب على العقلانية والوطنية للانجرار خلف معارك تافهة مبالغ فيها تغذيها دوافع الجهل ومصالح شخصية وفئوية مريضة  فكانت المفاجأة في الأسبوع الماضي معارك وصراعات ثبوت رؤية هلال العيد التي كادت أن تضرّج الشارع بالدماء!.

      وهذه لعمري فضيحة تفرغ الدين من محتواه وتوظفه للانشقاق بدلاً من الوحدة والاتفاق. وتكشف عن زيف ثقافتنا وهشاشة وحدتنا، ولعل ما تُبذل من جهود هي محاولة نبيلة لجمع شتات الذاكرة البغدادية والعراقية لتكون نواة وحدتنا حين تفرقنا اجتهادات طائفية  نريد وأدها الى الأبد!.

    وفي الوقت الذي نثمن ما تقوم به رابطة المصارف الأهلية ورئيسها العراقي الغيور  السيد وديع الحنظل وبالتعاون مع البنك المركزي العراقي وأمانة بغداد ونخبة من المعماريين والاداريين والمثقفين  من مشاريع تركت بصماتها على شوارع وساحات بغداد نقترح ان تكتمل الصورة بالاستماع لآراء بعض المهتمين بتاريخ بغداد ومن اصحاب الرؤى لكيفية  الاحياء وطرقه وخريطته التكاملية وتوظيف ذلك  في مشاريع ثقافية وسياحية  لتكتمل حلقات الاعمار المادي والمعنوي. ويجب أن يرافق ذلك طبعا مشاريع البنية التحتية وهذا من واجبات الحكومة.

        نؤكد سعادتنا لإنهاض بغدادنا ونحلم أن تطلع هذه الجهات على ما اقترحناه سابقاً من امتدادات لشارع الثقافة والسياحة وأن لا تتوقف المشاريع عند حفل الافتتاح ويَعْلَقُ المشروع كما حدث في شارع ابي نؤاس.. ولعل إحياء المقاهي البغدادية القديمة التي كانت ملتقيات للنخب المثقفة ومنها ما شهد حفلات لكوكب الشرق ام كلثوم ونجوم المقام العراقي القبنجي والقندرجي ويوسف عمر … نعم لتكتمل الصورة وتتحول الثكنة العسكرية في باب المعظم لمتحف عن تاريخ الجيش العراقي.

     ويحذونا الأمل لإعادة إظهار وإعمار أسوار وابواب بغداد المدورة، فسيكون ذلك إنجازاً تاريخياً غير مسبوق ويتحول جامع الرحمن المهجور بعد انتهاء اغتصابه من أحد الاحزاب لمتحف للفن الاسلامي قبل السطو عليه وتحويله لمول او مجمع استثماري لاصحاب المليارات… وعسى ان تنتقل هذه الروح لمجالس المحافظات ويحولون مليارات حملاتهم الانتخابية المبكرة لإحياء تراث مدنهم فهى الأبقى وكراسيهم النيابية هي الزائلة اليوم او غداً.. ولا يصح الا الصحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  *نشر المقال في صحيفة “الزمان” البغدادية في الزاوية الأسبوعية الثابتة “لمن نقرع الأجراس؟”، وأكثر الصور استللناها من كتاب شارع الرشيد لمؤلفه زميلنا الصحافي المترجم الأستاذ الصديق سعدون الجنابي.  

مقالات ذات صلة