فكر

عودة إلى الجذور..”حول المسألة اليهودية”..ج2.. وخلاصة أفكار حلّ التناقض بين اليهودي والمسيحي!!

                                              (2)  

      برونو باور: يجب أنْ يتخلّى اليهودي عن يهوديته ليتحرّر كمواطن                                     

     يُواجِهُ اليهودي الألماني”1″ خاصة انعدام التحرّر السياسي، بوجهِ عامٍ ومسيحية الدولة الواضحة. إلا أنّ المسألة اليهودية تكتسب في رأي باور”2″ أهمية عامّة مستقلة عن الظروف الألمانية. إنها مسألة علاقة الدين بالدولة والتناقض بين التحيّز الديني والتحرّر السياسي. يُطرَحُ التحرّر من الدين كشرط أمام اليهودي الذي يريد أن يتحرّر سياسياً والدولة التي ينبغي أن تحرّره وتكون نفسها متحررة، على السواء.

   يقول المرءُ حسناً، ويقولها اليهودي نفسه أيضاً، إذ لا ينبغي لليهودي أنْ يحرّر نفسَهُ كيهودي، وليس لأنه يهودي، وليس لأنه يملك مبدأ إنسانياً مصيباً للأخلاق، بل أكثر من ذلك سيتراجع اليهودي خلف المواطن ويكون مواطناً رغم كونه يهودياً، وينبغي أن يبقى يهودياً، رغم كونه مواطناً ويعيش في ظروف إنسانية عامة: إنّ طبيعته اليهودية المحدودة تنتصر دائماً وأخيراً على واجباته الإنسانية والسياسية. يبقى الحكم المسبق رغم ذلك بطغيان المبادئ العامة عليها. ولكنها حين تبقى فإنها تطغى على كل ما  عداها.

   “لا يستطيع اليهودي أن يبقى يهودياً في الحياة العامة للدولة إلا سفسطائياً فقط، ظاهرياً. وإذا أراد أن يبقى يهودياً سيصبح المظهر المجرّد وجوده الجوهري وينتصر، هذا يعني أنَّ حياته في الدولة ستصبح مجرّد مظهر أو استثناءً مؤقتاً للجوهر والقاعدة. (قدرة يهود ومسيحيي اليوم على التحرر، الملزمة الحادية والعشرون، ص 57).

    لنسمع من ناحية أخرى كيف يطرح باور مهمة الدولة.

     “لقد منحتنا فرنسا مؤخراً (مناقشات مجلس النواب في 26 ديسمبر 1840) فيما يتعلق بالمسألة اليهودية -كما تفعل في جميع المسائل السياسية الأخرى في القانون- مشهد حياة حرة، ولكنها تخرق حريتها في القانون، وهكذا تجعل منه مظهراً، ومن جهة أخرى تنقض قانونها الحر من خلال الفعل.” (المسألة اليهودية، ص57)

     “لم تصبح الحرية العامة في فرنسا قانوناً بعدُ ، ولم تُحل المسألة اليهودية أيضاً، لأنّ الحرية القانونية -التي يتساوى فيها جميع المواطنين- في الحياة تسيطر عليها وتقسّمها الامتيازات الدينية تصبح محددة، وانعدام حرية الحياة هذا ينعكس في القانون الذي يرغم بدوره على الموافقة على تقسيم المواطنين الأحرار إلى مضطَهَدين ومضطَهِدين” (ص 65).

    وإذن فمتى ستُحل المسألة اليهودية بالنسبة لفرنسا؟

   “يجب أنْ يكون اليهودي على سبيل المثال قد كفَّ عن أنْ يكون يهودياً، حين لا يدَعُ قانونه يعيقه عن أداء واجباته إزاء الدولة وشركائه في المواطنة، أي أن يذهب مثلاً في يوم السبت”3” إلى مجلس النواب ويشارك في المناقشات العامة. يجب إلغاء كل الامتيازات الدينية بشكل عام بما في ذلك أيضاً احتكار كنيسة ذات امتيازات خاصة، وإذا كان البعضُ أو العديدون أو الغالبية العظمى لا تزال تعتقد أن عليها أن تؤدي واجبات دينية، فينبغي أن يترك ذلك لهم كمسألة شخصية بحتة.” (ص 65) “لا يعود ثمة دين حين لا يعود ثمة دين يتمتع بالامتيازات. خذوا من الدين قوته المُميِّزة له فلا يعود له وجود.” (ص66) “حسناً، فكما رأى السيد مارتان دي نور في اقتراح عدم ذكر يوم الأحد في القانون طلب الإعلان بأن المسيحية كفت عن الوجود، فإنّه بنفس الحق (وهذا الحق مبرّر تماماً) سيكون الإعلان بأنّ قانون السبت لليهود لم يعد ملزماً، سيكون إعلان حل اليهودية.” (ص71)

    وهكذا يطلب باور أن يتخلّى اليهودي عن يهوديته والإنسان بوجه عام عن الدين من جهة، ليتحرّر كمواطن. ومن جهة أخرى يعتبر الإلغاء السياسي للدين كتبعة لذلك إلغاء للدين بشكل عام. إنّ الدولة التي تشترط الدين لم تصبح بعد دولة حقيقية، دولة واقعية.

     “إلا أنّ التصوّر الديني يعطي للدولة ضمانات. ولكن أي دولة؟ أي نوع من الدول؟” (ص 97)

     في هذه النقطة يظهر المفهوم أحادي الجانب للمسألة اليهودية.  

                                                         “يتبع”

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  هوامش:

  “1” سنة مناسبة الحديث 1843..

   “2” برونو باور، الفيلسوف الألماني الهيغلي، صاحب كتاب “المسألة اليهودية” الذي تولّى كارل ماركس مناقشة أفكاره.

   “3” اليهود يحرّمون على أنفسهم العمل والصيد في أيام السبت، ونجحوا في تعطيل العمل يوم “السُبُوت أو الأسبُت” في أنحاء كثيرة من العالم. بل صار كثيرون من مسلمي العالم، يعملون الجُمعَ، ويُعطّلون في السُبوتِ والآحاد. أما المسيحيون فقبلوا بالتعطيل في اليومين المذكورين تحت مسمى “Week End” عطلة نهاية الأسبوع!.

         خلاصة فكرية:   

     ننشر هنا خلاصة ما نشر في الجزءين، لاستفادةٍ ربّما تكون مطلوبة عند بعض قرائنا الأحبّة: ثمّة وصفٌ محدّدٌ لـ”اليهود” بأنّهم أنانيون، لأنّهم يطالبون بـ”تحرّر خاص” بهم فقط لأنّهم يهود!. وهم لا يُعنوَن بالتحرّر البشري. ويرى باور أنّ الذي يتمسّك بجوهره الديني سواء أكانَ يهودياً، مسيحياً، أو غير ذلك، يعجز عن تحقيق التحرّر. ويثبّت الفيلسوف باور قوله: (إذا أراد اليهودي التحرّر من الدولة المسيحية، يجب أنْ يتخلى عن أحكامه الدينية) حينئذٍ تتحق مساواته بغيره من مسيحيي الدولة الألمانية، موضوع الحديث.

     -وينتقد باور فكرة تعامل اليهودي مع الدولة الألمانية بمنظور غريب، فهو يتمسّك بفكرته عادّاً نفسه جزءاً من “الشعب المُختار”. وينظر كل من برونو باور وكارل ماركس إلى أنّ حلّ التناقض بين اليهودي والمسيحي يكمن فقط في “إلغاء الدين” نفسه، حينها سيُدرك كل طرف أنّ “الدين” مجرّد مرحلة في تطور الفكر الانساني، وسيرتكز التفاعل بينهما على علاقة علمية وإنسانية بدلاً من علاقةٍ دينية.  

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق