عراقيون في الخارج: “أنت أينما حَلَلْتَ في دمي” يا عراق..



قرأتُ أن شاباً عراقياً يُعالَج إثر مرض في دولة عربية، فأحتاج مبلغاً من المال لم يكن بحوزته، فطلب من موظف المستشفى أن يَخرج للشارع ويطلب المال من أي عراقي يصادفه، وفعلاً تمكن الموظف بسهولة أن يجد شابين عراقيين يمرَّان بالمصادفة، تعرَّف عليهما من لكنتهما العراقية، وقال لهما إنَّ عراقياً يرقد في المستشفى، بحاجة للمساعدة، فخفَّ الشابّان إلى المستشفى، وتعانقا مع العراقي، وكانا قد جلبا معهما فواكه، وقدَّما المال اللازم لإدارة المستشفى، وكان نحو 150 دولاراً، وجلسا يتحادثان ويمزحان مع الشاب العراقي، وعندما نهضا ليغادرا، وضعا تحت وسادته بصمت أكثر من 1000 دولار. هذا التصرف أذهل موظفي المستشفى بهذه المساعدة والكرم الأخوي.
قرأت هذا بالأمس وأعترف أنّه هزني بشدة … وتذكرت أننا في وزارة الخارجية، كنا نقدم العون في مثل هذه الحالات الطارئة، ونقدم المساعدة المالية، وتُسترد حين يعود العراقي للوطن. ويطلق على المعاملة (مساعدة معوز) وقد قمت بها أكثر من مرة خلال خدمتي الدبلوماسية.

أذكر أني بعد خمسِ سنوات من الاحتلال الذي لم يَحْتل نفوسنا وأبقانا عراقيين بحمد لله، كنت أسيرُ في أحدِ شوارع مدينة عمان الرئيسة (الجاردنز) شاهدت شاباً يركض ويعبر الشارع العريض ويتجه نحوي، ووقف أمامي وقال (أنت عراقي مو ….؟). فأجبته نعم .. فقال” انطيني 15 دينار محتاجهم ” فمددت يدي وأعطيته المبلغ، فنظر إلي دون انكسار في عينيه وقال “هذا حقي عليك .. مو منيه منك .. آني عراقي”.. فأجبته بود ” لا مو منيه أنت أخي … وتتدلل. “. والله فرحت من كل قلبي لأن هذا العراقي طلبها مني وليس من غيري..
ومرة قبل سنوات كنت أسير في ساحة الكسندر بلاتس Alexanderplatz ببرلين، تقدم نحوي رجل ربما في الأربعينيات من العمر، تبدو البساطة في مظهره، وقال لي بثقة “أنت عراقي ..؟ قلت له نعم تفضل … قال “إنطيني 20 يورو لأتغدى بها”.. وبدون تردد أعطيته المبلغ وقال لي: صعب علي أن آخذها من شخص غيرك، أشكرك!.
تذكرت صديقي الشاعر المرحوم شريف الربيعي الذي كتب في قصيدة له يصف وجعه العرا قي متوجعاً متألماً ….. ” فأنتَ أينما حلَلْتَ في دمي …. ” .
نعم … أنت أينما حللت في دمي يا عراق … إلى آخر يوم في العمر في عناق أبدي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

***كلمة لا بُدَّ منها: تسلّمتُ هذا النص الجميل من صديقي العزيز اللواء د. أكرم المشهداني، مشفوعاً بعبارة: “أعجبني المقال، فأحببتُ أنْ أطلعك عليه.. نحن بحاجة إلى تنشيط المشاعر الحُبيّة بين العراقيين، وتأكيد الولاء للعراق”. صدقت يا باشا، وأحسنتَ أيُّها العراقي، البغداديُّ، الكرخيّ الأصيل.. شكراً لكم في منفاكم العربي، بالدوحة، وأيضاً منفاكم التركي، باسطنبول الحبيبة إلى القلب، والامتنانُ موصول للدكتور ضرغام الدباغ في منفاه بألمانيا…..صباح اللامي من منفاي بكالغري-كندا