طه جزّاع يذكّر”المبدعين”بحكمة 6 عقود زيد الحلّي*
في كتابه السابع يخرج الصحفي المخضرم زيد الحلي من دائرة الذكريات التي سطَّرها في كتابه الأول «خمسون عاماً في الصحافة» لينقل القراء إلى عالم الانطباع والرؤية الشخصية للأحداث والشخوص في « كثير من الانطباع.. قليل من النقد» الكتاب الذي قدم له علي حسن الفواز، وضم بين صفحاته 60 حكاية انطباعية وهي بعدد سنوات عمله في الصحافة العراقية منذ بواكير شبابه.
وتأتي أهمية هذه الانطباعات في مسيرة الحلي الطويلة التي قطعها في أروقة العمل الصحفي بمختلف صفاته ومسمياته ومسؤولياته، من قربه ومتابعته لشخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية ورياضية وأدبية وفنية وصحفية، ومن طبيعة شخصيته الديناميكية التي أتاحت له الاطلاع على الكثير من الأحداث والمواقف والقضايا المشوقة والمثيرة، والتي ما كانت لتصل إلينا لولا امتلاكه الحس الصحفي المُرهف، والعين الذكية المُراقِبة، والقلم السلس المتحفز، والرغبة في المغامرة التي هي من سمات العمل الصحفي، ومن طبيعة مهنة البحث عن المتاعب لا المكاسب.
يكفي أن نذكر أسماء الذين مرَّوا في حياة الحلي لنعرف حجم المساحة التاريخية التي يغطيها الكتاب من حكايات الإبداع العراقي، من هادي العلوي والجواهري والبياتي ولميعة عباس عمارة وعبد الرزاق عبد الواحد ومحمد سعيد الصكار وحميد سعيد وموفق خضر وعزيز السيد جاسم ويوسف الصائغ وقيس لفتة مراد الذي خذله النقاد وزكي الجابر وعبد الرحمن مجيد الربيعي وصباح عطوان وعبد الستار ناصر ويحيى السماوي وقاسم حسين صالح وعدنان الصائغ وجواد الحطاب واحمد هاشم ومحمد علوان جبر ويوسف أنطون وصلاح الدين خليل، مروراً بنازك الملائكة وابتسام عبد الله ونادية الدليمي ومها محمد حسن ورنا جعفر ياسين، ولا ينسى زملاءه وأصدقاءه المقربين ومؤلفاتهم أمثال عبد الحسين شعبان في كتابه « تحطيم المرايا – في الماركسية والإختلاف، « واحمد عبد المجيد في كتابه الحواري « الأهوال والأحوال «، وصادق الجمل في روايته «الآنسة»، وعبد الهادي مهودر في كتابه الأكاديمي « احتلال الصحافة «، وعمر علي حيدر في « مذكرات شيخ جامع «، وكاتب هذه السطور في كتابه « كوابيس ليلة صيف». وبذلك يطوف بنا في حقبة زمنية تمتد لستة عقود متواصلة من العمل الصحفي خاضها بلا انقطاع ولا تلكؤ ولا استراحة، فيها كل ما هو ممتع وشائق وطريف، يختمها بحكاية ودرس من دروس الكبار للأجيال الصحفية والأدبية والأكاديمية على السواء عن علي الوردي الذي أطلق عليه الحلي ذات عام وهو يضيفه في نقابة الصحفيين صفة « رائد علم الاجتماع »، فما كان من الوردي إلَّا أن يرفع يديه ويمسك الميكرفون ليقول « أنا باحث في الشأن الاجتماعي العراقي، ولستُ رائداً، فقبلي كثيرون».
رحلة الستين عاماً، لخَّصها كتاب زيد الحلي بانطباعاته عن شخوصها وأحداثها، وهي بمثابة دعوة لكل صحفي وكاتب حقيقي بأن لا يهمل شيئاً مما يمر به خلال عمله وحياته، فوراء كل شخص حكاية، وخلف كل موقف ألف حكاية وحكاية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*حكمة الزميل الأستاذ”زيد الحلّي” في التوثيق الصحافي، مثلما أشار إليها الزميل الدكتور طه جزاع في استنتاج مقاله عن إصدار كتاب “كثير من الانطباع، قليل من النقد”، تكشف لنا أنّ الصحافي من دون توثيق يفقد -وأقولها بلغة مجازية- نحو تسعين بالمائة من وزن تاريخه المهني. تحية للأستاذ الحلّي على ما أعطى الأجيالَ من درسٍ قمينٍ بأنْ يُتعلّم جيّداً من سائر من يشتغلون بالإبداع الفكري والانتاج الأدبي والعمل الصحافي والجهد الأكاديمي. والشكر للدكتور جزاع الذي سجّل دعوته لجميع الكتاب والصحافيين لكي لا يهملوا شيئاً مما يمرُّ بهم في حياتهم وعملهم “فوراء كل شخص حكاية، وخلف كل موقف ألف حكاية وحكاية”….. صباح اللامي