فكر

صدام حسين لم يكن عميلاً

    لا يا صاحبي … صدام حسين لم يكن عميلاً*

    يا صديقي الاعلامي المعروف ..

    مثلك، أنا أكره صدام حسين, لكنْ علينا أن نكون موضوعيين ومحقّين حينما نتحدّث عنه. سأقول لك: بغض النظر عما إذا كان صدام عميلاً أمريكياً أم لا, لكن المنشور الذي وجدته على صفحتك أعطاني فكرة أنك لا تقف ولو للحظة لمراجعة ما تنشره في معرض الهجوم على صدام وشتمه.

فيلمك المصور يظهر فيه مهرج أمريكي (جون بيركنز) يروي قصة توظيف صدام من قبل المخابرات المركزية مدعياً أن تلك المخابرات هي التي أوعزت لصدام أن يكون على رأس فريق اغتيال عبدالكريم قاسم عام 1959 في رأس القرية.

لمعلوماتك كان صدام حينها ما زال يافعاً ولم يكن سوى نصير مبتدئ في الحزب, ولو نزعت نظارتك المعتمة و (غَوْغَلْتَ) عينيك قليلاً لعرفت من هو الذي قاد تلك المحاولة وما هي صلتها بحزب البعث, وماذا كان سر العداء بين عبدالكريم قاسم والبعث. ولعرفت أيضاً أن صدام قد اختير  من قبل قيادة الحزب في آخر لحظة حينما انسحب أحد أعضاء فرقة التنفيذ وصار لازماً البحث عن بديل له, وكانت مهمة صدام حسين ثانوية وهي حماية فرقة التنفيذ حين انسحابها من موقع العملية.

إن إستعجال العداء بأي ثمن ونشر المعلومات دون تفحصها ولو قليلاً إنما يصب في صالح من تتحدث ضده, وربما سيحسبك الناس من أنصار صدام الأذكياء الذين يدبلجون القصص من أجل أن يراجع الناس بأثر رجعي كل ما يقوله عنه أعداؤه.

لقد كنت أنت من أنصار النظام الحالي الذي أتت به الدبابة الأمريكية فلماذا تهاجم صدام كونه عميلاً لأمريكا بالشكل الذي يأكل كثيراً من جرفك ولا يبقي لك ميناءً ترسو على رصيفه.

ندري بأن أمريكا قد تخلت عن بعض حلفائها مثل شاه إيران لكن نهاية صدام تؤكد على أنه لم يكن كما تدعي, إذ ليس من المعقول أن تلجأ أمريكا إلى وضع خاتمة لأحد (عملائها) كما فعلت مع صدام حينما قتلته وقبلها قتلت أولاده وإخوته إلى بقية القصة المعروفة.

يوم سقط الشاه كتبت مقالة فكرية عن سبب السقوط في صحيفة الثورة العراقية قلت فيها إنّ أمريكا كانت قد تخلت عنه, لكنها لم تكن هي التي اسقطته, وقد فعلت ذلك لأن اللحظة التاريخية الإيرانية لم تعد من صنعها, أما المعسكر الفرنسي الذي استضاف الخميني بعد مغادرته العراق فلأن المعسكر الغربي قد رأى أن المجموعة اليسارية الإيرانية والإتحاد السوفيتي ابان اشتداد الحرب الباردة هما المؤهلان لتصدر الموقف في إيران ولذلك رأى الغرب من جانبه أن البديل الإسلامي هو الذي سينقذ إيران من التهاوي في أحضان اليسار والحركة الوطنية. لذا فإن أمر القربى الإيرانية-الغربية هنا يدخل في مساحة التخادم وليس في مساحة العمالة.

أنت كنت في أمريكا وتعرف كيف أن الإعلام هناك لا تفوته شاردة أو واردة, فهل تتصور أن قصة (عمالة) صدام حسين لأمريكا سوف تترك لهذا المهرج فرصة أن يجعل منها عرضاً تهريجياً من الدرجة الممتازة..

بهذه الطريقة سوف تحرمنا من فرصة مراجعة تاريخنا بالطريقة التي تساعدنا على التعرف على اسرار عثراتنا الذاتية بعد أن نلقيها دون تفكير على الغرب ومؤامرته وعملائه.

هل تتذكر الرواية المزعومة لخالد عبدالناصر إبن الرئيس جمال عبدالناصر التي قالوا إنه ذكر فيها أنه كان جالساً في غرفة مدير مكتب عبدالناصر الاستاذ مجيد فريد ورأى صدام حسين في الغرفة نفسها، ثم إذا بباب غرفة الرئيس تفتح ليظهر عبدالناصر ممسكاً بيد بوش الأب حينما كان مديراً للمخابرات الأمريكية المركزية وكيف أن عبدالناصر أمسك بيد صدام لكي يعرفه على بوش الأب قائلاً: هذا رجلكم في العراق.

قلت في معرض ردي أن تلك الرواية كانت تسئ حقاً لعبدالناصر قبل أن تسيء لصدام. فهل كان خالد غبياً إلى الدرجة التي لا يفهم فيها أن قول أبيه ذاك يعني أن أباه نفسه كان عميلاً.

يا سيدي .. إن لم تكن لدينا القدرة على توثيق الموقف فلنستعمل العقل والمنطق, وها هي المكتبات العربية أمامك فاعثر لنا على ذلك الكتاب الوثيقة وسنكون لك شاكرين.

لقد كان صدام ظاهرة تمثل الجنوح الثوري, وربما الجنون الثوري الذي لم يكن يميز بين الوطن والذات, وهو داء مرحلة الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات والتسعينات, وإلى جوارنا فإن أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي كانت قد دخلت قبلنا تلك المرحلة بإمتياز, ولا تنسى الشوفينية الإيطالية والنازية الألمانية.

وفي كل معاركه بدت تلك المعارك بالنسبة لصدام وكأنها عملية ثأر لذات جريحة وطفولة محرومة منتهكة, وبلا شك أن طفولة كهذه لم يكن مقدراً لها أن تنتج لنا إنساناً سوياً.

وربما لو أنه كان عميلاً لكان أفضل للعراق والمنطقة من كونه ثورياً كارهاً لكل من حوله وجاعلاً كل حياته عملية ثأر, وحتى بأثر رجعي, من البيئة والمحيط والناس.

———————-

*راجع هذا الرابط https://youtu.be/8dNJlYAI2Ag

مقالات ذات صلة