سيرة ذاتية..”مقتل وزير”(4)..صدّام حسين كشف لأعضاء قيادته ووزرائة عن إعدام رياض ابراهيم الحاج حسين
وأتذكّر أن الصديق الأستاذ الصيدلاني أحمد إبراهيم الذي كان مديراً للإستيراد في المؤسسة العامة للأدوية قد أكَّد من جانبهِ للإعلامي المتميز الدكتور حميد عبدالله في برنامج تلك الأيام أنه كان أحد الشهود الذين استدعتهم تلك اللجنة الثلاثية وكانت شهادته قد أكدت على اهتمام الوزير بتنفيذ مضمون الكتاب المُرسل إليه من قبل الرئاسة, وأنه قد كُلِّف أيضاً بمتابعة سحب الدواء من مستشفيات وزارة الصحة في بغداد وفي بعض المدن العراقية.
وقد ذكر لي الدكتور تحسين جهاد الذي أصبح بعد إقالة د. رياض رئيساً للمؤسسة العامة للأدوية أنه قد استُدعي أيضاً وقدم في شهادته ما يؤكد اهتمام د.رياض بمتابعة الأمر الخاص بسحب الدواء.
أما الدكتور هاشم جابر رئيس الجامعة المستنصرية والعضو الأسبق في المكتب المهني المركزي للحزب فقد كلمني هاتفياً بعدما وضع متفضلاً مداخلته على مطبوعي السابق مؤكداً تماما على ما جاء في شهادة الدكتور سعدون التكريتي. وأما المشهد المفصلي في هذه الشهادة فقد كان حول الدور الذي لعبه الدكتور الجراح يوسف النعمان حيث أكد الرجلان على أن الدكتور النعمان لم يكن هو الذي قام بالعملية الجراحية لأحد أقارب الرئيس كما هو شائع بين الناس وإنما الذي قام بها هو الدكتور سعد الوتري المعروف بعلمه الغزير وأخلاقيته العالية. أما مكان العملية فقد كان مستشفى الجملة العصبية وليس مدينة الطب.
وهناك أيضا ما هو جدير بالذكر, فالمريض نفسه لم يكن من جرحى الحرب وإنما تهشم دماغه بفعل صِدام سيارته بسيارة مواطن آخر, وقد كان الجريح ابناً للسيد غالب المحمود زوج أخت الرئيس الذي طلب من جانبه أن تقوم وزارة الصحة باستدعاء فريقين متخصصين بالجملة العصبية, أحدهما أمريكي والثاني فرنسي لمتابعة ما قام به عالمنا الجليل الوتري فأكد الفريقان على أن الدكتور الوتري قد قدم أفضل ما يمكن أن يقدمه جراح وأن الموت قد حصل بسبب تناثر الدماغ من جهة الإصابة.
وقد رُوي لي أن الدكتور النعمان قد أظهر دهشته حينما عثر في غرفة العمليات على علبة قديمة من البوتاسيوم كلوريد التي لم يتم سحبها بسبب خطأ غير مقصود و(أبدى استغرابه من إهمال الدكتور رياض الأمر الرئاسي الذي كان طلب متابعة قضية الدواء), وبما أن المرافق صباح مرزا وأيضاً عبد حمود كانا في غرفة المريض فقد نقل أحدهم لصدام حسين ما قاله النعمان فأصدر صدام في (نوبة غضب رئاسية) أمراً بإيقاف الدكتور رياض في دائرة الأمن العامة, وشكلت بأمره لجنة أخرى ضمت في عضويتها كل من مدير الأمن العام الدكتور البراك والعضو القيادي سمير الشيخلي إضافة إلى الدكتور النعمان. وبطبيعة الحال فإن هذه اللجنة لم تعثر على دليل يؤكد تقاعس د. رياض عن متابعة أمر سحب الدواء من المستشفيات بعد أن ظلت الرئاسة تُردّد أن الدكتور رياض قد أمر بحفظ الكتاب الموجه من الرئاسة لمتابعة أمر الدواء بعد أن كتب عليه العبارة التقليدية : اطلعت ويحفظ.
وقد ذكر لي الدكتور سعدون خليفة أن البراك قد ارسل عليه بعد تشكيل اللجنة الأخيرة فأكد له أنّ الدكتور رياض قد قام بمتابعة أمر سحب الدواء حال تبليغه بذلك, وأن وجود علبة منسية او اثنتين ليس دليلاً على عدم المتابعة.
إنما الأمر الذي يهمني هنا, وأجزم أن ذلك نفسه ما يهم عموم الناس, هو البحث عن المشهدين الأهم اللذين لم يجرِ التطرق إليهما في قصة القتل, وأولهما : لماذا تم القتل أصلاً ؟ وهل أن ذلك كان قد جرى بسبب الدواء ؟ أم أن قصة الدواء كانت قد استدعيت بعد القتل ثم جرى النفخ فيها ومَنْتجَتَها حتى تكون قصة الاغتيال مقنعة في أذهان الناس والعالم. أما المشهد الثاني فهو الذي يجيب على السؤال الثاني المهم وهو كيف جرى اغتيال الوزير وأين ومن الذي قام به وهل صدام هو الذي قام به ولماذا.
المعروف أن الوزير كانت جرت اقالته سواءٌ بسبب الدواء أو بسبب الود المفقود بينه وبين صدام, ثم استعملت قضية الدواء لتفعيل قضية الاقالة.
إلا أن اقالة الوزير شيء وقتل هذا الوزير شيء آخر, فلو أن كل وزير يقال كان يجري قتله لصار لدينا عشرات من الوزراء الذي يقتلون ما أن تجري اقالتهم. لذلك فإن المهم هنا هو قضية قتل الوزير وليست قضية اقالته.
الواقع أننا لم نسمع بقضية مقتل الوزير إلا بعد أن قُتل فجأة, إذ لم تجر له حتى محاكمة شكلية. كل الذي حدث بعد مقتله هو ظهور صدام على شاشة التلفزيون وهو يتحدث لإعضاء قيادته القطرية ولمجلس وزرائه ولمسؤولي اعلامه عن الحدث بعد أن انفضح أمر الجريمة وصارت القضية مثار اهتمامٍ عالمي وداخلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*سيرة ذاتية..”مقتل وزير”(4)..تحت هذا العنوان يواصل المفكر السياسي العراقي الدكتور جعفر المظفر نشر المزيد من أجزاءِ “تحقيقه في جريمة قتل صديقه، وزميله، ورفيقه الدكتور رياض الحاج حسين، وزير الصحة الأسبق، والشخصية المعروفة بعلميتها، وتفانيها في خدمة القطاع الصحي العراقي، وتأسيس قاعدته الرصينة منذ السبعينيات. وعلمت “برقية” أنّ أجزاءَ هذا التحقيق، قد تزيد على العشرة.