رأي

سوسيولوجيا عراقية[9]كلَّ سنةِ سقوطٍ، واحتلالٍ، واختلالٍ..وأنتم بشناديخَ “مُشَنْدَخَة”!! 

قالوا: أبجدْ، هوّزْ، حِطـّي، كلَمُنْ..  سعفص قرشِت ثخذ ضظغ.. وتلك “شُندوخة”..

    صاحوا: (كلامُنا لفظٌ مفيدٌ كاستقمْ.. واسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ الكلـِمْ)..وهي “شُندوخة” أخرى!.

    صرخوا: عاشَ الملك..ماتَ الملك..عاش الزعيم..مات الزعيم..وما هي إلا “شندوخة” ثالثة.

    قالوا: وطنٌ حر، وأمة عربية واحدة..والدين للّه والوطن للجميع..والجيش سور للوطن، والشباب ضمانة المستقبل، والنساء “حرائر”، و”الباجله ودهن” أحسنُ الأكلاتِ، وأنفعها للناس، فـ”شندخوا” الجميع، إلا من كان في أصلهِ وفصلهِ “شُندوخَة، مُشَنْدَخة” لحالِهِ، أو لمالهِ، أو لأمرٍ “شندوخي” آخر.

    وبعدَ شناديخَ داخليةٍ، وإقليميةٍ، وعالميةٍ، رأينا عالماً جديداً بـ”شناديخه”، فلا الليلُ ليلٌ، ولا النهارُ نهارٌ، ولا الطائرةُ طائرةٌ، ولا الجدارُ جدارٌ، ولا الشارعُ شارعٌ، ولا الدينارُ دينارٌ، ولا الإنسانُ إنسانٌ، ولا الأسنانُ أسنانٌ، ولا البائعُ بائعٌ، ولا الشاري شارٍ، ولا البطيخُ بطيخٌ، ولا التمرُ تمرٌ..

   دخلنا في غيبوبة “شُندوخية”، أصلُها ثابت وفروعها فوق الغيوم، وتحت فهرنهايت الشمس، وعلى صفحةِ وجهِ القمر.

    وبُرغم “كثرة الهُداة” ضللنا الطريق، وحَتْفَ أنفِ الديمقراطية، لا يقوى على قولِ الحقيقةِ امرؤٌ، إلا وجدَ نفسَهُ مخطوفاً، أو مسجوناً، أو “معجوناً”، أو مرمياً على قارعة الطريق، جثةً هامدةً، ومنها ما انتهشَتها الكلابُ السائبة!..  

   وبرُغمِ الفراغ، والبطالةِ، والكسادِ، والخراب، ثمَّة اكتظاظٌ نَزْفيٌّ في بغداد بالمولاتِ والمطاعمِ، والمقاهي، وقاعاتِ الأعراس، والملاهي، والسيارات، ولورياتِ الحِمْل، والشاحناتِ، والتاكسياتِ الصُفر، وشتّى أنواع المركبات الحديثة، بموديلاتِها غير الداخلة في العمر السنويّ بعد!.

   ثمّة ملايين من العراقيين، ما برحوا “خطاراً” في عواصم العالم من أوّل الدنيا حتى آخرها، وثمة ملايين من العراقيين، هجروا بيوتهم إلى حيث الخيام، والكرافانات، والأبنية القديمة، ومباني المدارس، أو ابتلعهم الضياع حيث لا عنوان لهم إلا صحراء “التيه” و”الشتات”.

    شناديخ، تتبعها شناديخ: قادة نائمون، مُخدّرون، وسادةٌ مَسودون، وسياسيون مَسوسون، وأميّون فلاسفة، وفلاسفة “مشندِخون”، وطارئون أصليون، وأصليون “تطيْرؤوا”..

   قاطٌ ورباط، مسبحة ومحبسٌ، لحية وبضع كلمات “مشندخة”، و”تَشَنْدُخ” إفلاطوني في طريقة سَبْك “القصة البطولية”، والسجن، والتعذيب، والتشرّد، والمحاربة، بشهادة اثنين، يشترطان الشهادة لهما في “التشندخ” نفسه.

    وها نحن على مقربة من ذكرى “التشندخ” الثانية والعشرين. ها نحن ندخل سنة جديدة بكل ما فيها من “شناديخ”، غير عابهين إلا بما اشتغلت عليه معاهد السياسة، ومجالس الخبرة، ومؤسسات الرأي، وماكينات “صناعة العقول”، ذلك لأننا، “عراةٌ” بثياب التَشَنْدُخ، التي إنْ لم تَشِفْ تصفْ.

    إنّ الزرازير لمّا قامَ قائمُها 

    توهّمت أنها صارت “شناديخا”

    سنة “خائبة” تلدُ سنة “خائبة جديدة”، ومعها، وفيها، وداخل دوّماتها تنتحرُ آمال، وتحترق أنفس مشرئبّة، وتبيد ذكريات، وتخرُبُ حضارات، وأيديولوجيات، وأفكار، وقصص نقشتها أيدي التاريخ القديم والوسيط على فخاريات، ومزججات، يحسبها “الأجلاف” أصناماً، وأوثاناً، وآلهة “معبودة” من دون الله، وما هي إلا إشارات، ومهاميز، ورسائل بريدية عبر الحقب، تكشف أسرار الماضين، وحصافتهم، وإخلاصهم لوجودهم البشري، وكينونتهم الإنسانية، ونجابتهم الوطنية.

    السنون تأكل السنين، ومهارات “طبقة السياسة” ممهورة بدمغات بِطنٌ لا يشبع، وعقلٌ لا ينفع، ونفسٌ لا تقنع. 

    آخر السطر: كل ذكرى سقوطٍ، واحتلالٍ، واختلالٍ، وضَلالٍ..وأنتم بشناديخَ “مُشَندخة”!!!

مقالات ذات صلة