رأي

سوسيولوجيا عراقية(19)..تكادُ الكهرباء تُكونُ “كفرا”!

      يموتُ ” المگرودُ” العراقيُّ، وفي نفسه شيءٌ من “ك.ه.ر.ب.ا.ء”، حتى لقد صار الحديثُ عن حلِّ معضلتها “كُفرا”!!.. قبل سنة الاحتلال و”الانحلال”  2003، كُنّا نعلّقُ السّببُ برقبةِ “الحصار الاقتصادي”، ما بعدَ تلك السنة وحتى الآن ثمّة اتّهاماتٌ تلوكُها الألسنُ، ولا تعجزُ عن تكرارها، ولا تملُّ غَثاثتها، فآباء الألسنة وأمّهاتها، يُعيدون ويصقلونَ، قولهم: إنّ أميركا وإسرائيل، وإيران “الإسلامية”، وحتى الكويت “الشقيقة”، لا تسمحُ للعراقيين بطاقة كهربائية كاملة، لأنهم حينئذ سيعرفون معنى الراحة والتطوّر، والعراقي في ملّةِ هذه الدول واعتقادها، إذا ارتاح، تطوّر، وإذا تطوّر، انقلبَ “عگرباً” لدّاغا!.

      ورُبّ “حاقدٍ مجرمٍ أثيم” يزعمُ أنّ عصابات “مولِّدات الشارع”، هي التي لا تسمحُ بكهربةِ العراقيين!. ويدّعي هذا “الحاقدُ المجرمُ الأثيم”، أنّ الصدريين، والخزعليين، والحشديين عموماً، هم حُماةُ “الأزمة”، ورعاتُها، وعرّابوها، لكي يستمرَّ جني الأرباح من قبل أتباعهم، وأنصارهم، والموالين لهم!. أمّا غير هذه هذه الاتهامات فتُلقى على عاتق “شيعة الحكومة” مرةً، وعلى عاتق “سُنّة الحكومة” تارة أخرى، بزعم أن “حصة” وزارة الكهرباء للكتل السُنيّة!.

      واليوم، على هسيس ركِضة المسافات السريعة باتّجاه الانتخابات المقبلة،  وقّع العراق مع شركة سيمنز، اتفاقية لإضافة 14.000 ميغاواط من الكهرباء للمنظومة الحالية. وبرغم ذلك لم يُعلَنْ شيءٌ “عن حلّ الأزمة”، إنما فقط عن تعزيز قدرة المنظومة الكهربائية وتحسين أدائها في البلاد!.

        وبالإضافةِ إلى تعرُّض البِنية التحتية للكهرباء في العراق لدمار حقيقي قبل 2003 بسبب الحصار، والحروب، ومن ثم بعد 2003 تعرَّضها لـ”النهب”، و”توحّش” عمليات الفساد المالي والإداري التي بدّدت مئات مليارات الدولارات خلال أكثر من عشرين سنة دون جدوى، أقول: بالإضافة إلى ذلك فإنّ بنية منظومة الكهرباء العراقية باتت متهالكةً بفعل التقادم والاستهلاك واللاصيانة الدورية المنتظمة، بحيث صار لزاماً -وهذا كلام يُلاك على الألسن كثيراً- إعادة تأهيل هذه المنظومةالمظلومة!.

    وبرغم عقود مع سيمنز وغيرها، وقعت خلال سنيّ 2003-2010، بمليارات الدولارات، فإنّ الأزمة ظلّت تتفاقم، بسبب الفساد، وأيضاً لجهة غياب التخطيط الاستراتيجي. ولم تُجدِ نفعاً اتفاقات سنيّ 2010-2018، إذ استمر العجز الكهربائي من جهة، وازداد الطلب على الكهرباء من جهة، بسبب التوسع السكاني، والعمراني، وبرغم دخول محطات جديدة في الخدمة، بقي الإنتاج دون مستوى الحاجة، لاسيما في فصل الصيف ألـ”كارثة،كارثة، كارثة” بلهجة العريف شلتاغ في مسلسل “بيت الطين“!.

      ويسمع العراقيون منذ سنة 2019 حتى الآن، رنين اتفاقات، سُمّيت بالحاسمة مع شركة سيمنز الألمانية، وجنرال إلكتريك الأميركية، على هامش مشاكل مع الغاز الإيراني، والاستفادة من شبكات كهرباء مصرية عبر الأردن، أو تركية عبر كردستان، أو خليجية عبر الأنبار، لكنّ حمّارة القيظ ظلّت تجلدُ ظهور العراقيين بسياط “اللاكهرباء”، فيما ظلت ألسنةُ الفساد، تحلف أغلظ الأيمان، أنها قاب قوسين أو أدنى من حل “المعضلة-الكارثة“!.

     وخلاصة الكلام، أنّ حاجة العراق الفعلية من الكهرباء تبلغ نحو 30 إلى 35 ألف ميغاواط، خلال فصل الصيف من دون انقطاعات، وما يتم إنتاجه فعلياً أكثر من 30 بالمائة من أصل الحاجة، التي يتم توفيرها من قبل مولِّدات الشارع، بكلِّ ضجيجها، وتلويثها للبيئة، وضررها الداهم في زيادة نسبة الحرائق بسبب تفاوت فولتية الأمبيرية، كما يقول الشارع العراقي!.    

      ولأنَّ العراق يُنتج الآن 27 ألف ميغاواط، من أصل 35 ألف ميغاواط، فإن الحاجة الفعلية، 8 آلاف ميغاواط، ولأنّ والي بغداد الحالي “محمد شياع السوداني”، تعاقد على 14 ألف ميغاوط مع سيمنز نفسها، فإنّه سيوفر نحو 6 آلاف ميغاوط، هي ما يمكنْ أنْ نجعله لحساب تزايد الطلب بمرور السنين الخمس المقبلة!.

      كلمة أخيرة: يكمنُ الحل المستقبلي “على مدى سنوات ثلاث” لا أكثر في أمرين: استخدام نظام الكارتات، كما في الأردن، وتركيا، وغيرها، لكي يضبط المواطن، استخدامه على قدر حاجته وقدرته من دون تفريط، ثم تشجيع المواطنين على نصب ألواح الطاقة الشمسية، التي يُقال أنّ مشاريعها تأخذ الآن بالتزايد. والتشجيع الحكومي يمكن أنْ يبدأ بمنح قروض بفائدة جزئية أو من دون فائدة للاستفادة من هذا المشروع المهم، والصديق للبيئة.

    أقول: رحم الله الشاعر محمد بن علي السنوسي، الذي خاطب وزير الكهرباء في بلده قائلاً:

     يا صانع النور إنّ النورَ في بلدي

     مضت سنونٌ ولم يُولد ولم يلِدِ

مقالات ذات صلة