رأي

سوسيولوجيا عراقية[18]..أين هم أهل “السوسيولوجيا”؟!!

هل مات علم الاجتماع بـ”موت” العلامة، المجتهد، الدكتور علي الوردي؟. وإنْ كانت كلمة “موت” جزافية بالنسبة لعالم مازالت مؤلفاته، وآراؤه، ونظرياته، تشغل الكثيرين من الناس في عالمنا، بحكم انتشار العراقيين على امتداد كرتنا الأرضية، أو “أرضنا الكروية”، التي غدت تفاصيل حياة الشعوب فيها، جزءاً من اللعبة التي تسمّيها المؤسسات العلمية الغربية، ومراكز البحوث والدراسات “صناعة المجتمعات”، والتيارات الفكرية، والأمزجة، والقناعات، والتقاليد، والأعراف، وحتى العادات والتقاليد. كل ذلك بما تيسّر لهذه المؤسسات من وسائل اتصال مؤثرة، ومن تراكم خبرات، وعلوم، وتقنيات، وتوافر “مختبرات” أيضاً!.

    منذ نحو ربع قرن، شهد العراق متغيّرات عنيفة جداً، وظواهر ملفتة، وتيارات نفسية، و”انقلابات” اجتماعية، بعضها له صلة بماضي المجتمعات العراقية، وبعضها بعيد عنها وعن مناخاتها الروحية والنفسية والتاريخية، لكنّ أحداً لم “يرفع” صوته من علماء الاجتماع، والباحثين في هذا المضمار الحيوي الذي يكاد البلد يحتاجه الآن بقوة، وبعمق، وبشيء يقرب مما يجب أنْ نسمّيه “ضرورة ملحة”.

    كل الذي نراه في الفضائيات، تحليلات سياسية عقيمة، وجوفاء، إنْ تضر في الأيام البيض، فهي لا تنفع في الأيام السود، ذلك لأن أكثرها –ولا أعني جميعها طبعاً- كلام مكرر، معاد، صار الناس البسطاء في مجتمعنا، يتحدّثون بما هو أحسن منه، وأنفع، وأكثر جدّة، وأحياناً أدق، وأفضل حتى في التحليل وفي الاستنتاج، وفي التوقعات!.

     الذي أريد أن أركز عليه في هذا المقال، هو أنّ مجتمعنا العراقي تعرّض لهزات عنيفة، وصُبّت على رؤوس أبناء هؤلاء الناس القاطنين في بلاد الرافدين من زاخو الى الفاو، مصائب لو أنها صُبت “على الأيام صرنَ لياليا”. لهذا يحتاج المجتمع العراقي، بكل فئاته، وأديانه، وطوائفه، وملله، وعشائره، وقومياته، ومناطقياته، الى دراسات سوسيولوجية، عامّة و”محددة”، وأعني بالمُحدّدة، أنّها يمكن أن تدرس ظواهر خاصة بشرائح اجتماعية دون غيرها!.

     وليس من الملائم، أنْ ننسى هنا التنبيه الى ضرورة أن تقوم أقسام علم الأجتماع في الكليات العراقية، الحكومية والأهلية، بالاشتغال على هذا الموضوع. لا بهدف وضع الدراسات والبحوث على الرفوف، إنما بقصد نشرها، بالتعاون مع الصحف, ومع الفضائيات، التي يمكن أن تتعاون في إعداد حوارات ومناقشات بهذا الصدد.

   علينا في المرحلة الآتية، أنْ نلتفت الى أنّ النقد وحده، لا يكفي. والانشغال بشتم الفساد والفاسدين، لا يكفي. لابد من عمل شيء إيجابي. لابد من إنتاج شيء يُظهر للناس “حقائق” المتغيرات التي مرّوا أو يمرون بها. الناس يجب أن تفهم. وأساتذة الجامعات، والعلماء، وجميع من يشتغلون بالعلوم، والمعارف، والآداب، هم من تقع عليهم مسؤولية حماية المجتمع وتنويره، و”تفطينه” على حاله وأحواله.

    أقول: إذا بقينا مشغولين بتفاهات “الطبقة السياسية”، ثقوا فإنّ شيئاً “براسه خير” لن يحصل أبداً في هذا البلدّ!. لقد “تنمّط” السياسيون بطريقة “فرعونية”، وصاروا “مومياءات” مكفنة، لكنها تنطوي فقط على “سر وجودها” في “لفط” وجود الشعب، وامتصاص رحيقه، وتركه خاوياً، حسيراً، كسيراً، إلا من رحمة الله..         

مقالات ذات صلة