رأي

 سوسيولوجيا عراقية[15]مراجعة في “شخصية الفرد العراقي”..كيف”قرأَنَا” الورديُّ؟!

          في كتابه (“شخصيةُ الفردِ العراقي”..بحثٌ في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث)، عرّفنا الدكتور علي الوردي (بأنفسِنا)، فهو العالمُ السيوسيولوجي “المتفرّد” في دنيا العراق، بل في دنيا العرب كلهم على نحو أكيد، إذ لم يسبقه في ما أنجزَ، إلا ابن خلدون، في مقدمته التي كتبها سنة 1377 م!. وكان الوردي نفسُه قد سجّل اعترافه بذلك في كتابه “منطق ابن خلدون”!.

        فما الذي قاله الوردي، في ما أطلقَ عليها “خواطر حول الشخصية العراقية”، مؤكداً أنها لا ترقى الى كونها “بحثاً علمياً”، بل هي برأيه أفكار عامة، برغم عمقها في تحليل السمات النفسية للفرد، وبالتالي للمجتمع العراقي بأسره، وما مرّ به عبر حضاراتٍ متعاقبة، وثقافات، وصراعات، وتناقضات، وما جرّت عليه المتغيّرات بتمام مخاضاتها عبر الزمن من “تكوين اجتماعي” صعب، ومعقّدٍ، وربّما لا يكون له نظير في ما حوله من مجتمعات عربية، يتماثلُ معها في أشياء، لكنّه يتنافرُ معها في أشياء كثيرة!.

      هدفي من مقالي هذا، حثّ أجيال الشُبّان (أعني البنين والبنات) على مراجعة ما أنجزه الوردي من مؤلفات علمية، تشكّل برمّتها، لا الكتاب الذي نتحدث عنه وحدَه، رؤية واضحة لـ”الشخصية العراقية” التي وسمها بـ”الازدواجية في السلوك”، ناظراً إلى العراقيّ أولاً من نافذة “صراعه الداخلي بين قيم البداوة والحضارة”، وبمعنى أنّ الفرد في مجتعنا، ذو “ازدواجية” ناجمة عن “مثاليته” في قولٍ يتناقض أو يختلف أو يتنافر مع ما هو عليه في “واقعيته”!.

      وبتعبير الشاعر الكبير مظفر النواب “يحملُ منّا الوحدُ ضدَّه”، فهو متحضّر في أشياء، بدويّ محضٌ في أشياء، “متديّن”، وقد يتمادى في “تديّنه” حتى يكون صوفيّاً، أو عرفانياً، أو درويشاً، يذوبُ عشقاً في محرابِ صلاته، ثم إذا ترك الجامع أو صومعة صلاته في بيته ، خرج الى الناس حتى لكأنه إبليسٌ من الأبالسة، جَشَعاً، وطمعاً، وشهوةً، وحسَداً، وأحياناً، قسوة، وعنفاً، ينزلُ به إلى حضيض سفالات البشر!.

    فإذا سألتَه، أجابك من فوره “فألهَمها فجورَها وتقواها”، ناسياً أو متناسياً، “قد أفلح من زكّاها”!.. “هذه الشيطنة” أو “الازدواجية”، ليست نتاج “صراع البداولة والحضارة” وحده، بل هي أيضاً نتاج تأثيرات التاريخ وتنوّع ما مر بالعراقيين منذ أزلهم، عبر حضارات سومرية، بابلية، آشورية، كلدانية، إسلامية، ومصبّات فارسية، سلجوقية، صفوية، عثمانية، انكليزية، أميركية!!.

    ثم إنّ الحال، تتعقّد أكثر فأكثر ضمن “منبريات” سطوة رجال الدين، وعُسفِ “ديوانيات” رجال القبيلة، فضلاً عن استبدادية “كراسيّ السلطة”!. هذه “الدكتاتوريات”، ورثها العراقي، وتشرّب “سُمّها الزُعاف” حتى صار الفردُ “دكتاتوراً” في محيط عائلته، ومحيط عمله، بل حتى في محيط صداقاته. ومن تعدّد أوجه هذه العقد، صارَ العراقي بطبعه مع “الفردية” وضد “الرأي الجماعي” أو “العمل الجماعي”!.

      وهذا ما يؤكده الدكتور علي الوردي، فالعراقي برأيه يميل الى “الفردية” في التفكير، وأنه يضطر اضطراراً بلجوئه الى “الإطار الاجتماعي”، “العائلة، العشيرة، الحزب” أو غير ذلك، مما يخلِقُ بتشخيص الوردي “توتّراً دائماً” في العقل العراقي وسلوكه، بين ميْله، واضطراره!.  

          جميعُ تلك “المصبات” في الذات العراقية حوّلت العراقي إلى كائن “انفعالي”، و”عاطفي”، وهما انعكاس لما يُطلِق عليه العراقيون “الطيبة”، ولهذا يتّسم سلوك الفرد العراقي بـ”الحماسة” الزائدة، و”المبالغة”، في ردود أفعاله، فهو في فرحه، قد يصل حدّ الجنون، وفي حزنه كذلك. وغالباً ما يؤخذُ على العراقي إسرافه في كرمه، وأحياناً إسرافه في بُخلهِ، وتقتيرهِ!.        

  إنّ كلَّ ذلك، برأي الوردي، نتاج حاصل تفاعل الظروف الاجتماعية والتاريخية القاسية. ولعل خير ما يجسّد التناقض بين الفعل والسلوك، المثل المصري “أسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب”!. ولا أدري حتى الآن، لماذا كان الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، لا يرتاح البتّة لما يقوله، أو يكتبه الدكتور علي الوردي.. أقول: ربّما كانَت استنتاجات الوردي تتناقض مع استنتاجات صدام، أو ربّما كان مَنْ هو في قاعدة المجتمع، غيرهُ في قمة السلطة!!.   

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق