سوسيولوجيا عراقية (6): “خبالات” في “سراديب” الخفاء!
عندما تفكك الاتحاد السوفيتي القديم، وسقطت أهم قلاع المعسكر الإشتراكي في أوروبا تحت أقدام الرأسمالية الأمريكية-الغربية، رفع مسلمو العرب والعالم أيديهم الى السماء، شكراناً لله على التخلص من هذا “الغول الكافر”، حتى لكأنّ الشيوعيين أو الاشتراكيين في هذه الدول، لم يكن لهم “لا شغل ولا مشغلة”، إلا التوجّه يومياً عشرات المرات الى معابدهم الماركسية-اللينينيّة، لينحنوا فيها أمام أوثانهم، وأصنامهم، ماركس، أنجلز، لينين، ستالين، كافرين بما يؤمن به أهل الإسلام والأديان الكتابية!.
وما كان هؤلاء المفتونون بالغرب يفقهون طبعاً –وربما استمرت هذه الحال الى الآن- مخاطر فقدان التوازن الدولي، تلك التي وفّرها مناخ استمرارية “الحرب الباردة”، التي تتباعت صفحاتها بقوة، لتعلن موت “الدب السوفيتي” في نهاية سنة 1991، واستفراد الولايات المتحدة بالعالم. ولولا الصين، والهند، والباكستان، ومن ثم “استيقاظ الدب الروسي”، وتململ دول مهمة في عالم ما بعد الحرب الباردة، لشهد الشرق الأوسط شأناً آخر من “التدهور” أكبر، وأشنع، وأفظع!.
وبالطبع لم تنته المهمة عند ذلك، فثمة أشياء يجب أنْ “تنهار” وطبقاً لجدولة سرية جداً، تعدّها فرق، وجماعات، وجمعيات، تعمل بـ”إرادة دولية”، وهي مدعومة بقوة استثنائية. وتكاد تعمل بالضبط على الطريقة التي عرضها مسلسل وادي الذئاب التركي، لاسيما تلك الأحداث التي دارت في مصر، وإسرائيل، وشمال العراق، وفي مناطق واسعة من سوريا، أو تلك التي دارت في دول أوروبية، وروسيا، وما جاورها!.
وما يجعل المرء، يعيش دائماً في دوّامة من الذهول، تلك الكتب التي لا حصر لها، والموجودة بطبعات متعددة، وبلغات مختلفة في مواقع الانترنت، والتي تتحدث عن “إمساك الصهاينة” سرياً، ومن خلال “عوائل تقود دولاً”، وجمعيات تعمل في سراديب الخفاء العالمي، وفي جميع الدول تقريباً، من أجل فرض الهيمنة الصهيونية على الكرة الأرضية، بتحويل شعوبها الى “إرادات ميتة” وخاضعة، وتابعة.
ويتحدث كثيرون عبر سلسلة من “التسريبات”، أو من خلال اعترافات صريحة أنّ كل ما جرى في المنطقة العربية حتى الآن من حروب، وصراعات، وانهيارات، وخسارات، وجرائم، وانزياحات بشرية بالملايين، وكوارث ليس من السهل حصر مواجعها، يحقق ثلاث نتائج استراتيجية كبرى:
أولاها، تأمين سلامة إسرائيل لعقود من الزمن.
وثانيها، إيقاظ شعوب أوروبا الغربية وأميركا الشمالية من خدرها، وبحبوحتها، وتنبيهها الى مخاطر ستصنع على مدى العقود الآتية وباء “جنون فوبيا الإسلام”، بهدف الإنقضاض على الكتل الإسلامية الهائلة التي بدأ بروز فاعليتها في هذه المجتمعات. ويُلاحظ بقوة أن أبناء هذه الكتل الإسلامية تتماسك في غرباتها، وتلتزم بقيم دينها وطقوسه وعباداته، بأحسن مما كانت عليه حالها في دولها “الأم”.
أما الهدف الثالث فهو التخلص من أي مواجهة قريبة الزمن مع “الإسلام المؤثر” بسماحته، ورحمته، وطهره من أدران العنف والغلوّ. والرافض لكل أساليب “الشيطنة” أو “البَرهَمة” وهذه المسألة لا تخفيها أمريكا في أجنداتها الخارجية.
المؤكد أنّ الأغلبية العظمي من ساستنا، وأبناء شعوبنا الإسلامية، العرب وغير العرب، انساقوا وراء “خبالات” سراديب الخفاء العالمي هذه، التي ظن أصحابها أنّهم يمكن أنْ يتعاملوا مع البشر كما يتعاملون مع “الفئران والقرود” في مختبراتهم. أقول: الكثيرون من السياسيين الطامعين، يمكن أنْ ينقادوا الى ما هو أتعس من ذلك، لكنّ الشعوب الحيّة، الأصيلة، المعمَّرة في هذا الكون لها تاريخها، ورسالتها، ولهذا فهي تكبو مرة ومرتين وعشراً، لكنّها في النهاية تهتدي إلى ذاتها ومصيرها حتماً!.
كلمة أخيرة: أصبح شائعاً جداً القول إنَّ المشروع “الصهيو-أميركي”، الذي ينفذ الآن تحت لافتة “الشرق الجديد”، تطويراً لمصطلح “الشرق الأوسط”، قد بدأ بإشاعة مفهوم وحدة “الأديان الإبراهيمية”، بديلاً لـ”الإسلام”، وهو بصدد إحلال “الشرق الجديد” أو حتى “الأوسط”، بديلاً لـ”العروبة”، لكي لا تبقى “إسرائيل” معزولة عن محيطها، اقتصادياً، سياسياً، ثم اجتماعياً، وهي نتيجة يسعى إليها المطبّعون، وصارت دول عديدة “حائرة” تخشى عدم الانخراط في سياقها، كما تخشى “الامتناع”، لوخامة عواقبه كما تُهدَّد بذلك!!.