رأي

سوسيولوجيا عراقية (16-3 الأخير).. سيرورة الحياة..تُحَوّلُ الألمَ إلى”شَوْق”!

                        (5)

   ما يؤرّقني، وأنا أكتب سلسلةَ هذه المقالات، أنّها حسبَ ما صِرتُ أراه، ورآهُ قبلي كثيرون، “تُصَعِّبُ” نِسيانَ الأبِ لابنه، أو الحبيب لحبيبه، أو كلِّ فاقدٍ لفقيده!. فخامس خيوط “مُشْتَبَك الحرمان”، هو “الشوق”، ويكمنُ في معطياتِ “التفاعل الاجتماعي”، فالمفجوعُ بابنه مثلاً يُحسُّ بـاستعارِ حِدّةِ الألمِ في “نياطِ قلبهِ”، وهو يرى نَبْتةَ روحه، في مُحيَّا كلِّ طفلٍ، أو فتىً أو شابٍّ، يصادفه، هنا أو هناك، بين الناس، في وجه فنّانٍ في فيلمٍ من الأفلام، أو في هيأة غيمة في سماء الله يراها تحاكي صورة حبيبه!.

     أنا في الحقيقة أترجمُ ما أعرفُه بلغتي، فعلماءُ النفسِ يرون أنَّ النسيانَ النهائيَّ، صعبٌ، بل مستحيلٌ، إلا أنّ مرورَ الزمن، وسيرورةَ الحياة اليومية، تُحوّل هذه التجربة الإنسانية المُرّة “الحنظلية” كما وصفتُها سابقاً، إلى متغيّر نفسي جديد، فكلُّ مصيبة كما يُقال تُولد كبيرةً ثم تصغُر، لكنّها لا تتلاشى، بل تستمر آثارها حتى آخر لحظة في حياة المرء، سواء أكانَ “يتيماً” أم “ثاكلاً”، أو غير ذلك!.  

   ولكي نقترب من المعنى الحقيقي الذي أعنيه هنا، أقولُ إنّ الألمَ المستمرَّ في قلب “الثاكلَ”، وحتى في خلاياه العصبيّة، يتحوّل شيئاً فشيئاً –برحمة الله لا بغيرها- إلى طاقة شعور وجدانيّ، روحيّ، ونفسي، يمكن ترجمتُه إلى “الشَّوْق”..هنا يصحُّ القول إنّ “صدمة الغياب”، تتدرّجُ من “ضربة وجودية” إلى “خُسران عاطفي” ثم إلى هذا الذي سمّيناه “الشوق”.

   ولعلّي أتحدّث هنا من فيض تجاربَ عشتها أو تجاربَ أحبّةٍ أحاطوا بي، ورأيتُ في غيري أو في حالتي كيف تختفي أشياء، وتبقى أشياء في الرؤية، أو الرؤيا، ليحدث ما يشبه “نظرة جديدة” للأب “الثاكل” في تشكيل معنى وجودهِ، بل معنى “الحياة والموت”، إنّه بعبارة أكثر دقّة، يعيد تفسيرَه السابقَ لـ”الزمن”، فـ”الشوق الغامر” عِندهُ، يُصبحُ حافزاً استثنائياً لخلق عملية تصادمٍ داخليّ في خلجاتِ نفسه، بين مُضيّ الزمن بعُجالتهِ، وبين الرغبةِ في جرّهِ إلى ميقاتِ حنينهِ، وعشقِهِ، وفردوس حياتهِ الذي ضّيعتْهُ الأقدار!.

    ولا أدري مَنْ القائل:

     نامتْ عيونُكَ..والأشواقُ ترعاكا

     ما للفؤادِ أنيسٌ غيرُ ذكراكا

     خُذني بِحُلمكَ واتركني به زمناً

     أقضي الليالي قريرَ العينِ ألقاكا

        هذا..والسلام على القلوب المكلومة..لها الله، لها طمأنينة الإيمان، وراحة التسليم بُسننِ حياتنا التي لابد منها..  

                                           -انتهى-

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق