سوسيولوجيا عراقية (13) ..التمرّد على “تفاهات” الحياة اليومية بـ”ريفريش” التسامح!



عملية “الريفرش Refresh ” للجسد، وللعقل، في أيام رمضان الآسرة، بجلالها، وجمالها، وقدْرها العظيم، تُخلصّنا من كثيرٍ من “تفاهات” الحياة اليومية، التي اعتدنا على التورّط فيها بغير حساب، أو تقدير، لغياب “المغزى”، وضياع الوقت، واستهلاك الطاقة. ومن تلك التفاهات، الثرثرة “الماسخة”، والحديث المكرّر، المُعَاد، الذي لا ينفع، بل يضرّ أوّل ما يضرّ أصحابه المكتوين بنار الدوران في سواقيهِ كالثيران المُعَمّاة!.
رمضان الكريم، بل “الصوم” بعمومه في الدياناتِ جميعِها، يحثّنا على “المراجعة” في كل شأنٍ من شؤوننا. حتى لكأنّ منادياً يصرُخ فينا “إلى متى؟..وماذا بعد؟”. هل أجدى “ركضُ الوحوش” مع من كانوا قبلكم، لتبقوا هكذا تعْدون كالحُصُن النافرة من غير هدىً ولا “إعادة نظر” في ما مرّ، وما كان خيراً، وما كان شرّاً، وما كان غير ذلك. بشكل قاطع، بسطاء الناس في بلدنا “إذا صَفنوا مع أنفسهم”، وجدوا أنّ خيرَ ما يُعينهم في “مراجعة” ذواتهم، قولُ القائلِ إنّ “الدنيا مزرعة الآخرة”، وهي مسطرة نبيلة، يعرف بها النازعون الى تقوى الله تعالى، ما يفعلون، وما لا يفعلون.
لا أريد هنا “تقمّص” دور “الواعظ”، المتديّن، إنما هي محاولة منّي لمراجعة النفس أيضاً، فليس من المقبول، أنْ تمرّ بنا أيام رمضان بكل ما فيها من قدسية، كرّمنا بها الله تعالى، ونعيش ساعاتها، صوماً، وصلاة، وقرآناً، وتسبيحاً، فلا نكتب شيئاً، أو نعرض لفكرة، أو في الأقل نحثّ الناس على المراجعة القلبية، والفكرية، والنفسية، والاجتماعية، تماماً كما هي المراجعة التي نفرضها على أجسادنا، بِكَبْحِها عما اعتادت عليه في باقي الشهور من أكلٍ وشرابٍ، وشهواتٍ!.

مثلاً، لماذا لا يجعل المرءُ أيام شهر رمضان “مناسبة” لنزع الحقد الدفين من نياطِ قلبه، حيال من اختصم معه ذات يوم، لسبب أو لآخر. ولعل أحسن التطبيقات لهذا “التشافي الروحي”، أنْ ينقرَ المرءُ نقرةً واحدةً على هاتفه، المحلّي، أو “الواتصب المجاني”، فيبدأ السلام على “خصم مفترض”، وهو في الحقيقة صديقٌ، أو زميلُ عمل، أو دراسة، أو رِفقة محلة، أو غير ذلك. وبهذا تتأكّد للمرءِ طيبته، ونقاء سريرته، فقط باستمرار قدرته على الاعتذار، ونبذ “حس الاستبداد”، والتجبّر الفارغ، الذي يسمّيه بعض الجُهّال “كبرياء”، وما هو إلا “غباوة ناشفة”، قد تقضي على “الطيبة” التي هي أولى سمات العراقيين!.
لكنْ هل العراقي مازال “طيباً” برغم كل ما مرّ به؟.
من دون لفٍّ ولا دوران، يمكن أنْ أقول بملءِ الفم: “نعم”. وكل هذه “التغييرات” التي لحقت بالفرد العراقي، ما هي إلا بثور على الجلد، يمكن أنْ تزول سريعاً بمجرّد استعادة المجتمع “عافيتَه الإنسانية”، بعد عقودٍ من العذابات، والمرارات، والكوارث .
فكيف يستعيدُ مجتمعنا عافيتَه؟. هذه المسألة مرتبطة مباشرة بإحساس الناس أنهم في أمان، وأنّ هناك من يرعى شؤونهم العامة بدرجة “مقبولة” من النزاهة والآدمية، وأنّ مستقبل أولادهم ليس مجهولاً، وأنّ بلدهم محفوظُ الكرامة من أي تدخّلٍ شائن، ومريبٍ، وتخريبيّ. والباقي يمكن “تدبيره“!.
إنّ أوسع معنى للأخوَّة، والمحبّة، والتوادُدِ بين الناس، قول الرسول الكريم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبُ لنفسه”.
ربَّنا اغفر لنا، واعفُ عنّا، وارحمنا، و”ليّن” قلوبنا بـ”ريفريش التسامح” يا أرحم الراحمين.
