سوسيولوجيا عراقية (11) أي تغيير “عادي”.. محض “هراء”!!



أغلب العراقيين فقدوا القدرة على الفرح ببقائهم على قيد الحياة. لم يعودوا قادرين على تنفس أي رغبة في التفكير بـ”صناعة” ظلال مستقبل لهم أو لأولادهم. إنهم الآن في حالة خوف من كل شيء!!!. والحكومات المتعاقبة التي “أفسدت” حياتهم، نجحتْ وبقوّة في إفساد مقدرتهم على “الحلـُم” بمستقبل، يصبّرهم، وينعش حاضرهم المرير، ويمنحهم مداد الاستمرار في عيش أشبه بموت بطيء!.
هل في هذا الكلام مبالغة؟..هل فيه أي نوع من “التجنّي” على الحكومة أو على الطبقة السياسية التي حكمت العراق بعد تغيير دراماتيكي، سمع قبله العراقيون كلاماً ناعماً للغاية عن الانتقال من الجحيم الى الجنة. كان السياسيون قد وعدوا بتحقيق أشياء لم يكن يفكر فيها العراقيون، لكنّ الذي جرى فعلياً، هو أنّ العراقيين لم “يخسروا” تلك الوعود والأحلام فحسب، إنما خسروا الكثير جداً من الأرواح، وخسروا الكثير جداً جداً من الممتلكات، وخسروا الكثير الكثير من قدرتهم على “صناعة” أحلام يعدّونها مستقبلاً لهم.
في الحقيقة، يعجبنا أحياناً أنْ نشيد بموقف، أو بمشروع، أو بعمل، أو بأي خطوة للحكومة أو للبرلمان، أو أي جهد لسياسي من سياسيي الطبقة الحاكمة والمتنفذة، إلا أننا في واقع الحال، لا نجد شيئاً يستحق أنْ يُقال بشأنه ولو كلمة استحسان عابرة. ومثل هذا الأمر لا يحدث حتى في أعتى دكتاتوريات الأرض، بل في أشد دول العالم تخلفاً، ففي كل الأحوال لابدَّ أن يكون هناك “شيء جميل”!. لكنّ هذه القاعدة لا تنطبق على أوضاع بلدنا.
إذن ماذا ننتظر؟..ما الذي ينتظره الشعب من حكومات بهذا المستوى من التخلف، ومن دورات برلمانية، لا قيمة لأفعالها، ومن طبقة سياسية، لم تنضح إلا بما “يُخزي”، ولم ير منها العراقيون إلا ما “دمّر” كل جانب من جوانب حياتهم. ماذا يمكن أن يحدث حتى لو جاءت حكومة تنكوقراط؟..ماذا حتى لو “تاب” اللصوص، ولم تمتد أيديهم الى الأموال العامة مرة أخرى؟.. ماذا..وهل يمكن أنْ يتحقق شيء؟..
إن الكارثة العراقية أشنع بكثير مما يتصوّره الناس، أو مما تعكسه تقارير السياسة عبر الفضائيات والصحف ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي. الكارثة العراقية ذات أبعاد خطرة، لاسيما في جوانب الاقتصاد، والتربية والتعليم، والصحة، والخدمات، والمآلات الاجتماعية بعد التشرذم “الإضافي المتزايد” في العراق أو خارجه.
نحن الآن في حالة “تيه” و”شتات” عجيبين، فلاجئونا في العالم فاقوا لاجئي فلسطين في سنيّ النكبة قبل أكثر من ستين عاماً، ولاجئونا في العراق نفسه، يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين وهم “يموتون” موتاً بطيئاً، ولا يعرفون لحياتهم معنى، وهم أيضاً عاجزون تماماً عن التفكير بأي “مستقبل” قريب أو بعيد.
هدفي من هذا الكلام ليس “تحبيط” النفوس فهي محبطة حتى النفس الأخير، ولا تحتاج الى ما يُثقلها بما هو أقسى. هدفي في الحقيقة أنْ لا “يتنفس” الناس حلماً كاذباً، أو خادعاً، لأنهم سيتعرّضون حينئذ لصدمة أخطر. ما أهدفُ إليه، هو القول: إننا بحاجة الى حكومة تكاد تمتلك قدرات إعجازية، وإلا فأنّ أي تغيير عادي، إنما هو محض “هراء”!!.
