سوسيولوجيا اجتماعية (10)..صِرتُم تؤمنون بنظرية “المستوى الهابط”..يا “أولادَ الذوات”!!



أعرفُ، وأعترفُ، بل أبصمُ بالعشرتين، يدين كليلتين، وقَدَمين واهيتين، أنّ “رجال الطبقة السياسية”، ليسوا من فقراءِ العراق، ولا من كادحيهِ، ولا من ناسهِ العاديين، إنما هُمْ “أبناءُ ذواتٍ”، و “بزرُ نستلةٍ”، وآباؤهم برجوازيون، وأجادادُهم إقطاعيون و”سراكله”، وملّاكون، ترعرعوا في بُحْبوحةٍ موروثةٍ، وُلدوا وملاعقُ الذهبِ في أفواهِهم، سكنوا القصورَ، وتقلّبوا في حدائقها الغنّاء!..ولم يدرِ أحدُهم ما بيتُ الطين، ولا جُحورُ “النص قطعة” أو “الربع قطعة” التي أنجبت الملايين، وما فتئت تفرّخُ ملايينَ جديدةً من الكادحين، والمسحوقين، والمدموغين بـ”لصقة جونسون”، حرماناً، وعوزاً، وكدحاً مريراً.. تلك اللصقة التي لم يجرّبها أبناء “طبقة السلطة”، ممّن جاؤوها عن “غنىً” و”كفايةٍ” ولم يقبلوا بها، إلا “تعفّفاً”، و “ولعاً” في خدمة المدقعين الجياع!!.

لذا أقول لهؤلاء “الذوات” أبناء “الذوات” من طبقة السياسيين العراقيين: أنتم يا أسيادَ البلد، أنتم وأبناؤكم، وأحفادكم، بذكورِكم، وإناثِكم، لكم رفعتُكم، وتساميكم، وشرفكُم الخاص، الذي لا غبارَ عليه، وجداناً وسلوكاً، فاللهُ يشهدُ لكم قبل الشعبِ، أنكم لا تعرفون إلى الكذب سبيلاً، ولا إلى الدجلِ شارعاً، وزقاقاً، ودرباً، ولا تسرقون الكُحلَ من العيون، ولا الدينار من الجيوب، ولا تظلمون فتيلاً، ولا تقتلون جرذاً من الجرذانِ ، فكيفَ تُجندلونَ بشراً سويّا؟!.
أقول لهؤلاء: أناشدُ “فخاماتكم”، سادَةً وعوامَّ، كهنوتاً بعمامةٍ ولحيةٍ، وأفنديةً بقاطٍ ورباطٍ، أنْ تكفّوا عن النظر الى الشعب وعذاباته من فوقِ “بروجكم المشيّدة”، ومن على “عاجيِّ كراسيِّكم”، ومن زانِ “خشب منابركم”، وأنْ تفهموا وتعوا أنّ انحرافاتِ الشبّان -بنينَ وبناتٍ- لم تأتِ، لا من سوءِ الأدبِ والتربيةِ، ولا من نفوسٍ أمّارةٍ بالسوء، ولا من الهوى، والولع، والغرائز، ونيّات الفسقِ والفجور!!.
يا سادة، ويا قادة، يا أهل “الحَلّ والعقد”، يا مَنْ بيدكم مصائرُ فقراءِ الله، وعبادِهِ المساكين، إنّ انحرافاتِ هؤلاءِ الشبّان -ذكوراً وإناثاً- إنما هي نَضْحُ الحروب، وعنفِ الصراع الطائفي، والقتل، والخراب، والفقر، والحرمان، وسوء إدارة البلد، والفساد الماليّ، وهي أيضاً نتاجُ ما ابتدعته التكنولوجيا الحديثة، بفيسبوكها، وغوغلها، وواتصبها، وجميع مستقيماتِ ومنحنياتِ “سوشيل ميديتِها” التي جاءت بما لم يستطعْهُ الأوائلُ!.
هؤلاءِ الذين تعدّونهم مجرمين من “أم فهد” أبرز الفانشينستات، التي قُتلت على يد مسلح في منطقة زيونة شرقي بغداد، وإلى “أم اللول” البلوغر هديل خالد، التي اعتقلت بتهمة نشر المحتوى الهابط، ثم اتهامها بتجارة المخدرات، والحكم عليها بالسجن المؤبد، مروراً بـ”فطومة بنت الديوانية” التي اعتقلت بالمحتوى الهابط، والتيكتوكر “آية الشمري”، و”تيسير الشمري”، التي حكم عليها بالسجن الشديد لمدة سنة غيابياً، وحتى “نسرين عبدالله” التي اعتقلت بسبب فيديوهات غير لائقة، ثم “مي محمد”، فـ”وسام الساهر” مطرب الأعراس الهابط، و”رائد أبو حمرة”، و “رزان محمد” و”سعدون درمان”، وآخرين نعلم بهم أو لا نعلم، أقول: هؤلاءِ ضحايا، بيئة الحرب والخراب، بيئة الفساد والجوْر، بيئة انتشار المخدرات والظلم الاجتماعي، بيئة العوز والحرمان، بيئة المناخ السياسي العفِن، بيئة الاختلال الاجتماعي، بيئة الرؤوس التي انفحت أعينُها مرةً واحدة على ما لم تألفْهُ من تكنولوجيا الأيفون، والكومبيوتر، والدلفري، وغوغل، والتك توك، والواتصب، واليوتيوب…وما إلى ذلك من سكاكينَ لها حدودها الإيجابية للمحصّنين، وحدودها السلبية للمضطربين!.

لهذا لا تكونوا رحماءَ بهؤلاء “الضحايا” لا “المجرمين”، بل عاملوهم برفق الإصلاح، لا الانتقام، وقصد التعديل لا التعطيل، ونيّة أنْ يعود المنحرفُ إلى جادّة الصواب، لا نعمّق انحرافه بشديد العقوبة، ذلك لأنّ انحرافاتهم جزءٌ من “جرائر” المرحلة التي ضربتُم فيها “أسوأ المثل” في التسلّط، والنهْب، والسلْب، والقتلِ، والرذيلة، حدَّ أنكم تجهلون مساجينكم، أكانوا إرهابيين أم ضحايا الإرهاب، فتطلقونَ سراحهم جميعاً، فقط مقابلَ “صفقةِ” أنْ تسنّوا قانوناً للأحوال الشخصية، يبيحُ باسمِ الزواجَ، اغتصابَ “قاصراتٍ” ما فتئ حليبُ أمَّهاتهِنَّ على شفاههن!.
لسنا ضدَّ إطلاقِ سراح المعتقلين، فما أكثر الأبرياء في سجونكم، لكنّنا ضدَّ أنْ يُطلقَ سراح “القَتَلةَ” جزافاً وفي إطار حلول “الصفقات المتبادلة”. إنّكم تلعبون بالنار، التي يا ما احترقت بها أصابعُ من كانوا يظنون أنفسهم، باقين على كراسيّهم إلى آجالٍ بعيدةٍ.
إنَّ عقوبة سقوطكم -ولا شك- ستكون من جنسِ جرائمكم، ذلك هو “الظلمُ” الذي لو دامَ دمّر!!.
