روسيا و”المياه الدافئة”..حلم القياصرة حقّقه بوتين..فهل يتلاشى؟!
مع تقدم المفاوضات بين روسيا والحكومة السورية الجديدة بشأن مستقبل القاعدتين الجوية والبحرية في الأراضي السورية ، يعود الحديث عن سعي روسيا للمياه الدافئة مهما كان شكل أنظمة الحكم في دول الطريق الى المياه الدافئة ، وأقربها البحر الابيض المتوسط وبحر العرب والخليج العربي.
وتفاوتت التوقعات ما بين إعادة الانتشار الروسي وغلق القواعد أو نقلها الى ليبيا، ولكن غالبية هذه التوقعات لم تستند الى وقائع ثابتة أو أدلة قانونية.
يقول التاريخ إنّ قياصرة روسيا والحكم السوفياتي الشيوعي وَاصَلا السعي للوثوبِ الى المياه الدافئة بينما حقّق فلاديمير بوتين ذلك الحلم بقاعدتين ثابتتين بحرية وجوية في طرطوس واللاذقية السوريتين.
ولابد من ملاحظة أن قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية هي أصلاً قاعدة سوفياتية أقيمت منذ عام 1971 ثم توسعت الى شكلها الحالي.
وسبق لجيوش القياصرة في الحرب العالمية الأولى قبل عام 1917، أنْ وصلت الى مدينة قصر شيرين الإيرانية على الحدود العراقية ، بل إنّ بعض طلائعها وصلت الى خانقين قبل اندلاع الثورة البلشفية وبالتالي قرار قيادة الجيش الأحمر بالتوقف وإعادة القوات الروسية لحماية الثورة.
وفي ثاني محاولة معروفة في التاريخ المعاصر جرت عام 1979 في الغزو السوفياتي لأفغانستان، وضعت روسيا وجوداً لها على مقربة من بحر العرب لكنّ الحلم لم يتحقق نتيجة المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفياتي والانسحاب المذل بعد عشر سنوات من الخسائر الفادحة ، والتي يرى البعض أنها كانت فاتحة انهيار الإتحاد السوفياتي وتفككه.
وعلى مدى سنوات حصل الإتحاد السوفياتي على تسهيلات بحرية في موانىء العراق وسوريا وليبيا ومصر والسودان والجزائر وجنوب افريقيا .لكن الوجود العسكري الثابت كان في اللاذقية وطرطوس السورية ، فكيف جرى تنظيم ذلك؟
وتم في 26 آب عام 2015 توقيع إتفاقية إستئجار قاعدة حميميم الجوية لأمد غير محدود بينما كان استئجار ميناء طرطوس لمدة 49 عاماً.
وينص الاتفاقان والبروتوكول الملحق على أنّ وقف العمل، يقضي بإبلاغ الطرف الثاني خطياً ويتم وقف العمل بعد مضى عام كامل على تاريخ طلب الإلغاء.
عموماً، ما يجري حاليا هو أنّ القوات الروسية تقوم فقط بسحب قواتها ومعداتها الصغيرة من عين العرب ومنبج ودمشق وتجميعها في حميميم ولا يعني أنّ روسيا بصدد مغادرة سوريا.
واذا شاهد البعض وجود طائرة شحن روسية في حميميم فليس معناه الانسحاب بل إن طائرات الشحن تتنقل على الدوام بين روسيا وبين قاعدة حميميم.
ولدى روسيا في قاعدة طرطوس البحرية حسب الإتفاق، 11 قطعة حربية بما فيها القطع ذات محركات الدفع النووي ، وكلها تمر من مضيق البسفور التركي الذي هو ممر ملاحة دولي -تجارياً وعسكريا- لا تتمكن تركيا من منع اية سفينة من المرور فيه.
وتمر عبر البسفور القطع الحربية الامريكية الى البحر الأسود كما تمخُرُ عبره القطع الحربية الروسية الى البحر الابيض المتوسط.
وفي كل الأحوال يبدو أن روسيا ستخسر في حالة إلغاء الاتفاقيات وتبتعد لبعض الوقت عن مياه البحر الابيض المتوسط الدافئة ، وكذلك ستخسر سوريا من إلغاء الاتفاقات وعليها دفع مليارات الدولارات لتغطية ديونها لروسيا ذات الصلة بالقاعدتين ولن يبقى لها سوى مساحات شاسعة من البنى التحتية، لا غيرها!.