سوسيولوجيا عراقية(1)..رسالة إلى مَنْ يَعْتَبِرون..”مِنْ أجلِ أنْ تمحوَ الرمالُ أحقادَنا”!
إلى كلِّ الذين في قلوبهم “صحوةُ الاعتِبار”
في رحلة بالصحراء، اختصم صديقان، فضربَ أحدُهما الآخرَ، كظمَ هذا غيظه، ورأى الثاني أنّ صديقه، لم ينبس بردّ، سوى أنه حرّك سبّابة يمينهِ على الرمال ليكتب: “اليوم صفعني أعز أصدقائي”. ثم مضى الصديقان في رحلتهما الطويلة التي قادتهما عبر رمال متحركة، فانغرزت قدما الصديق الذي تعرّض للضرب، حتى كادت تبتلعه الرمال لولا مسارعةِ صديقه الى مناوشته حبلاً، ليَسحَبه بعيداً، وينقذ حياته من موت أكيد. وبعد مسيرهما في مكان آخر، رأى المنقذُ أن صديقه عمد الى صخرة كبيرة، فحفرَ عليها بسكينه: “اليومَ أنقذ حياتي، أعزُّ أصدقائي”!.
لقد فهم الصديق مغزى ما فعله صديقُه وزميلُ رحلته، فعندما نتعرّض للأذى علينا أن نسجّل ذلك على ذاكرة الرمال، كي تمحوها الأيام، ونصبح قادرين على نسيان أخطائنا، وآثامنا، فيما يجب أن نحرص على حفر الأعمال المجيدة على صخرة الذاكرة لكي لا ننسى ما يُسدى إلينا من فضائل، وجمائل، ولكي تبقى الذاكرة مكتظةً فقط بمحاسن الأعمال التي تعمّق الصلات فيما بين الناس. والحكمة في ذلك أن نكون أقدرَ على التسامح والتغافر، وهو السبيل الوحيد لبناء أي مجتمع.
لا يكفي أنْ نزعُم، وندّعي، ونتظاهر فقط بـ”التسامح”، بينما تكتظ قلوبنا، وعقولنا، بالبغضاء. إنّ الناس المتسامحين، هم الشجعان، القادرون على نسيان “إساءاتِ الآخرين”، أما الذين يختزنون الحقد والكراهية، فيما يتظاهرون بغير ذلك، فهم مهزومون، وأقرب الى أخلاق “العبيد” منهم إلى أخلاق الأحرار، النجباء، الذين تظهر خفايا أفئدتهم على صفحات وجوههم.
بطبيعة الحال، ليس سهلاً أنْ نؤثر في الناس إيجابياً، لنغرسَ في نفوسهم محاسنَ الأخلاق، ونطهّرها مما علق فيها من رِجْس. نحتاج في مهمة كهذه إلى نماذج اجتماعية حيّة، تكون قدوة للجميع أينما حلّت، إذ لا تكفي الإشارةُ الى ما مضى، أو ما فاتَ من نماذج عظيمة في أزمان خلت. الناس بحاجة الى أمثلة حيّة تسعى بيننا، فيتأثرون بها ويقتدون، ويعملون بما تعمل، أو يتحلّون بالسلوكيات الجميلة ذاتها التي تتحلّى بها.
إنّ شيوع “المَثَل السّيء” في مجتمعنا، أمرٌ خطير للغاية، لأنّه يحرّض على انتقال هذه العدوى، واستشرائها، حتى ليُصْبِــحُ “الشرّ” هو السائد، المستساغ، المقبول، الذي لا تعترض عليه إلا القلة. وعندها لا يصبح هناك أي تأثيرٍ لصوتها، بإزاء فشوّ الرذائل، وأشدها فتكاً “رذيلة” أن يكون المتصدّرون للعمل الجماعي في الدَركِ الأسفل من أخلاقياتهم. تلك مصيبةٌ لا ينحدر إليها إلا مجتمع كتبت عليه الذلة والمسكنة.
ليس بأيدينا، إلا أن ندعو الله تعالى أنْ ينقذنا مما نحن فيه، وأن يطهر قلوبنا من رجس الحقد، والكراهية، وكل ما يجب أنْ تمحوه رمالُ صحرائنا، وأنْ لا نعيش إلا بمحاسن الأخلاق التي حفرنا أمجادها على صخور تاريخنا بكل صفحاته الخالدة.
بالمُثُل العليا، وبالنماذج التي تحملها، نخلق مجتمعاً يستحق الحياة، واحترام الشعوب، والتاريخ!.
المخلص
صباح اللامي