رحيل أحد أبرز قادة “القطاع النفطي العراقي” وأهمِّ خبرائه الأكاديميين ومسؤوليه التكنوقراط..

“كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت”، بأسفٍ، وحزنٍ، تلقّى كُتّابُ “برقية”، وقراؤها نبأ رحيل الدكتور عصام الجلبي، هذا الإنسان الهادئ، الرصين، المثابر، الأكاديمي المتخصّص، الذي تولّى مسؤولية وزارة النفط لسنوات بنجاحٍ إداريٍّ، وتقنيّ، أظهر كفاءَته النادرة، ونزاهتَه، وشخصيته الوطنية الملتزمة.
توفي وزير النفط الأسبق في العراق، بأجله المحتوم، يوم السبت الثامن من شباط الجاري، عن عمر يناهز 83 عامًا في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمان، بعد صراع طويل مع المرض. ومعروفٌ أنّ الفقيد لعب دورًا محوريًا في تطوير السياسات النفطية للبلاد خلال فترة عمله في الحكومة العراقية. وقد كانت وفاته بمثابة خسارة كبيرة في مجال الطاقة والاقتصاد، إذ أن إسهاماته في هذا المجال لا تُنسى.
ولد الدكتور عصام الجلبي عام 1942 في محلة السفينة بمنطقة الأعظمية ببغداد. وأظهر منذ صغره، تفوقًا ملحوظًا في دراسته، حيث تخرج من الثانوية العامة في عام 1959 وكان الأول على خريجي ثانوية الأعظمية، كما حصل على المركز الثالث على مدارس بغداد والرابع على مستوى العراق. هذا التفوق الأكاديمي مهّد له الطريق للحصول على بعثة دراسية على نفقة وزارة النفط العراقية للدراسة في المملكة المتحدة.
وغادر المملكة المتحدة، عائداً إلى بلده العراق بشهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية. وعمل في التدريس بكلية الهندسة في جامعة البصرة، مما مكّنه من صقل معرفته الهندسية في أجواء أكاديمية متميزة. لكنه سرعان ما انتقل إلى مجال النفط حيث بدأ مسيرته في شركة نفط العراق، ليترقّى في المناصب ويصبح أحد الخبراء البارزين في هذا القطاع الحيوي.

وفي عام 1987، عُيّن عصام الجلبي وزيرًا للنفط، واستمر في منصبه حتى تمّ إعفاؤه في 29 تشرين الأول عام 1990. ورغم فترة عمله القصيرة في الوزارة، ترك الرجلُ بصمةً واضحةً في مجال النفط العراقي.
وفي عام 1992، انتقل إلى الأردن، ليؤسّسَ مكتبًا في العاصمة الهاشمية عمّان، ثم انتقل لاحقًا إلى لندن. في هذه المرحلة، تفرغ للعمل مستشاراً في مجال الطاقة، وكان له تركيز خاص على شؤون النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط. وخلال هذه الفترة، أصبح الجلبي واحدًا من أبرز الشخصيات الاستشارية في هذا المجال، حيث قدم العديد من الأبحاث والدراسات حول صناعة النفط. كما كان له دور بارز في المشاركة في المؤتمرات الدولية التي تتعلق بالشأن النفطي.
وكان للراحل عصام الجلبي، رحمه الله، إسهاماتٌ علمية متميزة، إذ ألّف كتابًا حول النفط العراقي، صدرَ عن مركز دراسات الوحدة العربية. كما قدم العديد من البحوث العلمية التي أضافت قيمة كبيرة إلى فهم صناعة النفط في العراق والمنطقة بشكل عام. ويُعدُّ كتابه بمثابة مرجع مهم للباحثين والمهتمين في قطاع الطاقة، حيث تطرق فيه إلى تاريخ النفط العراقي وأبرز التحديات التي واجهتها الصناعة.
وجديرٌ بالذكر أنّ الأوساط الاقتصادية والأكاديمية، نعت الفقيد، وعدّت رحيله خسارة فادحة، مشيدة بمساهماته الكبيرة في قطاع النفط. وجرى تشييع جثمانه يوم الأحد التاسع من الشهر الجاري، انطلاقاً من جامع “أبو عيشه” في عمّان، وبعد صلاة الجنازة، ووري الجثمان الثرى في مقابر سحاب. وأقيمت مراسم مجلس العزاء على روح الفقيد في قاعد الربحاني في اليوم نفسه.
لقد ترك الأستاذ الدكتور عصام الجلبي رحمه الله، إرثًا علميًا ومهنيًا مهمًا في قطاع النفط العراقي والعالمي. ورغم أنه غادر عالمنا، ستظل إنجازاته ومساهماته في مجال الطاقة محط تقدير واهتمام في الأوساط الأكاديمية والاقتصادية. له الرحمة والبركات.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
