مقابلات

د. مليح صالح شكر لـ”برقية”: حريّة الصحافة تحت الاحتلال والطائفية فَوْضى وتِجارة!!   

منذُ أنْ اشتغلتُ في “واع”، وكالة الأنباء العراقية، المؤسّسة الصحافية، العريقة، أواخرَ الثمانينيات وبعدَها، ظلَلْتُ لسنين طوال، أسمعُ بـ”د. مليح” ولا أراهُ شخصياً، ذلك لأنّهُ كان مراسلاً دائماً لـ”واع” في الأمم المتحدة بنيويورك. ومنذئذٍ رسُخَ لدي، أنّ الزميل “مليح”، يعني الاحتراف، والتخصّص، والتاريخ، فهو -احترافاً- يدير خبرَهُ أو تقريره، كتابةً، دقةً، معلوماتٍ، ووقتاً، بكفاءة صحافية عالية المستوى. وهو -تخصّصاً- حصل على بكالوريوس أوّلِ قسمِ صحافة في كلية الآداب، بجامعة بغداد سنة 1964، ثم نالَ الدكتوراه في تاريخ الصحافة من بريطانيا، وهو على هذا الصعيد -بتواضعه الجمّ وعلميّتهِ النادرة- لا يُفَضّلُ أنْ نسمّيه “مؤرخاً”، ويرى صفة “باحث في تاريخ الصحافة العراقية” مقبولةً عنده. لكنّه -تاريخاً- نجلُ رمزٍ كبير للصحافة العراقية، ذلك هو علَمُها، ورمزُ التزامِها الوطني، الكاتب، الصحافي الأستاذ ابراهيم صالح شكر، الذي أصدر صحيفة “الزمان” قبل نحو قرنٍ من الزمن!.

    ولأنّني، سمعتُ بالدكتور مليح، ولم أرَه، كانَ لابدَّ أنْ أستشهدَ بآراء صحافيين أساتذةٍ من زملائنا المشتركين، عرَفوهُ وعَرَفتُهم..يقول عنه الزميل الكاتب الصحافي الرائد أحمد صبري، بإيجازٍ جميل: “إنّه صحفيّ متمرّس، ومن الروّاد، وكان له دورٌ متميّز في (واع) وهو طموح ، ومحترم، شغل مواقعَ في مهنة الصحافة، ومن أبرز 48 صحفياً في أوّل دورة لقسم الصحافة بكلية الإعلام .ذاكرتُهُ الصحفية والسياسية تحديداً جيدة، عايش فترة عبد الكريم قاسم وعبد السلام وفترة البعث، وأعتقد أنّهُ يمتلك أسرارَ هذه الفترات.

     يحسُنُ بي الآن أنْ أكتفيَ في هذا الجزءِ الأوّل، بما قدّمتُ فيه لمقابلتي مع الزميل الصحافي الأستاذ “د.مليح”، الذي عالجَ “طمَعي” في استخلاصِ ما تكتنزهُ  ذاكرتُهُ الصحافية شديدةُ الدِّقة، بسخاءٍ نادرٍ، برغم تجاوزهِ الثمانين، أطالَ الله في عُمُرهِ، ومتّعه بتمام العافية. ولأنّ تفاصيلَ المقابلة، اتّسعت مساحتُها، رأيتُ أنْ أقدّمها للقارئ اللبيب بثلاثة أجزاءٍ ننشرها بتوقيت بغداد صباح كلّ أربعاء، كما دَرَجْنا على ذلك في الثلاث عشرة مقابلة التي نُشرت، والتي جعلنا مسكَ ختامِ سلسلتِها الأولى، مقابلتنا الرابعة عشرة مع أستاذنا العزيز د. مليح ابراهيم صالح شكر. وإليكم تفاصيل جزئها ذي الرقم “1”:          

     **”برقية”: ما الملامحُ الرئيسة برأيك الأكاديميّ المتخصّص، لكل مرحلةٍ من مراحل الصحافة في العراق ؛ الملكية، الشيوعية، القومية، البعثية، ما بعد الاحتلال حتى الآن؟

    ــــــــــــــــــــــــ د.مليح: بالتأكيد هنالك ملامحٌ لكل فترةٍ من فترات أنظمة الحكم في العراق، لكنّها تكاد أن تتشابه في إدارة الدولة للصحافة، ومحاولات السيطرة على الحياة الصحفية وتختلف فقط في الوسائل التي استُخدمت في هذا المجال.

   أود ان أقول ان حرية الصحافة مورست في فترات قصيرة في العراق وفي مختلف عهود أنظمة الحكم ملكية وجمهورية لكنها تحت الاحتلال البغيض والطائفية لم نجد سوى الفوضى في نشر الصحف وفوضى كتابة التعليقات والمقالات، والغرض منها تجاريٌ وإن كان من أصدرها جهة سياسية من الجهات التئ أفرغتها ثقافة المارينز، وشرذمة العراق وإخضاعه للغرباء.

     **”برقية”: لو سألناكَ أستاذي أنْ تحدّدَ لنا عشرَ جرائدَ على امتداد تاريخنا الصحافي وبإزائها عشرة صحافيين كبار يمكنُ أنْ نعدّهم الأسوة أو القدوة، فهل تفتحُ قلبكَ لنا بتحديد ذلك وتعليله؟

    ــــــــــــــــــــــــــ د. هذا سؤال صعب وممتع في الوقت نفسه !

ولا أعتمد هنا على العاطفة لكي أستذكرعشر صحف وعشرة صحفيين من بين مئات الصحف والصحفيين الذين مرّوا في شارع الصحافة العراقية.

  1- أبدأ بالكاتب الصحفي ابراهيم صالح شكر، وصحيفته الزمان عام 1928. وكان الوالد، أول من أصدر صحيفة بهذا الاسم “الزمان” في تاريخ العراق.

وتفادياً للتكرار، ستجد تفاصيل حياته الصحفية في جوابي المستفيض على السؤال الثالث .

  2-عبد القادر اسماعيل البستاني :

  هو الوحيد من رواد الصحافة العراقية، الذي تولّى بنجاح إصدار وتحرير أثنتين من أكثر الصحف العراقية إثارة للجدل، في العهدين الملكي والجمهوري، وهو أيضاً أول عراقي تُسقِط الحكومة الجنسية عنه.

وأقصد بالجريدتين؛ جريدة الاهالي عام 1931 وجريدة اتحاد الشعب الناطقة بلسان الحزب الشيوعي العراقي عام 1959. ولعبد القادر، ثلاثة أشقاء هم خليل، ويوسف، وعبدالله.

   وتولى شقيقهم الأكبر خليل اسماعيل البستاني منصب وزير المالية في العهد الملكي ، الأولى في حكومة مزاحم الباجة جي عام 1948 والثانية في حكومة نوري السعيد عام 1949  وأختار العيش في لبنان حتى أصبحت  أبنته الدكتورة سعاد خليل البستاني وزيرة التعليم العالي والبحث العلمي في نظام البعث بعد عام 1970 فعاد الى العراق.

   من المعروف تاريخياً أنّ جماعة الأهالي وعبد القادر منهم تآمروا مع الفريق بكر صدقي قائد الجيش للإطاحة بحكومة ياسين الهاشمي ونجحوا  في 29 تشرين الاول عام 1936 في أول إنقلاب عسكري في العراق .ودبَّ الخلافُ بين قادة الأهالي والحكومة الانقلابية برئاسة حكمت سليمان وقائد الجيش بكر صدقي علماً بأن حكمت كان أحد قادة الأهالي وهو من ورَّطهم بالتعاون مع قائد الجيش للاطاحة بحكومة ياسين الهاشمي.

   وهرب الوزير المستقيل كامل الجادرجي مع آخرين الى قبرص، وعبد القادر وشقيقه يوسف الى لبنان وسوريا ثم رحل يوسف الى فرنسا ولم يعد إلى العراق ، كذلك هرب الوزير المستقيل الآخر جعفر أبو التمن إلى إيران.

   وجميعهم عادوا الى العراق بعد مقتل بكر صدقي وسقوط حكومة حكمت سليمان باستثاء عبد القادر وشقيقه يوسف حيث مارس عبد القادر نشاطه الشيوعي حتى أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري اللبناني وأسقطت حكومة حكمت سليمان الجنسية عنه وعن شقيقه يوسف. ولم يعد عبد القادر الى العراق إلا بعد إعلان النظام الجمهوري في 14 تموز 1958 ليصدر بعد شهور جريدة الحزب الشيوعي العراقي اتحاد الشعب.

  وأخرج رئيس الحكومة عبد الكريم قاسم  عام 1961 ، عبد القادر من الحياة الصحفية للأبد بتعطيله جريدة اتحاد الشعب بينما أخرجه النظام البعثي عام 1963 من الحياة السياسية للأبد باعتقاله وإظهاره على شاشة التلفزيون للحديث عن أخطاء حزبه الشيوعي واعتكف في منزله بمنطقة الزوية في الكرادة الشرقية حتى وفاته في كانون الأول عام 1979.

   3-رفائيل بطي:

   لعل رفائيل بطي من أنجح الصحفيين الرواد في إدارة وتحرير جريدة سياسية يومية. وواظب على إصدار البلاد بانتظام منذ بداية الثلاثينات من القرن الماضي حتى وفاته عام 1956 باستثناء فترات أجْبِرَعلى إصدارهما بسبب السجن او السفر الطويل في وظيفة حكومية كما حصل بعد اعتقاله إثر فشل ثورة مايس عام 1941، وبعد وفاته تولّى ورثته كمال وسامي وفائق اصدار الجريدة فاصبح كمال رئيساً للتحرير وسامي مديراً للادارة وفائق مديراً للتحرير وحتى توقفها نهائياً في 8 شباط عام 1963 واعتقال السلطات البعثية الجديدة الأشقاء الثلاثة مع عدد من الصحفيين .

   إسمح لي أن أعود لذلك الكاتب ومحاضرته خارج العراق التي أضاف فيها خطأً تأريخياً آخر حينما زعم أن فائق بطي أصبح صاحب البلاد بعد وفاة والده!. والتاريخ يؤكد أن فائقاً لم يكن صاحب الامتياز ابداً، والدليل صورة ترويسة البلاد المرفقة التي تظهر أنّ أصحاب الامتياز هم ورثة رفائيل بطي. والاشقاء الثلاثة تولوا أمور الجريدة عندما أصبح والدهم رفائيل وزيراً في حكومتي فاضل الجمالي عامي 1954 – 1955 وكذلك بعد وفاته وحتى شباط 1963.

  4- قاسم حمودي وجريدة لواء الاستقلال ثم الحرية

 هذه الشخصية، صاحبُها أحدُ روّاد الصحافة العراقية، وهو من مواليد بغداد عام 1910، درس الحقوق في بغداد، وكان من أوائل العاملين في إنشاء حزب الاستقلال مع محمد مهدي كبة عام 1946، وأصدر جريدة لواء الاستقلال ناطقة بلسان الحزب. داوم قاسم حمودي على إصدار الجريدة إلى أنْ عطّلها الفريق نور الدين محمود عام 1952 وألغى الأحزاب، ولم تكد تصدر من جديد حتى ضرب نوري السعيد عام 1954 جميعَ صحف العراق وأحزابه بالإلغاء نهائياً.

  وعندما فتح السعيد الباب لإصدار صحف جديدة أصدر قاسم حمودي جريدته  الجديدة وسمّاها الحرية وواصل إصدارها في العهد الجمهوري لكنه تعرض للمتاعب بسبب مناهضته للنفوذ الشيوعي الذي هيمن على الحياة السياسية.

  وفي إحدى المرات هاجم الشيوعيون الغاضبون مكاتب جرائد الحرية واليقظة وبغداد في فروع منطقة  الحيدرخانة والعاقولية وحطموها  ونثروا ورقها في شارع الرشيد بينما نجا العاملون من صحفيين وعمال المطبعة بالهروب عبر سطوح المنازل المجاورة.

وكان حمودي قد أعاد إصدار “الحرية” في 25 أيلول عام 1968 عقبَ تولّي البعثيين مقاليدَ الحكم للمرة الثانية، بعد أن كان يُصدر جريدة باسم الطليعة في عهد الرئيس عارف حصل على إمتيازها في 17 نيسان عام 1964 وتعرضت للتعطيل ثم الإلغاء فيما بعد.

  5- لطفي بكر صدقي وصوت الأحرار

 من مواليد بغداد، عاش في الاعظمية، وأشتغل مبكّراً في العمل الصحفي . وقبل أن أسترسل أوضّح أن من الأوراق التي تركها الوالد إبراهيم صالح شكر بضعة مراسلات من لطفي بكر صدقي. وكانَ لطفي قد تعرّض لغضب شقيقي الأكبر رياض الذي رفض تسليمَهُ ما قيل إنها مذكراتُه حفظها عند الوالد لكي لا تتعرض للضياع بسبب تعرّضه للاعتقال أكثر من مرة. ولما توفي الوالد اتصل لطفي مع رياض لاستعادة المذكرات لكن رياضاً رفض تسليمها له لإنه لم يكن يعرف لطفي، حتى أقتنع بايضاح لطفي ووساطة بعض المعارف فسلم الاوراق له.

   ومن ناحيتي التقيت لطفي بكر صدقي عدة مرات بعد عام 1964 في مقر عمله في جريدة البلد لصاحبها عبد القادر البراك في ساحة السراي، وأطلعني لطفي حينها على معلومات عن حياة الوالد الشخصية والصحفية والحكومية.

  عموماً تعود علاقة الوالد بلطفي الى عقد الثلاثينات من القرن الماضي حينما كتب الوالد مقالاتِ مجلة الوميض التي أصدرها لطفي بكر صدقي في 28 تشرين الأول عام 1930. وهي مجلة أدبية أسبوعية جامعة بسبع عشرة صفحة من الحجم الكبير وإشترك في كتابة مقالاتها أيضاً يوسف رجيب والشاعر اللبناني أمين نخلة والشاعر معروف الرصافي ومصطفى علي، واهتمت بالأدب العراقي والعربي والعالمي خصوصاً وإن صاحبها كان كاتب قصة قصيرة أيضاً.

   على اية حال تعرض لطفي للاعتقال اثر فشل انتفاضة مايس 1941 ضد النفوذ البريطاني ونفي إلى روديسيا في جنوب افريقيا .ولمّا عاد الى العراق أسهمَ مع عدد من السياسيين في إنشاء حزب الأحرار برئاسة سعد صالح وأصدر جريدة صوت الاحرار عام 1946 لتكون ناطقة بلسان الحزب .لكن الحزب لم يستمر، لكنْ وبسبب وفاة سعد صالح، واصل لطفي إصدار الجريدة فتعرضت عديدَ المرّات للتعطيل ومنها خلال حكومة الفريق الركن نور الدين داود عام 1952 ثم عطلها نوري السعيد عام 1954 نهائياً مع عشرات الصحف.

   بعد إعلان النظام الجمهوري في 14 تموز عام 1958 أعاد لطفي بكر صدقي إصدار جريدته صوت الاحرار ، وأصبحت في مجموعة الصحف التي تبنّت أو ساندت الحزب الشيوعي العراقي الذي هيمن على الحياة السياسية. وكان عزيز الحاج يكتب مقالاتها السياسية حتى تخلّى عبد الكريم قاسم عن مساندة الشيوعيين فعاد لطفي بكر صدقي إلى تأييد رئيس الحكومة خصوصا وأنهما يعرفان بعضهما البعض قبل قيام النظام الجمهوري.

  على أية حال واصل صدقي إصدار جريدته حتى الثامن من شباط عام 1963 حينما أطاح البعثيون بنظام عبد الكريم قاسم واعتقلوا المؤيدين والشيوعيين، والصحفيين ومنهم لطفي بكر صدقي، وأغلقوا جريدته صوت الاحرار والجرائد الأخرى ولم تصدر بعد ذلك التاريخ إطلاقاً.

    6-سلمان الصفواني واليقظة ..

 من مواليد عام 1899 وتوفي سنة 1988 لكن مكان ولادته اختلف عليه فمنهم من يقول إنّه وُلد في السعودية أو في المِشْخَاب بالعراق، لكنْ بالتأكيد هو من أصل سعودي. درس الابتدائية في مدارس البحرين وهاجر الى العراق لتلقي العلم في النجف ثم مارس التدريس في الكاظمية ببغداد ودار المعلمين في الأعظمية ومدارس أخرى.

   وإشتغل في وزارات المعارف والداخلية والمالية وكان أولُ منصبٍ شغله وظيفة مديرالإذاعة العراقية عام 1938، وأصبح وزيراً في السادس من أيلول 1965 خلال عهد الرئيس عبد السلام عارف. غادر إلى لبنان عام 1959 بعد أن تعرضت مكاتب جريدته “اليقظة” للتدمير. وانتقل الى مصر باستضافة الحكومة المصرية حتى استوزره عبد الرحمن البزاز في وزارته الأولى في عهد الرئيس عبد السلام وكذلك في وزارته الثانية في عهد الرئيس عبد الرحمن عارف. وإنصرف الصفواني بعد ذلك لشؤونه الخاصة ببغداد حتى وفاته عام 1989 عن عمر 88 عاماً.

   كان الصفواني من ضمن الشخصيات التي وقعت عريضة مبايعة الملك فيصل على عرش العراق ، وبقي على علاقة ودٍّ مع البلاط الملكي. أصدر العدد الأول  لجريدة “اليقظة” في يوم الجمعة الخامس من أيلول عام 1925 واستمرت بين صدور وتعطيل حتى عام 1959 عندما أحرق الشيوعيون مكاتبها في الحيدرخانه سوية مع مكاتب الحرية وبغداد .

    وإثرَ تعطيلها لأول مرة بعد العدد الثالث عشر، استأنف الصفواني إصدارها عام 1929، ثمّ احتجبت بمجرّدِ أن صدر عدد واحد منها. وبعد إطلاق سراحه في أعقاب فشل انتفاضة مايس 1941 اضطرَّ للعمل في بيع السكائر ليمسكَ رمق عيشهِ، حتى عاد إلى الصحافة عام 1945 فأصدر “اليقظة” التي تعرضت للتعطيل عديد المرات، ثم أصبح الصفواني من قادة حزب الاستقلال الذي تأسس بزعامة محمد مهدي كبة .

   وفي العام 1954 ألغى نوري السعيد إجازات جميع الأحزاب وصحفها، ولم يسمح بالصدور إلا لثماني صحف كانت “اليقظة” من بينها بضغط من الأمير عبد الاله تقديراً منه لدور الصفواني في مبايعة الملك فيصل الأول.

7-سعد قاسم حمودي

   من مواليد بغداد عام 1937، درس علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة بغداد ، وخلال حياته الجامعية كان يرافق والده قاسم حمودي في عمله بجريدة الحرية  وتعلّم منه الكثير من المهارات الصحفية .

   تولى سعد قاسم حمودي رئاسة تحرير جريدة الجمهورية بعد 17 تموز 1968  وحتى عام 1977 عندما استوزر وزيراً للإعلام ، ثم عاد عام 1979 الى الصحافة رئيساً لتحرير جريدة الثورة، ليستمر فيها حتى عام 1982.

  انتخب سعد قاسم حمودي عديد المرات نقيباً للصحفيين بين عامي 1970 – 1986 ورئيساً لاتحاد الصحفيين العرب في الأعوام 1978- 1996، فيما أصبح عضواً في المجلس الوطني العراقي لثلاث مرات من 1980 – 2000 وترأس لجنة العلاقات العربية والدولية في المجلس بالإضافة الى عدد من المناصب الحزبية والحكومية حتى الاحتلال الامريكي عام 2003 فأقام في دمشق حتى وفاته في 7 نيسان عام 2007 ودفن في دمشق.

   8- فيصل حسون وجريدة لواء الاستقلال وجريدة الجمهورية

   من مواليد عام 1922 الأخ الأكبر لأربعة أشقاء وثلاث شقيقات، أصوله تعود الى منطقة الدورة حيث كان جده يملك مزرعة وبستاناً، إلا أنّهم كانوا يقيمون في محلة قهوة شكر في رصافة بغداد خلال الموسم الدراسي. أنهى الابتدائية في مدرسة “التسابيل” القريبة من محلة قهوة شكر، ثم أكمل المتوسطة في الرصافة  وبعدها في الإعدادية المركزية.

    اعتقل عام 1942 لاشتراكه في مظاهرات مناهضة للحكومة ثم حكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة سنة وهو في السنة الأخيرة من دراسته الثانوية فانقطع عن الدراسة.  اشترك فيصل حسون في حزيران عام 1946 مع قاسم حمودي في إصدار جريدة “لواء الاستقلال” لسان حال حزب الاستقلال بقيادة محمد مهدي كبة عندما  أجيزت الأحزاب السياسية بعد الحرب العالمية الثانية. وقبل ذلك أصدر فيصل حسون جريدة “اللواء الجديد” لبعض الوقت، إذ لم يُصدِر منها إلا خمسة أعداد، ثم انتقل إلى لواء الاستقلال.

   وفي عام 1954 شارك في اصدار جريدة “الحرية” وتولى عام 1964 رئاسة تحرير جريدة الجمهورية. وأقام في سوريا ثم مصر حتى التحق مستشاراً في وكالة الانباء الكويتية وهو الذي أسس أرشيفها .

  وله عديد المؤلفات في الصحافة. وأسهم فيصل حسون خلال توليه رئاسة نقابة الصحفيين عام 1964 ولثلاث دورات حتى عام 1967 في تحقيق مشروع  تأسيس اتحاد الصحفيين العرب الذي عقد بالكويت  في شباط عام 1964 وانتخب نائباً لرئيس الإتحاد، ويُنسبُ له الفضل في مشروع تأسيس صندوق تقـــــــــــاعد الصحفيين عام 1965. وهو من اقترح يوم 15 حزيران عيداً للصحافة العراقية تزامناً مع الذكرى السنوية لصدور أول جريدة عراقية، باسم “زوراء” خلال العهد العثماني.

  ولعله من الغرائب في حياة فيصل حسون، عمله في إدارة معمل سمنت السماوة . سألته مرة: ما هي قصة معمل السمنت؟، فأجابني بإيجاز لكنه أرسل لي صور لصفحات إحدى كتبه الخاصة بهذا الموضوع ، ولاحظت حجم الضغوط التي تعرض لها من الجانبين، إدارة شركة السمنت التي تريد الاستفادة من نجاحه في إدارة معمل السماوة، ومن وزير الثقافة والارشاد عبد الكريم فرحان ليتولى مهام رئيس تحرير جريدة الجمهورية التي حَلّت بعد 18 تشرين الثاني 1963 محل جريدة الجماهير البعثية .وأجرى فيصل تسوية مؤقتة مع إدارة شركة السمنت، بأن يتمتع بإجازة من دون راتب لمدة شهرين عسى أن يتمكن خلالها من ترك الصحيفة والعودة الى الشركة لأنه كان مرتاحاً فيها، لكنه لم يستطع الفكاك من الجريدة بعد ان أصبح نقيباً للصحفيين.

  وأقام بعد عام 1967 في دمشق ملحقاً صحفياً خاصة وأنّ زوجته سورية، لكنه تعرض للمتاعب في تجديد إقامته، وقيل أن وزير الخارجية إبراهيم ماخوس كان ضد التجديد ظناً منه أن فيصلاً كان وراء خبر سلبيّ نشر في العراق.

  على أية حال إنتقل فيصل الى مصر واستضافته الحكومة المصرية حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي حين انتقل للعمل مستشاراً لوكالة الأنباء الكويتية حتى الاجتياح العراقي في 2 آب 1991 فعاد الى منزله في بغداد ورفض العودة لعمله في الكويت بعد عودة  حكومتها .والتحق بعد ذلك بابنه علاء المهندس في مدينة دينفر بولاية كورورادو الامريكية حتى وفاته في 23 كانون الأول عام 2019 عن عمر 97 عاماً.

 9- ثابت حبيب العاني و”طريق الشعب”

   ثابت حبيب من مواليد جزيرة “الحضرة” وسط الفرات مقابل محلة غازي في مدينة “عنه” القديمة، درس في المدرسة الابتدائية المركزية ثم إنتقل الى بغداد عام 1936 والتحق بالمدرسة المتوسطة في الكرخ وبعدها التحق بالمدرسة العسكرية .

   ليس معروفاً كيف أصبح ثابت حبيب العاني شيوعياً، لكنْ هنالك رأي يقول إن سالم عبيد النعمان العاني الشيوعي هو من أثر فيه وربما تعود علاقاتهما ببعض منذ أيام كانا في “عنه” ولا تبعد بيوت “قزان” التي ينتسب اليها سالم كثيراً عن “عنه” حيث عاش ثابت . وتمكن  ثابت  من الألتحاق بدورة تدريبية في بغداد  على المساحة ونجح فيها ليشتغل بعدها اعتباراً من العام 1945  مَسَّاحاً في بعقوبة والحلة وفي مديرية المساحة العامة ببغداد، ثم تنقل في وظيفته بين البصرة وديالى والديوانية والعمارة وحديثة وشارك في إضراب عمال النفط في “كي ثري”، واعتقل عند عودته الى بغداد فواصل وظيفته حتى حصل عام 1950  على فرصة تدريب في باكستان على شؤون المساحة متخصصاً بالمسح الجوي ، وتعرض للاعتقال مرة اخرى عام 1952 لمشاركته في مظاهرات مناهضة للحكومة، فأرسِل مجنداً الى معسكر السعدية، أيامَ كانت الحكومة ترسل بعض معتقليها الى المعسكرات للتدريب من دون أن تكون لهم حرية استخدام السلاح. وفي عام  1955 عاد الى بغداد عضواً في محلية بغداد للحزب الشيوعي.

    حاول ثابت حبيب العاني إكمال تعليمه الجامعي لكنه تعرض للفصل من كلية التجارة القسم المسائي وهو في السنة الرابعة الاخيرة فتوظف مسّاحاً مرة اخرى في شركة أجنبية تعمل في منطقة الغراف والحي مواصلاً نشاطه الحزبي. وفي عام 1956 طلب الحزب منه العودة الى بغداد ليتولى مسؤولية شؤون الطلبة وبقي عضواً في محلية بغداد، واعتقل مجدداً وهذه المرة في سجن نقرة السلمان في صحراء السماوة جنوبي العراق، حتى أطلق سراحه بعد حوالي سنة من الاعتقال.

   وفي وقت لاحق اشتغل مع أحمد سوسة مدير المساحة العام المفصول من وظيفته في شركة للمساحة اتخذت من عمارة الاورفلي في شارع السعدون مقراً لمكاتبها، وحينها في عام 1957 أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي.

   شارك عام 1961 في وفد الحزب الذي حضر في موسكو المؤتمر الثاني والعشرين للحزب الشيوعي السوفيتي،  وهنالك التحق بمدرسة حزبية تابعة لاكاديمية العلوم السوفيتية مع عدد من قادة الحزب العراقيين ثم نشبت بينهم خلافات أسفرت عن تجميد عضوية بعضهم ومنهم ثابت حبيب العاني، فعاش متنقلاً بين الاتحاد السوفيتي وجيكوسلفاكيا حتى عاد الى بغداد عام 1965، فاعتقل مجدداً، واطلق سراحه مع عدد من رفاقه بعد 17  تموز عام  1968.

   وفي وقت لاحق أصبح ثابت حبيب العاني، عضواً في المكتب السياسي للحزب،  صاحب امتياز صحيفة الحزب العلنية (طريق الشعب) التي واظبت على الصدور يومياً حتى تفكّك الجبهة الوطنية عام 1978. وانتقل ثابت بعدها الى شمال العراق حيث تولى قيادة الحزبيين الشيوعيين في محاربة القوات والسلطات العراقية ، وفي منتصف الثمانينيات من القرن الماضي دبّت الخلافات بين قادة الحزب الشيوعي فكان ثابت من بين مجموعة القياديين الذين تعرضوا للفصل واختاروا الحياة في عدد الدول الأوروبية، وبقي ثابت في لندن حتى وفاته في عام 1998 في إحدى المستشفيات البريطانية. ومن المعلومات الخاصة أن الشيوعي ثابت حبيب العاني هو ابن عم البعثي عربي حمدو اليوسف العاني  وهو من جزيرة “الحضرة” أيضاً والذي كان في عقد السبعينيات قيادياً بعثياً وعضواً في قيادة فرع أبو غريب لحزب البعث.

                       انتظروا القسم (2) من المقابلة يوم الأربعاء المقبل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    ولدت عام 1942 في محلّة “رخيته” بالكرادة الشرقية في وقتٍ كان فيه الوالدُ عندما يستأجر بيتاً لا نبقى فيه طويلَ وقتٍ، حتى أجبرت العائلة بعد وفاة الوالد في مايس1944 على العودة الى محلة “قهوة شكر بالرصافة .

    لابد من ان يكون عمري حينئذ قد لفت الإنتباه ! . كنتُ ابن عامين عند وفاة الوالد الذي لم يكد جثمانه يوارى الثرى حتى لحقته الوالدة بعدة شهور ، ولكي تكتمل الفاجعة، توفي شقيقنا الأكبر رياض عام 1945 في لبنان ودفن هناك.

    تكفلت جدتنا لأمنا بتربيتنا ، وكنا ثلاثة ، أنا الأصغر بينهم ولم يكنْ لهذه الجدة الفاضلة أي مورد مالي في السنوات الاولى من حياتنا عندها.

   وتفضل نائب رئيس الوزراء علي جودت الأيوبي عام 1954 بتخصيص راتب تقاعدي لنا الثلاثة كان عوناً لجدتنا في رعايتها لنا، حتى عام 1961 عندما أصبح شقيقنا الأكبر ضابطاً في الجيش فانقطع ذلك الراتب التقاعدي لأنه اصبح معيلاً حسب القانون .

 التحقت الجدة مع بناتها اللواتي أصبحن معلمات في قضاء عنه بلواء الدليم، محافظة الأنبار لاحقا ،حوالي عام 1945 وكان من الطبيعي أن تأخذنا معها، وهنالك في هذه البلدة الغافية على ضفاف الفرات قضيت طفولتي وبعض سنوات شبابي، ودرست في مدارسها الابتدائية والمتوسطة.

    وعدنا عام 1961 الى بغداد فالتحقت بالصف الثالث بمتوسطة المثنى ثم بثانوية الاعظمية ،وفي عام 1964 التحقت بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة بغداد حال افتتاحه لأول مرة في تاريخ العراق.

    وكُنّا أول مجموعة تضم 48 خريجاً درس الإعلام أكاديمياً وتوزعنا على أجهزة الإعلام لكني كنت قد حصلت من خلال علاقاتي الحزبية في صفوف ما كان يسمى البعث اليساري على وظيفة مراسل الوكالة العربية السورية للانباء “سانا” فسافرتُ الى دمشق ووقعت عقد عمل  براتب معتبر لأكون مراسلًا في بغداد.

وبقيت مع “سانا” حتى تشرين الثاني عام 1970 عندما أطاح وزير الدفاع حافظ الأسد بنظام الحكم الذي كنتُ من أنصاره فكتبت استقالتي لألتحق بعد أيام بوكالة الانباء العراقية.

    وهكذا عشتُ مع (واع) كل سنوات حياتي المهنية، وعملت فيها مندوباً ومحرراً ورئيس محررين وسكرتير تحرير ، ومراسلاً في القاهرة أعوام 1976 – 1977 وقد تعرضت للإبعاد من مصر  مع مئات الصحفيين والدبلوماسيين وغيرهم من العراقيين والعرب الآخرين.

     ومن بعد ذلك ذهبتُ إلى الجزائر مراسلاً لواع وقضيت فيها سنتين .

ألتحقت عام 1982 بجامعة أكستر في بريطانيا للحصول على شهادة الدكتوراه وفي عام 1987 عدت الى بغداد بشهادتي العالية.

    وفي مركز (واع) توليت لبعض الوقت مهام رئيس قسم الأخبار الداخلية المسؤول عن كل المندوبين في بغداد وكل مراسلي الوكالة في المحافظات العراقية، ثم أصبحت سكرتير التحرير لقسم المكاتب الخارجية المسؤول عن كل المراسلين في العواصم العربية والأجنبية.

وفي عام 1989 سافرتُ إلى نيويورك مراسلاً لواع لدى الأمم المتحدة وقضيت فيها سنوات لعدم قدرة العراق على استبدالي بسبب قطع العلاقات مع الولايات المتحدة  وحتى  احتلال  العراق في نيسان عام 2003.

   بعدها اشتغلت لبعض الوقت صحفياً في بعثة عربية في نيويورك حتى انتهى عقدي معهم .

   وما أزال أقيم في ضواحي نيويورك مع عائلتي وأبنائي الثلاثة. واتقاضى عن خدمتي في (واع) التي امتدت لحوالي ثلاثين عاماً راتباً تقاعدياً شهرياً  لا يكفي لشراء خبز ويصلني دورياً من بغداد.

  ولي ثلاثة مؤلفات في تاريخ الصحافة هي:

تاريخ الصحافة العراقية في العهدين الملكي والجمهوري 1932 -1967

منشورات الدار العربية للموسوعات ، بيروت، لبنان، 1910

دفاتر صحفية عراقية ، البعث والصحافة، مرحلة عام 1968، دار البداية، عمان، الاردن ،2018.

– صفحات من تاريخ العراق ، تراث الكاتب الصحفي إبراهيم صالح شكر، دار البداية ، عمان ، الاردن ، 2018

مقالات ذات صلة