مقابلات

د. رافد حدّاد لـ”برقية”: إنسانُ المعرفةِ التنويريُّ..هو ما أردّتُ أنْ أكونَهُ في عالمِ الصحافةِ!

   ليس سهلاً، أنْ أكتبَ عن “قامةٍ صحافية” من طِرازِ”رافد حدّاد”، فهو قبلَ أنْ “يتدَكْتَرَ” كان بما في حَرْفِهِ من أداءٍ -أخباراً وكتابةً- مجنونَ صحافةٍ، لا يَضْجَرُ، ولا يَسْأمُ، يَثِقُ به مَنْ هوَ في مرتبةِ العملِ رئيسٌ، ويُجّلُهُ لمُكنتِهِ ورُقيّ سلوكهِ مَنْ هو مرؤوسٌ. لغتُهُ السهلُ الممتنعُ، ودِقّةُ مَعلوماتِهِ، حداثَةً وأرشيفاً وتواريخَ لها مصداقيةٌ عندَ جميعِ من عَرفَهُ!. كان هذا قبلَ أنْ ينالَ بامتيازٍ شهادتيْ الماجستير والدكتوراه في ميدانِ اختصاصهِ.

     وفي رأيي اللامتواضع، بهذه “القامة الصحافية” خاصّة، أستطيعُ القول: إنّني أدركتُ بمجَسّاتِ خبيرٍ متمرّس، مدى الإضافةِ العلميةِ التي اكتنزها صديقي الحبيب “أبو نور” أو “أبو الرُفدِ” من تجربتهِ الأكاديميةِ التي نالَ بها “دالَهُ” بحسب توصيف العلّامة الشيخ جلال الحنفي رحِمَهُ الله، ليُصبحَ الدكتور رافد حدّاد، باستحقاقٍ ذي مصاديقَ كثيرة، عرَفَهُا فيه شيوخُ عِلمِ الصحافة الّذينَ دَرَّسُوه، كما عَرفَها منهُ تلاميذهُ الّذين دَرَسوا على يَدَيْهِ.

     عَمِلنا معاً لأزيدَ من عَقدٍ في صحيفةِ “القادسية”، وكُنّا فيها جُنْدِييْن، بقلميْن لا ببندقيّتيْن، وفي صحيفةِ “الجمهورية”، وكُنّا فيها متَّفقيْن على أفضلِ ما يكونُ التناغمِ الزَمَاليّ، الأخويّ ، ثم فرّقتنا “غُربتُهُ” التي اختارَها راغباً ومُكرَهاً، لأسبابٍ لسنا بصددِها الآن!. ولكيْ أفصِحَ عن شيءٍ، لهُ في ذاكرتي رسوخُ مسمارٍ في خشبةٍ، أقولُ لكم، كما كنتُ أردِّدُ دائماً: (خصمُ رافدٍ هو الغلطانُ دائماً!). وعِلَّةُ ذلك عندي، أنّه آيةٌ في سِلْميّتهِ، ومسالمتهِ، وله دِقّةٌ وصِدْقيّةٌ في موقفِهِ، وشجاعةٌ في التزامِ رأيهِ، ولهُ أيضاً “جُنُونهُ” في إيثارِ غيرهِ على نفسهِ، وفي كبيرِ التضحيةِ للواجبِ والمسؤولية!.

      فما المفاجأةُ بعدَ ذلك كلّهِ، وأنا هنا “أروي شيئاً من سيرةٍ”؟!..إنّها “لقاء المنفى” في كندا، التي جاءَها سنة 2009، وحَلَلْتُ فيها قبلَه سنة 2000، ثم لنلتقيَ في مدينةِ “كالغري” منذُ سنة 2017، وإذْ جرّبتُ أنا إصدارَ صحيفة “التيار العربي” في مدينة “هاليفاكس” لنحوِ سنةٍ، جرّبَ د. رافد إصدار صحيفةِ “مشرقيات” التي ستعرفون شيئاً عنها في إجاباته عن أسئلتي… الحديثُ ذو شجون، لكنَّ وعدَ تفاصيلِ المقابلةِ أزفَ، ولابدَ ممّا ليس منهُ بدٌّ:   

    **”برقية”: أبعدَ هذا العمرِ من الإغترابِ عن الوطن ؛ ما زلتَ تنظرُ باحترام للصحافةِ والإعلام مؤمناً برسالتهما لخدمة المجتمع؟

    ــــــــــــــــــ د. رافد: بما أنَّك ذكّرتني بغُربتي الطويلة أقول إنّ ( الغُربةَ كُربةٌ) وقد تذكّرت حال قراءتي لسؤالِك عبارةً عميقةَ المعنى للشاعر الراحل شاكر السماويّ قال فيها ( حَزِنتُ على وطني إذ خسِرني وعليَّ إذ خسرتُهُ)..وهي  فكرة تنطبق على الالآف المؤلفة من أصحاب الكفاءات المبدعين البنائين وهم يعيشون منفيين في الأرض، يقبضونَ على الجَمْرِ ويكتوون بنار الغربةِ بعيداً عن الوطن.

      وها نحنُ في أقاصي العالم نبقى نجترُّ ذكرياتِنا ومحطاتِ حياتنا ونطلقُ العنانَ لخيالِنا ليأخذنا الى عالمنا الحقيقيّ _ الوطن _ على وعد اللقاءِ الذي قد لا يأتي أو يتحقّقُ وكأنه طيفُ حُلُمٍ صيفيّ بعيدٍ.

   وفي الوقتِ نفسهِ علينا ألّا نغفل أنهُ أحياناً يكون الإغترابُ داخل الوطن نفسهِ نتيجةَ غياب العدالةِ الإجتماعية والفرص المُستحقّة ومحاصرة الابداع الحقيقيّ أكثرَ مأساويةً وقسوةً من الإغترابِ في الشتاتِ لأنهُ يمثل موتا بطيئاً، فأشدُّ انواعِ الغربةِ، تلك التي تُصاب بها وأنتَ في وطنِك.

   وأعودُ الى الشطر الثاني من سؤالك لأقولَ إنّني كنتُ وما أزال عاشقاً للصحافةِ حدَّ الهُيام، ومؤمناً بدورهِا ومكانتِها ووسائل الإعلام عموما في خدمةِ المجتمع والإرتقاء بهِ والنهوض بأركانهِ، وعليه فإن هذا العاشق لابدَّ أنْ يبقى على عهدِ الوفاء ويحترمَ معشوقته ويوقّرها. إنّني كنتُ وما أزالُ أؤمن أنّه لا سبيلَ لنهوض صحافةٍ جيدةٍ وتطورها من دونِ ممارسةِ حرية التعبير وإيجاد بيئةٍ نقيةٍ لهذه الممارسةِ مع التأكيدِ على ملازمة المسؤولية للحرية، إذ لا يمكنُ للإعلامِ أنْ يكتسبَ المصداقيةَ وأنْ ينهضَ بالدور المنوطِ بهِ وتبوّئ المكانة الجديرة في حياتنا العامة ما لم تُمارَسْ هذه الحريةُ في نطاقِ المسؤولية، وبرويةِ التبصّر وعُمقِهِ.

     وعِندما نتحدّثُ عن هذا الدورِ فإنّنا نقصدُ دورَ جميع الوسائلِ التي يتعرّض لها الجمهورُ الآن وهيَ تمثّلُ نتيجةَ تراكمٍ طبيعيٍّ للتطور والنهضةِ .. ففي بداية القَرن العشرين كان التركيزُ على الصحافة المطبوعة لتنتشرَ الإذاعة في الأربعينياتِ بشكل كبير، فيما انطلقت في الخمسينياتِ ثورةُ التلفزيون وفي عام 1962 شَهِدَ العالَمُ ثورة الأقمار الصناعية لنشهدَ في الثمانيات عصرَ البثِّ المباشَرِ والحيّ وخدمةِ القنواتِ الفضائيةِ، لتدخلَ ثورة الانترنت نهايةَ القرن العشرين على خطّ الصحافةِ والإعلامِ وبهذا تحقَّقت نبوءةُ العالِمِ الكندي مارشال ماكلوهان (أصبحَ العالَمُ قريةً صغيرةً) وتحوّل الى مراكز إرسالٍ وتلقٍّ لا يفصلُ بينهما سوى جُزءٍ من الثانية .

  أما اليوم فقد اختصرتِ التقنيةُ الكونَ في شاشةٍ صغيرةٍ للهاتِف المحمولِ التي تعكسُ لنا صورةَ عالمِنا المترامي الأطراف لحظياً ومباشرةً..

    **”برقية”: غادرتَ العراقَ قبلَ أكثرِ من رُبع قرنٍ؛ ما البوّاباتُ التي أدخلتكَ الى عالم الصحافة؟ وماذا بقي فيكَ من تجربِتك مهنياً وأكاديمياً؟

    ــــــــــــــــــ د. رافد: إنّ اختياريَ للصحافةِ كان اختياراً لطريقٍ غيرِ منتهٍ أو طريقٍ في طورِ الإنجاز الدائمِ ، و حَرصتُ في مراحل حياتي على تدريبِ عقلي وتطهيرِ قلبي وتربيةِ بصري وتهذيبِ بصيرتي متّبعاً كشّافاتِ فلاسفة التنوير وطروحاتهم عن ( انسانِ المعرفةِ ) الذي وصفه الفيلسوف نيتشه بالكائن ( المقوِّم ) .

  ( انسانُ المعرفةِ ) هوَ الّذي أردتُ أنْ اكونَهُ بناءً على ما أريدُ ومع ما أفكّرُ فيه ومع ما يمور في أعماقي..أردّتُ أنْ أكونَ إنساناً معرفياً ينهضُ بمهامه التنويريةِ في الحياة وهذا ما قادَني الى عالمِ الصحافةِ الفسيح لأنها تؤدي هذا الدور.

   أمّا عن البوّاباتِ التي أدخلَتْني في التجربة وكوَّنَتْني رافداً صحفياً فإنّها بوّاباتٌ منيعةٌ قابلَتْني في عديدِ مراحلَ من حياتي وسعيتُ الى الحصولِ على مفاتيحِها والولوجِ اليها. لقد قادَتْني هذه البوّاباتُ الى محطاتٍ بعضُها كان محفّزاً والآخرُ انتقالياً الى مراحلَ جديدةٍ. ولأذكر لكَ بعضَ الوقائع التي عزّزت في داخلي فكرةَ ( الإنسانِ المعرفيّ ) الذي يجدُ نفسَهُ في ربوعِ أو في بلاطِ صاحبة الجلالة:

    منذ الفتوّةِ، بلْ مذ كنتُ بعدُ طفلاً، وجدّتُ نفسي، ولأمرٍ لا أفقهُ كُنهَهُ، ميّالاً للقراءةِ والمطالعةِ، ففي الوقت الذي كان فيهِ أقراني يُمضون أوقاتَهم في باحةِ المدرسةِ، كنتُ أنا واحداً من روّاد مكتبتها الدائمين، وفي عمر الثلاثةَ عشرَ أصدرتُ مجلّتي الأولى والتي كتبتُ موضوعاتِها ورسمتُ أشكالّها، وأخرجتُها بأقلامٍ ملوّنةٍ، فكانت مثارَ إعجابِ أستاذي باللغةِ العربيةِ أنذاك المرحوم “عبد المجيد بالتَه” الّذي قالَ لي: (إنَّك يجب أن تكون صحفياً في المستقبل) ونصحَني بمواصلةِ القراءةِ والتعلّم، وهكذا كانَ المسارُ في مرحلةِ الاعدادية، ففي إبّانها اطّلعتُ على عديد أمّهاتِ الكتبِ بمختلف التخصّصاتِ، وبنحوٍ واسعٍ الأعمال الادبية.

  وفي منتصف السبعيناتِ، وبعد تخرّجي في الإعدادية كان عليَّ أنْ اختارَ بينَ دراسة الزراعةِ أو الصحافةِ، وطبقاً لمَلَكةِ الكتابةِ المبكّرة، قادتْني بوصلتي للإنخراطِ في قسم الإعلام بكليةِ الآداب في جامعة بغداد، وهناك حصلتُ على تلكَ المفاتيحِ التي تحدّثنا عنها.

    هناكَ التقينا بنخبةٍ من كبارِ الأساتذةِ في مراحلِ الدراسةِ الأوليةِ والماجستير والدكتوراه ومِنْهم الدكتور سنان سعيد، الدكتور ابراهيم الداقوقي، الأستاذ عدنان ابو السَّعد، الدكتور قيس الياسري، الدكتور زكي الجابر، الدكتورة حميدة سميسم، الدكتور مختار التهامي، الدكتور لطفي ابو الغوث، الاستاذ عبد الجبار محمود، الدكتور خالد الراوي ، الدكتور عبد الستار جواد، الدكتور ياس البياتي، وآخرون، وقد تعلّمنا من هؤلاءِ الأساتذةِ أنْ نكونَ مهنيينَ، رساليينَ، حقّانيينَ، مُجدِّدينَ، باذلينَ، فاعلينَ، مَهاريينَ أي حِرفِيينَ، ساعينَ، ومِعْطائين.

    **”برقية”: دعني، أسألُكَ عن “البدايةِ الحقيقيةِ” الّتي سجّلتَ فيها أولى خطواتِك العمليةِ في دُنيا الكتابةِ والصحافة، وما تلاها من مسارٍ؟!

      ــــــــــــــــــــــ د. رافد: تمثّلتِ البدايةُ في صحيفةِ الإعلامِ التي كانَ يرأسُ تحريرَها الدكتور ابراهيم الداقوقي ، يُساعدهُ في  العمل الطالبُ آنذاك والدكتور حاليا كامل خورشيد الّذي كان في مرحلةِ التخرُّج، وسَرعانَ ما تمَّ اختياري لأداءِ مهام الإشرافِ على الصحيفةِ قبل تخرج الصديق العزيز كامل، الّذي وفرَّ لي ولصديقِ عُمري فاضل محسن فرصةَ العملِ في صحافةِ الشباب (مجلة الشباب، جريدة 7 نيسان وجريدة المسيرة )، وكانت تجربةً رائعةً تعرّفنا فيها على صحفيين مَرموقين ورسامين مُبدعين منهم شامل عبد القادر، وصلاح محمد علي، والمرحوم الفنان التشكيلي فاضل طعمة.

  ولمتابعةِ جريدةِ الإعلام كان الدكتور الداقوقي يأخذُني بسيارتهِ الخاصة الى المطبعةِ ويُلقي على كاهلي مسؤوليةَ إصدارِ الصحيفةِ، ويتركني مع تفاصيلها، لأنّه كان يؤمنُ بأنّ هذه التجربةَ هي طريقُ التعلّمِ.

   وفي السنةِ الأولى نفسِها أتذكّرُ واقعةً جميلةً، إذ أنّنا كُنّا من الطلبة المحظوظين بالتَتلْمُذِ في مادة التاريخ المعاصر على يدِ المؤرخ الكبير، الأستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد. وفي محاضرتهِ الأولى طلبَ منّا جميعاً كتابةَ مقدمةٍ عن “ثورة العشرين” ليطّلعَ على مستوياتِنا، وجاءَنا في المحاضرة الثانيةِ ليُبْديَ ملاحظاتِه، فكان رأيُهُ بعد أوّلِ ورقةٍ قرأها: (إنّني اتوقَّع لكاتبِ هذهِ المقدمةِ أنْ يكونَ صحفياً )..تلك هيَ وَرقتي!.. وبعدَها تلا مُقدِّمات أخرى. وقد شهد ما جرى عديدُ الزميلاتِ والزملاءِ الَّذين كانوا في القاعةِ الدراسيةِ منهم مِثال صبري، ضمياء محمد، نسرين الطابوقي، فاضل محسن، صلاح هادي، زبن الكبيسي وآخرون. وقد مثلّت هذه “الواقعة” حافزاً كبيراً لي للعملِ الجادِّ وبذلِ المزيدِ من جهودِ الارتقاء..

   وفي السنةِ الثانيةِ، بعدَ أنْ تابعَ نشاطيَ الصحفيّ، أبلغني أستاذي الدكتور سنان سعيد رحمه الله وكان حينَها رئيسا للقسم أنني ينبغي أن أجدَ مؤسسةً أوسعَ من صحافةِ الشباب لأنتقلَ إليها وأطوّر إمكاناتي الصحفية، فكتب الراحلُ الكبيرُ رسالةً بخطِّ يدهِ الجميلِ (وكانَ خطّاطاً رسّاماً) الى الأستاذ سعد قاسم حمودي رحمه الله، رئيس مجلس ادارة صحيفة الثورة ورئيس تحريرها، ونقيب الصحفيين العراقيين حينئذٍ ، وأعْلَمَهُ فيها أنّهُ يرى فيَّ صحفياً واعداً يستحقُّ أنْ يُمنحَ فرصةً.

 سلَّمتُ الرسالةَ الى استعلاماتِ صحيفة الثورة واستجاب الاستاذ سعد لطلبِ أستاذي الدكتور سنان، وأحاطني برعايتهِ، ووجدتُ نفسي بعد أسبوع في قسم الأخبار المحليّة، مندوباً ومُحرّراً.

   ذات يومٍ، فيما كنتُ أعمل بجدٍّ ودأبٍ متواصلين في قسم الأخبار المحلية، جاءَني الصحفي الرائد الأستاذ حسين الشهربلي الذي كان سكرتيراً للتحرير وأصبح فيما بعد مديراً للتحرير، ليُباغتَني بِحَمْلِ الأوراق والقلمِ من أمامي، قائلاً: اتْبَعني الى قِسم الأخبار العربيةِ والدوليةِ في قاعةِ التحرير الكبرى للأخبار، وقال لي إجلسْ هنا هذا مكانك بعد الآن.

    كان العملُ في قسم الأخبار العربية والدولية، فرصةً حقيقيّةً لتطوّري الصحفي، سيما في مجال الأخبار والتقارير، وذلك من خلال الاطلاع المعمّق على النشراتِ الاخباريةِ العالمية والعربية مثل وكالةِ الصحافة الفرنسية ورويترز والشرق الاوسط ، التي كنا نتسلّم في غرفةِ المُبْرِقات، ودراسة أساليبها التحريرية وسياساتِها ، مما فتحَ أمامي باباً جديداً وهو كتابةُ الأعمدةِ والتحليلاتِ والمقالاتِ السياسيّة، لأنَّ هذا العملَ أضافَ لي معرفةً كاملةً بماجرياتِ العالمِ ودولهِ وحكوماتهِ وأحزابهِ وسياساتهِ والأحداثِ الساخنةِ فيهِ.

   أستطيعُ أنْ أقولَ مِنْ دونِ أنْ أبدوَ بثوبِ الغرورِ إنَّني حققتُ إِنجازاً كبيراً وتراكماً في خبراتي بالتحرير الكِتابيّ، مما جَعلني من أوائلِ الّذين تعتمدُ عليهم الصحيفةُ، وإلى حدٍّ جعلَ الدكتور عبد الستار جواد أطال اللهُ في عُمُرَهُ يصفني بـ(فيترچي الأخبار) بمعنى الميكانيكي..

   وعَقِبَ تخرّجي في قسم الإعلام أتيحت أمامي فرصةُ خوضِ تجربةٍ جديدةٍ من نوعٍ خاصٍّ في “صحيفةِ القادسية”، والتي كانت ملاذاً آمناً لنخبةٍ متألّقةٍ من كبارِ المثقفينَ والصحفيينَ والأدباءِ، جمعتُهم الحربُ العراقية-الإيرانية في هذه الصحيفة العسكرية. وهناك تفاعلتُ مع خبراتٍ عميقةٍ مثّلَتِ انتقالةً رائعةً في عملي الصحفيّ. وخلالَ الفترةِ نفسِها دخلتُ تجربةَ التعليق الإذاعيّ من خلالِ عملي في القسم السياسي بإذاعةِ صوتِ الجماهير، فكانت رحلةً مفيدةً وممتعةً في الوقتِ نفسهِ.

   ولابدَّ من القولِ إنني أعتزُّ بتجربةِ عملي في صحيفةِ الجمهورية التي جئتُها من جريدة الثورة، بصفةِ محررٍ في قسم الأخبار الدولية لأصبحَ بعد حينٍ مديراً للتحرير فيها، وقد كان لي الشرف أنْ أعملَ مع نخبةٍ من الصحفيينَ المهنيينَ المرموقينَ مما أضافَ الى معرفتي الصحفية خبرات جديدة. 

     **”برقية”: وماذا عن دراستكَ الأكاديمية العليا؟..وما قِصةُ رحيلِكَ المفاجئ عن العراق منتصفَ تسعينيات القرنِ الفائت، وأين كانت الوجهةُ والمآل؟!  

    ــــــــــــــــــــــ د. رافد: في عام 1986 بدأت مشواري الأكاديمي بدراسة الماجستير في قسم الإعلام وكانت رسالتي بعنوان: ( الحرب العراقية الإيرانية في صحافة الخليج العربي )، فحصلتُ على تقدير امتياز وبعد ثلاث سنوات أصبحت تدريسياً في القسمِ نفسهِ.

   وخلال عملي الأكاديميّ أكملتُ دراستي للدكتوراه، وتصديّتُ فيها لموضوعٍ جديدٍ مَثّلَ أوّلَ اطروحةٍ مِنْ نوعِها في العراق عن ( الحملاتِ الإعلامية ) والتي وَضعتُ لها إطاراً منهجياً ونظرياً وتعريفاً شاملاً يَعتمدِهُ عديدُ الباحثينَ الإعلاميين، ونالت أطروحتي تقدير امتيازٍ أيضاً.

 وفي العام 1997 حلّقتُ بأجنِحةِ ِ”اغترابي” قبلَ “غربتي”، نحو عروسِ البحر المتوسط، بلدِ المجاهد العظيم عمرَ المُختار، الّذي تحدّى المُحتلينَ بمقولتهِ الشهيرةِ ( نحنُ لا نستسلمُ .. ننتصرُ أو نموت )..وجدنا في ليبيا شعباً أصيلاً طيباً احتضننا وأكرمنا، فأخلصنا له. ولإثنتي عشرةَ سنةً مِنَ التدريسِ بكليةِ الفنونِ والإعلامِ لم نجدْ مِنْ اشقائنا هناك إلّا الحبَّ والتقديرَ والاحترامَ ، وبقدر ذلك حرصنا على أن يكون عطاؤنا بلا حدود، فكانَ لي شرفُ أنْ زرعتُ في حديقةِ الصحافةِ الليبية، زهوراً عَبِقةً من الطلبة المتميّزين الذين أتواصلُ مع بعضهم حتى الآن، وأفخرُ بهم وبمنجزهم الصحفيّ، الى جانبِ تدريسِ طلبة الدراسات العُليا والإشرافِ على عَديدِ رسائلِ الماجستير في أكاديميّةِ الدراساتِ العُليا. وهناك أيضاً، كوّنت عائلتي الصغيرة التي عَوّضتني عن الاستقرارِ الذي افتقَدْتُهُ، وعن والسكينةِ التي فارقَتْني بعدَ رحيلي عن العراق.

     وفي عام 2009 جِئنا الى سقفِ العالمِ ( كندا ) مهاجرينَ بحثاً عن حياةٍ أفضلَ لأولادنا. ولأنّ أحبارَ الصحافة تجري في عروقي أصدرتُ مشروعيْن صحفييْن مثّلا توأَمين هُما صحيفةُ “مشرقيات” المطبوعةُ والإلكترونيةُ، وهذا المشروعُ تطوّع للإسهامِ فيهِ عددٌ من الصحفيينَ والكُتّاب دعماً لي كانَ في مقدِّمتِهم رياض شابا، زينة الصفار، الأب نوئيل السناطي، الدكتور كامل خورشيد، الدكتور فاضل محسن، سلام الشماع، حارث فرج ، أسماء محمد مصطفى، إيمان البستاني، إيفان صباح، ميثم سلمان، هادي ياسين، يعرب أكرم، الدكتور فضل طلال، ماجد جميل، أحمد الشهابي، عبد الكريم سعدون، وآخرون، ولكنْ للأسف لم يُكْتبْ للمشروع الاستمرارُ وتجَمَّد في الزمهرير الكندي.

    أما عمّا بقي فيَّ من تجربتي، فأوَدُّ القولَ إنّني أملِكُ من الإِرثِ الصحفيّ و الأكاديميّ ما لا يَندثِرُ أو يُنكَرُ، كما أجدُ نفسي في المئاتِ من الطلبةِ الاوفياءِ الذين درَّستُهم، وكنتُ أستاذاً ومُرشداً وأباً وصديقاً لهم، هؤلاءِ أعدُّهم الآن امتداداَ لي ولتجربتي ، سيما أنّ العديدَ منهم قد أكملَ دراساتهِ العليا وتبوأ مواقعَ إعلاميةً و أكاديميةً مهمة. وعلى الرغمِ من عملي بكندا في تخصّصٍ بعيدٍ عن التدريسِ والصحافةِ، ولساعاتِ طوالٍ، إلا أنّني في بحرِ السنين الماضية كنتُ استثمرُ ما تيسَّر لي من وقتٍ في متابعة أحدثِ البحوثِ والإصداراتِ والتطوراتِ الإعلاميةِ، والنتاجاتِ الصحفيةِ للزملاءِ والأصدقاءِ المبدعينَ وأشاهدُ بعينيْ الناقدِ المتفحّصِ عديدَ القنواتِ الفضائيةِ، ترافقني في رحلتي هذه طيور الزينةِ التي حرصتُ على تربيتها وتدريبها والاهتمامِ بها وهيَ التي لا يحلو لها إلا أن تحطَّ على رأسي أو كتفيَّ ومراقبة ما أقومُ بهِ، الى جانب قِطّيَ السياميّ الأبيضِ المشاكسِ “سِمْبَا”، شبيهِ الأسدِ الهصور، والذي يتلذّذُ ببعثرةِ أوراقي وغرز مخالبهِ الحادّةِ فيها!!.

   أستطيعُ القولَ إنني بقيتُ في الصورة وليس خارجَها، فخبرتي الصحفيةُ لم تتجمّد أو تَخْبو لأنني أبقيتُ ستائري مفتوحةً ونوافذي مشرعة، وأقول إنَّ عينيّ مازالتا على الصحافة وعشقي المزمن يهفو للعودة إليها إذا ما توفّرتْ لي فرصةُ ما، على الرغمِ من تقدّمي في العمر!.

      **”برقية”: بماذا تنصحُ طلبةَ الصحافةِ والإعلام الجُدُد؟ ولو عادت بك الأيامُ، هل تُغيّر مسارَك؟.

     ـــــــــــــــــــــــــ د. رافد: أعتقدُ أنَّ سنواتِ عملي الصحفيّ والأكاديميّ الطويلة تُؤهّلني لتقديمِ بعضِ الوصايا لابنائي من طلبة الصحافة والإعلام الجُدُد وهم بعدُ في خطواتِهم نحو هذا العالمِ الجديدِ، وقد يكون بعضُها قد مرَّ على مسامعهم من قبلُ، ولكنْ لا ضيرَ ( فَذكِّرْ إنْ نَفَعَتِ الذّكرى )، ولهؤلاء الواعدين أقول:

    *كُن موسوعياً: بديهيٌ القول “على الصحفي أنْ يَعرفَ شيئاً عن كل شئ”، ولهذا عليهِ أنْ يَنْهلَ من شهْدِ المعرفةِ ما أمكنهُ ذلك، ليحوز جواز مروره من بوابة الصحافة والإعلام. أما الذي يختارُ الصحافة المتخصصة فعليهِ أن يعمل كثيراً لتكون معرفته العامة منسجمةً مع ( تخصص التخصص ) كالصحافة العلمية، أو الطبية، أو الإجتماعية، وما شابه.

    *كُنْ مهنياً: بمعنى أنْ يلتزمَ الصحفيُّ المصداقيةَ والموضوعيةَ والنزاهةَ والدقةَ في عملهِ ويحافظَ على سريّةِ مصادرهِ وألا ينحازَ على حساب الحقيقة.

    *كُنْ متطوراً: على الصحفيّ أنْ يعملَ على تطوير مهاراتهِ من خلالِ التعليم المستمر ومواكبةِ التقنياتِ الحديثةِ وكلِّ جديدٍ في عالم الإعلام.

     *كُنْ متواضعا: على الصحفي أن يتواضعَ مهما علا شأنُهُ وتقدّمت مراتبُهُ، وأن يحترمَ مَنْ سبقه في مهنتهِ وأنْ يقدّر كلَّ جهدٍ، وألّا يتنكّرَ لمن مدَّ يد المساعدة اليهِ من دونِ غرورٍ او تعالٍ.. فإذا كنتَ ممتلئاً عليك أنْ تنحنيَ مِثْلَ سنبلةٍ ناضجةٍ.

      *كُنْ عَنكبوتيا: على الصحفيّ أنْ يبنيَ شبكةَ علاقاتٍ مهنيةً نزيهةً واسعةً وهذهِ الشبكةُ ستكون المعينَ للمعلومةِ النافعةِ والدقيقة التي يستندُ إليها، مع مراعاةِ النِدّية والنزاهة في هذهِ العلاقات.

       *كُنْ فاعلاً: لا تقفْ في مكانِك مِثْلَ حجرٍ أصمّ ولا تنغلق مثل دهليز مظلمٍ ، ليكُنْ ديدُنك التجديدَ والتطويرَ ولتكن فاعلاً ومتفاعلاً في ميدانِك.

        *تعلم لغةً اجنبيةً: معرفةُ الصحفيّ بلغةٍ اجنبيةٍ، مِثْلِ الانجليزية، تفتحُ له آفاقاً رَحْبةً وفرصاً ومجالاتٍ لا حَصْرَ لها.

        *تقبلْ النقدَ: انفتحْ على آراءِ الآخرين ولا تتكبَّرْ على أيّ نقدٍ أو رأي بنتاجِكَ الصحفيّ بل تعلمْ منه وصححْ اخطاءَك وحسّن اداءَك وقوّم مسيرتَك.

        *كُنْ متكاملاً: اعملْ بروح الجماعةِ لأنّ إيمانَ الصحفيّ بأنهُ جزءٌ من منظومةِ صحفيةٍ تمثلُ العائلة الصحفية في المؤسسة أو الموقع الذي يعمل فيه يُعَدُّ دافعَ نجاحٍ كبيراً، فالصحافة عملٌ تكاملي تآزري، لا يقفُ على قدمٍ واحدة.

        *كُنْ توثيقياً: أوصيك أنْ تهتمَّ بأرشفةِ نِتاجاتك ومعلوماتِك وصورك ووثائِقك لأنّك ستكتشفُ في المستقبل أنها كنزٌ ثمينٌ سيُغنيك في عملك، ويصبحُ ذاكرتَك لكي لا يتفلّتَ شيءٌ من بين يديك، تعتزُّ به، فتخسرَ جزءاً من ماضيك المهني!.

       *اختطَّ أسلوبَك: ثمّة قولٌ انكليزيٌّ، يرى أنّ “الكاتب هو أسلوبُه”، وطبقاً لذلك ينبغي عليك أنْ تختطَّ لنفسك أسلوباً يمثّلك ومنهجاً يعبّرُ عن توجهاتِك، ويختصرُ اسمَك في كتاباتِك.

    هذه بعض الوصايا التي اسعفتني بها الذاكرة المُتعبة ويستطيعُ الصحفي عِندَ دخولهِ الميدانَ وخوضهِ التجربةَ أن يميّز بين الصالحِ والطالح. أما عن مساري فأقول لو عادت بي آلة الزمن لحوالي 48 عاماً إلى الوراء لما حِدْتُّ عن اختياري ولتمسَّكتُ بدُفّتي ووجّهتُ بوصلتي الى الطريق ذاتها.

  (مشيْناها خطىً كتبت علينا  .. ومَنْ كُتِبتْ عليهِ خُطىً مشاها ).

      **”برقية”: بِمَنْ مِنْ كُتّاب العراق وصحافييه اقتديتَ ولماذا؟

      ـــــــــــــــــــــــــ د. رافد: خلالَ دراستي و عملي الصحفي والأكاديمي تتلْمذتُ على أيدي العديد من الأساتذة المرموقينَ وعملتُ مع عديد الصحفيين من مختلفِ الأجيال، وإنّه لَمِنْ دواعي فخري واعتزازي العظيمين أنْ أقولَ بإني تعلّمتُ من كل هؤلاءِ، ونهلتُ من تجاربهم وأطّلعت على خبراتهم والتزمتُ بوصاياهم، ولكنّي أقولُ بثقةٍ تامّة بأني لم أنضوِ تحتَ جلبابِ أحدٍ ولم أرتدِ معطفَ أحدٍ، وإنما اجْتَهدْتُ أن يكون لي أسلوبي الخاص في عملي الصحفي وفي القاعةِ الدراسيةِ لميداني الأكاديميّ.

    و إذا أردّتُ أنْ أذكرَ أسماءً فلابدَّ لي أنْ استعرضَ عشرات المربين والمبدعين، ولكني -الحقَّ أقولُ لك- إنَّ أكثرَ شخصٍ تعلّمتُ منه واقتديت بهِ وسرتُ على خطاهُ والتزمتُ بوصاياهُ هو الدكتور سنان سعيد رحمهُ الله، والذي أعُدُّهُ معلّمي وأبي الروحي ومدرستي في الحياة.

    **”برقية”: برأيك هل يمكن في العراق أنْ يأكلَ الصحافي من كدِّ قلمهِ؟ وما رأيُك بصحفٍ يوميةٍ لمْ تعدْ تدفعُ أجوراً لكتّابها؟.

    ــــــــــــــــــــــــ د. رافد: أنا أؤمن بأنَّ الصحافةَ هي مهنةُ تضحيةٍ ونكرانِ ذاتٍ ورسالةٍ اجتماعيةٍ، بمعنى أنك اذا أحببتَ هذه المهنة وانخرَطتَّ فيها فإنك ستُعطيها أكثرَ مما ستُعطيك، وعندما تدخل الى عالمها لا تتوقعْ أنْ تحقّقَ لكَ الغنى أو أنْ تكون ميسوراً مثلَ تاجرٍ ناجحٍ، وإنما الصحافة، وخاصة في العراق،  مهنةٌ ستبقيك على حدود خيط رفيع يفصلك عن حافّةِ العوز او الجوع والفقر.

   وليس سرّاً أنْ أقولَ إنّني عندما كنتُ تدريسياً في قسم الإعلام وصحفياً عاملاً في أكثرِ من صحيفةٍ، كانت رواتبُهاّ، تكفيني بالكاد للمعيشةِ البسيطة المتواضعةِ، وكان عددٌ غيرُ قليلٍ من الصحفيين والكُتّاب المعروفين من الأصدقاء يقترضون منّي حتى ثمن السكائر والإفطار الصباحيّ، وبعضُهم كان قد سبقني في المهنةِ بسنينَ طوالٍ. ولذلك فأنا أعتقدُ أنك اذا عملتَ في الصحافةِ تكونُ بحاجةٍ الى مورد إضافي كأنْ تعمل في أكثر من صحيفةٍ ووسيلةٍ إعلاميةٍ في الوقت نفسه. وفي الحقيقة لا أدري إنْ كان هذا مجدياً الآن!.

 وتحضرُني هنا مقولةُ للكاتب الصحفيّ الكبير الراحل حسن العاني وهو يتحدّثُ عن هذا الموضوع بأسلوبهِ الشائِق الرشيق الجميل فيقول:

(أعطتني الصحافةُ ما سدَّ جوعي، وحوّلتني من منطقة البروليتاريا الرثّة الى البرجوازية الوطنية وجعلتْني أتعرّفُ على طعم اللَّحم والفاكهةِ .. من دون الصحافةِ كانت هذه من المُحرّماتِ على بيتي !!).

     أما بخصوص أجور الكتاب فأنا أرى أنها تأخذُ احتمالين وتكونُ على مستويين، الأول: صحفٌ لديها مواردُ شحيحة وتقفُ على حافةِ الافلاس،  ومهددةٌ بالتوقف. الثاني: صحفٌ لديها مواردُ وامكاناتٌ مالية كبيرةٌ .

وفيما يتصل بالمستوى الأول يتوجب على هذه الصحف المعدِمة، إنْ صح التعبير، أن  تُصارحَ كُتابها بأنّها عاجزةٌ عن دفع أجورِ كتاباتهم واذا وافقوا أن يكتبوا لها كمتطوعين وبالمجّان أو بأجور رمزيةٍ ولو الى حين ميسرةٍ يكونُ قد سقطَ عنها العَتَبُ.أما المستوى الثاني من الصحفِ التي يمكنُ أن نصفَها بالميسورة فإنّ عدمَ دفعها أجور كُتّابها يَدْخلُ في باب الظلم والجَوْر والاستغلال وعليها أنْ تراجعَ موقفَها وتعطي لكلِّ ذي حقٍ حقّهُ، وهنا يقع على عاتق نقابة الصحفيين أن تتدخّلَ من خلال لجنتها المهنية لكي تضعَ حداً لهذهِ المشكلة.

    **”برقية”: بتكثيفٍ لا باختصار كيفَ تنظرُ الى هذه المُسمَّياتِ : الرأي العام، وسائل التواصل الاجتماعي، العصر الرقمي، كلية الإعلام، نقابة الصحفيين؟

      ـــــــــــــــــــــــــ د. رافد: الرأي العام: اصطلاح يُستخدم للتعبير عن مجموع الآراء التي يُدين بها الناسُ إزاءَ المسائل التي تؤثّرُ في مصالحِهم العامة والخاصة.

وللرأي العام أنواعٌ عديدة تختلفُ حسْبَ مستوياتِها ولكنّها تتماثلُ بكونها ليست لها صفة الثباتُ ( الزئبقية) وإنّما تتغيَّر على وفقِ ما يستجدُّ من مواقفَ ومفاهيمٍ واحتياجاتٍ ومعلوماتٍ، ولذلك تولي الحكوماتُ والأحزابُ والمؤسساتُ ومراكز الأبحاث والدراسات ، خاصة في الغرب، اهتماماً استثنائياً بالرأي العام لأنها تعوّل على دوره في نجاحها وتخشى أنْ يتسبّب في إخفاقها لأنّه يكون قادراً على إحداث التغيير.

وهنا أود أن أنوّه الى شريحةٍ اجتماعيةٍ نطلقُ عليها في بحوث الرأي العام (النواة الجامدة) وهي أشبهُ ما تكون بالصمّاء، الرَّمْدَاء، وعليك أنْ تخافَ منها وعليها، لكونِها منغلقةً ولا تتعرّض لوسائل الإعلام وبعيدةً عمّا يدور في بيئتها، وهي أشبهُ ما تكون بورقة بيضاء يمكنك أنْ تكتب عليها ما تشاء وبذلك تكون عُرْضَةً للاستغلال والتوظيف والتوجيهِ من بعض الاطراف لتحقيق أغراضٍ ومضارباتٍ سياسية غير نزيهةٍ.

    أما “وسائل التواصل الاجتماعي والعصر الرقمي”، فيشيرُ مصطلح التواصل الاجتماعي الى المِنصّات التي تُتيح التفاعلَ بين الأشخاص، فهم يشاركون أو يتبادلون المعلوماتِ والافكارَ في مجتمعاتٍ وشبكاتٍ افتراضية، ويوجدُ عديدُ وسائل التواصل الاجتماعي حالياً وتضم:

فيسبوك ، تيك توك، انستغرام، أكس، وجميعها تقدم خدمات متنوعة ، تتميز بالآنيّة والسرعة وسهولة الاستخدام والتسويق والترويج وحضور الاجتماعات والمؤتمرات والاستثمار والتعارف والكثير من الخدمات الأخرى بما فيها العمل الإعلامي.

     ويشير هذا المصطلح، الذي يُكَنّى بالإعلام الجديد او الإعلام الرقمي، إلى التغيرات الشاملة التي أظهرتها الحَوْسَبةُ الرقميةُ وتقنياتُ الاتصالات خلال النصفِ الثاني من القرن العشرين، وبعدَهُ، بشكل مشابهٍ لما حدث أثناء الثورة الزراعية والثورة الصناعية في الماضي.

     وعلى الرغم من الميزات الانتقالية للفائدة التي تتمتَّع بها البشرية من هذه التقنيات، لكنها أيضاً متّهمةٌ بتعميم المحتوى السيّء وهو ما يُطلِق عليه العالم الكندي الدكتورالآن دونو ( نظام التفاهة ) الذي يتحدث عن ظاهرة معاصرة بدتْ مسيطرةً تماماً على العالم وهي حكم أهل الرداءةِ والتفاهة وتصدّرُهم. وبالتأكيد فإنّ هذه النظرية تدقّ ناقوس الخطر للعواقب الوخيمة المترتبة على هذه السيطرة المحكمة للتافهين في كل المواقع ومنها الميدانُ الإعلامي.  

   لقد تغلغلت التكنولوجيا الرقمية في جميع التفاصيل ولم نعد نتخيل عالماً خالياً من الانترنت، ودخل على الخط الآن الذكاءُ الاصطناعي الذي خرج من مختبرات البحوث ومن صفحات روايات الخيال العلمي ليُصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية. وهذا الزحف الرقميّ وضع صعوباتٍ جَمّة أمامَ وسائل إعلامية بعينها مثل الصحافة الورقية المطبوعة التي أمضينا أجمل سنوات أعمارنا الصحفية في أروقتها مما جعل عديد المتخصصين والصحفيين يتساءلون هل ستنقرض الصحافة الورقية وتموت ؟.

    في البدءِ يجبُ أنْ نعترف أن التحديات كبيرة والطعنة مزلزلة حد التشاؤم والاحباط واليأس، فها هي صحيفة “الغارديان” تقول في تقرير لها ( إنّ الصحافة الورقية باتت في طريقها إلى الانقراض حيث أغلقت العديد من الصحف الورقية أبوابها نهائيا أو قامت بتسريح شبه كلي للعاملين فيها وتحولت الى الإعلام الرقمي)، واشار المؤلف الكندي روس داوسن إلى  بدء انقراض الصحف الورقية بنسب وحدود زمنية متفاوتة وصولاً الى انقراضها التام في العام 2040

وعلى الصعيد نفسهِ يذكر المؤلفُ الامريكي فيليب ماير في كتابه “النهاية الحتمية للإعلام الورقي” إنّ آخر مطبوع ورقي يرى النور سيكون في العام 2043 ، وهذه الهواجس دفعت كُبْرياتِ الصحف والمجلات مثل نيوزويك وكريستيان ساينس مونيترز والغارديان وذي اندبندنت والاوبزرفر الى التحول لصحف رقمية.

   وعلى الرغم من هذه المخاوف والتحديات وسقوط العديد من الصحف مضرّجة بأحبارها وترنُّح أخرى إلا أنني وبرأيي المتواضع أقول إن الصحف الورقية لَنْ تنقرضَ كما انقرضت الديناصوراتُ في العصر الطباشيري، ولنا في الكتاب خيرُ مثال، إذ أنه تأثر بعد ظهور الإذاعة والتلفزيون والكِتاب الالكتروني، لكنه لم يُحتضَر وحافظ على جمهوره وكذلك لدى الصحافة الورقية فرصة للبقاء في حال أنها استعدت واتخذت الخطوات الآتية:

     أولا : الاحتفاظ بملاكٍ صحفي قليلٍ ولكن نوعي. ثانيا: اعتماد الاستقصائية في العمل، بمعنى أن تكون صحافة استقصائية وأن تقلب كل أحجار الأرض للوصول إلى أسرار ومعلومات وخفايا تتفرَّدُ بها ولا تتوفر عند غيرها . ثالثا: التفاعلية: من خلال الاستقصائية ستتمكن الصحافة الورقية من الاحتفاظ بجمهور نخبوي يتابعها ويكون توّاقاً لقراءتها، وباعتماد الأسلوب التفاعلي والتشاركي سيزداد هذا الجمهور وينتشر. رابعا: التوأمة: على الصحف الورقية تأسيس توائم رقمية، تكون مماثلة لها بالاسم والمحتوى وتُحاكي بها تِقَانةَ العصر وتلبي متطلباته. خامساً: الاندماج: لا بأس أن تُقِدِم صحيفتان أو أكثر باتفاق مهني على الاندماج والظهور بدماء جديدة وموارد افضل.

     هذه، كما أعتقدُ، بعض الخطوات واية اجراءات أخرى عندَ أهل النُصحِ والرأي من شأنها ان تُخرج هذه الصحف من موازنتها القلقة وتبقيها بعيدة عن أجهزة التنفس الإصطناعي !!.

      وبشأنِ “كلية الإعلام”، فهي قد أسست من نواة قسم الإعلام التابع لكلية الآداب عام 2002 من قسمي الصحافة و الصحافة الإذاعية والتلفزيونية وتم استحداثُ قسم ثالثٍ هو العلاقات العامة بعد ثلاث سنوات. كانت كلية الإعلام تمثل الحلم للاساتذة المؤسسين الرواد ومن تبعهم من جيلنا، وقد سعى الجميعُ لتحقيق هذا الحلم الذي نستطيع القول إنّه جاء نتيجة لبناءٍ تراكمي من الجهود المبذولة ولا اعتقد أنه من حق أحد أن يدّعي أنه مَنْ صَنَعَ هذا الإنجاز.

     ولطالما حزنتُ لكوني لم أشهد الحلم على أرض الواقع حيث كنت بعيداً، أعيش، وأعملُ على ضفاف البحر المتوسط، ولكنّ ما يفرحني الآن، هو أنّ العديد من طلبتي أصبحوا تدريسيين في الكلية نفسها، بمن فيهم عميدها.

    وآخر ما سألتني عنه “نقابة الصحفيين”، أنا اؤمن بأنها بيتُ الصحفيين، ومحامي الدفاع عنهم، وينبغي أنْ يتمحورَ جهدُها في تحقيق هذين الهدفين: أنْ تكون خيمة تُحقّق الوئامَ الصحفي، وسنداً لا يُبقي ظهور الصحفيين مكشوفةً، إلى جانب التطوير المهنيّ والنشاطات الاخرى. وقد كان لي الشرفُ أنْ أكون عضواً منتخباً في مجلس نقابة الصحفيين إبان التسعينيات، وعملتُ ضمن واجباتي النقابية بجد وحماسةٍ خدمةً للصحفيين.

   ومن خلال مسؤوليتي عن مدرسة التضامن التابعة لاتحاد الصحفيين الدوليّ التي اسميتُها ( مدرسة بغداد لتأهيل وتدريب الصحفيين)،  نظمتُ  عديدَ الدورات الصحفية الناجحة ومنها الدورة الصحفية العربية، وساهمت الى جانب الدكتور خالد علي مصطفى، والأستاذ المخرج محمد شكري جميل في وضع آليات الجوائز الخاصة بالصحافة والفنون والآداب عندما كنتُ عضواً في المكتب التنفيذي للتجمّع الثقافي في العراق، فضلاً عن اضطلاعي بمهام أخرى كثيرة، مثل عملي في لجنة الأراضي، وإشرافي على رابطة الصحفيين الشبّاب. ومن خلال متابعة المشهدِ عن بعدٍ أعتقد أن نقابة الصحفيين تضطلع بدور مهم اليومَ وتحقق إنجازاتٍ كبيرة  للأسرة الصحفية. مازلتُ احتفظُ بهويتي الصحفية القديمة التي حصلت عليها قبل مغادرتي العراق وهوية اتحاد الصحفيين الدولي واتمنّى أن تتاحَ لي فرصة تجديد عضويتي إذا قدّرت لي زيارةُ العراق يوماً ما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السيرة العلمية والوظيفية

   للدكتور رافد حداد

  أ / الأسم: د. رافد حداد                                                                                         

    المواليد : 1958 .

   التخصص : اكاديمي وإعلامي.

ب / التحصيل العلمي:

  1. بكالوريوس آداب إعلام  / صحافة / العراق / جامعة بغداد /كلية الآداب /قسم الإعلام /1980 –1981.
  2. ماجستير إعلام / صحافة /  العراق /جامعة بغداد / كلية الآداب / قسم الإعلام / 1988 . دراسة تحليلية عن تغطية الحرب العراقية الإيرانية في صحافة الخليج العربي بتقدير امتياز.
  3. دكتوراه إعلام / صحافة  /العراق / جامعة بغداد / كلية الآداب / قسم الإعلام / 1995. عن الحملات الإعلامية واستراتيجية اعدادها والتخطيط لها بتقدير امتياز.

ت / النشاط الوظيفي :

  1. عضو هيئة تدريس بكلية الآداب / جامعة بغداد /اعتباراً من 31 / 7 /1989 ولغاية 1 /10 / 1997.
  • عضو هيئة تدريس /ليبيا / جامعة الفاتح / كلية الفنون والإعلام / قسم الإعلام / اعتباراً من 11 /11 / 1997 وحتى عام  2009.
  • عضو هيئة تدريس محاضر بأكاديمية الدراسات العليا بطرابلس – ليبيا – 2002 / 2009
  • أستاذ مساعد اعتبارا من 7/12/ 2005 .
    • درست خلال عملي عضوا لهيئة التدريس مواد علمية تتصل بتخصص الإعلام والصحافة ودراسات الرأي العام وتنظيم الحملات الإعلامية وأساليب الدعاية والكتابة الإعلامية وفنون الاتصال الجماهيري والصحافة الألكترونية وافاق تطورها.
    • تدريس طلبة الدراسات العليا مواد تتصل بمناهج البحث العلمي واستراتيجيات الإعلام المعاصر وفنون التحرير الصحفي و الحملات الإعلامية وتنظيم حلقات نقاشية معمقة حول دراسات واستراتيجيات الإعلام ( سمنار الإعلام ) .
  •  الإشراف على ومناقشة العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه التي تعنى بدراسات متخصصة وتحليلية عن الإعلام والصحافة والصورة النمطية والفنون الصحفية والدعاية السياسية والإعلام الإذاعي والتلفازي والصورة في الصحافة وتحليل واستقصاء القضايا المختلفةّ مثل القضايا السياسية أو الاقتصادية او القومية في الصحافة.
  • إنجاز  العديد من البحوث العلمية في مجال التدفق الإخباري والحملات الإعلامية و استبيانات البحوث الإعلامية والإستقرائية واتجاهات الرأي العام والجمهور أزاء القضايا التي تطرحها وسائل الإعلام.
  • المشاركة في البحوث الميدانية لجامعة بغداد لدراسة واقع الاتصال في الريف وآفاق تطويره ودراسات مستقبلية في هذا المجال.
  • تنظيم العديد من ورش العمل ودورات التعليم المستمر .
  • المهام الإدارية في الجامعة :
    • مقرر علمي لقسم الإعلام في كلية الآداب / جامعة بغداد
    • أمين مجلس كلية الآداب / جامعة بغداد.
    • أمين شعبة الصحافة / قسم الإعلام / كلية الفنون والإعلام / جامعة الفاتح – ليبيا.
    • عضو اللجنة العلمية لبحوث التخرج لطلبة الدراسات الاولية.
    • عضو اللجنة العلمية للدراسات العليا.

ث /النشاط المهني :

  1. عملت في الصحافة العراقية منذ عام 1977 مثل صحف الثورة ، القادسية  و الجمهورية .مراسل مجلة كل العرب في بغداد .رئيس تحرير صحيفة الرقي الليبية.مدير مدرسة التضامن ( بغداد) لتأهيل وتدريب الصحفيين التابعة لمنظمة الصحفيين العالمية في نقابة الصحفيين.
  • محاضر دائم في مركز التدريب الإعلامي بوزارة الثقافة والإعلام العراقية .المدير التنفيذي لشركة الرقي للخدمات الإعلامية والتسويقية  ليبيا  2007 – 2009.مستشار اللغة العربية والإعلام للسفارة البريطانية في طرابلس –  ليبيا / 2007 – 2009.رئيس تحرير صحيفتي مشرقيات المطبوعة والالكترونية في كندا.تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها في كندا.

ح.المشاركة في العشرات من المؤتمرات والندوات وورش العمل.

خ. العضوية:

  • عضو المكتب التنفيذي للتجمع الثقافي في العراق.عضو اتحاد الصحفيين العرب.عضو اتحاد الصحفيين الدولي.عضو جمعية الصحفيين الكنديين.عضو نقابة الصحفيين العراقيين .عضو مجلس ادارة نقابة الصحفيين العراقيين  لدورتين انتخابيتين. 

د . المهارات:

الحاسوب الآلي والانترنت.

ذ . اللغات : العربية والانجليزية.

مقالات ذات صلة