Uncategorizedفكر

دمشق – بغداد … (رايح جاي)..

      في عددٍ لا يُستهان به من المشاهد، وفي ما يتعلق بالساحتين السورية والعراقية بتَّ وكأنَّك ترى نفسَك في المرآة بصورة عكسية تماماً ولكن بمعنى واحد.

     بالنسبة لنا (أنا والمُتكاثرون) كُنّا وما زلنا نؤمن أن الطائفية، هي أخطر أمراض مجتمعاتنا، وأن الأمم التي تريد أن تندحر، فإن أقصر الطرق لهدفها هذا هو الطائفية.

    أحد أبرز عناوين الخطاب السياسي والثقافي الحالي الذي يتسيَّد المرحلة الحالية في سوريا هو إدانة نظام بشار الأسد لكونهِ كان يُمثّل حكم الأقلية العلوية للأكثرية السنية في سوريا, وهو بدون أدنى شكٍّ العنوانُ ذاتُهُ الذي تمسّكت به الثقافة الطائفية في العراق كون نظام صدام حسين كان يمثل حكم الأقلية السنية للأغلبية الشيعية في العراق.

     من جانبنا ومنذ البداية كنا نؤكد على أن ثقافة الأغلبيات والأقليات هي ثقافة سياسية بمعنى أن الأغلبية هي أغلبية المبادئ وليست أغلبية الطوائف, وكنا نعلن أن بالإمكان الحكم على نظام صدام وإدانته من خلال أكثر من عنوان أما العنوان الطائفي فهو أقلّها شأناً، والذي يجب أن يعالج بحكمة لكي لا يصيب العراق بمقتل.

      في سوريا ومنذ بداية الثورة ضد نظام بشار الأسد, أي في عام 2012, كتبتُ عديدَ المقالات التي تؤكد أن بالإمكان إدانة نظام الأسد من خلال العديد من عناوين جرائمه، بدلاً من التركيز على عنوان حكم الأقلية العلوية للأكثرية السنية, وكُنّا في العراق قد عشنا المآسي التي تخلقها تلك العناوين بشكل صارخ, ولقد كنت في مقدمة من كتبوا ضد تلك الثقافة منبِّهاً إلى أنها الطريق الأقصر لتدمير العراق، ومؤكداً أنَّ الأغلبية السياسية، هي الحل، وليس الأغلبية الإجتماعية. وبالعنوان القصير قلت إنّ الأغلبية هي أغلبية برنامج وليست أغلبية طائفة وأغلبية الفكرة وليست أغلبية العدد.

     ما يدور اليوم في سوريا يَشي بإمكانية أنْ تتكرَّر المأساة إنْ لم تتم معالجتها بطرق واضحة وسريعة, وأول تلك المعالجات هي الكفُّ عن إدانة نظام بشار الأسد كونهُ يمثل حكم الأقلية العلوية للإكثرية السنية، لأنَّ ذلك سيمزّق سوريا حتماً كما مزّق العراق, أي الكف عن المعالجات الثأرية بدلاً من المعالجات الثورية.

    إن كلا النظامين الساقطين كانَ نظاماً استخدامياً للطائفة، ولم يكونا طائفيين إلا بهذا المعنى, ولو حدث أنْ أدانَ عراقيٌ سنَيٌّ نظامَ بشار كونه كان نظاماً طائفياً، يُمثِّل حكمَ الأقلية الشيعية للإغلبية السنية، فعليه أنْ يعلم أنه يدين بإدانته تلك، نظام صدام كونه كان يمثل حكم الأقلية السنية للإكثرية الشيعية العراقية, وبهذا يكون قد وقع في الفخ الذي نصبه بنفسه, كما ويكون قد وضع في أيدي خصومه الورقة نفسها التي وضعها في يده.

    قد يكون نظام بشار طائفياً أو قد لا يكون. وقد يكون نظام صدام نظاماً طائفياً أو قد لا يكون, غير أنَّ إدانة من هذا النوع يجب أن تتراجع بسرعة, لا بل ويجب أن تسقط بسرعة ومعها يجب أن تسقط ثقافة أنَّ الأكثرية هي أكثرية العدد لا أكثرية الفكرة والبرنامج, وعليه فإنَّ الحاكم الرئيس في سوريا قد يكون درزياً أو مسيحياً إذا كان برنامجه السياسي والثقافي هو الأفضل للحكم الوطني.

مقالات ذات صلة